shopify site analytics
البرلمان المصري يحمل حكومة إسرائيل مسؤولية التصعيد الخطير في غزة - "كتائب القسام": اخترتم اقتحام رفح.. لن تمروا - الرئاسة الفلسطينية ترحب بقرار جزر البهاما الاعتراف رسميا بدولة فلسطين - الدبابات الإسرائيلية تتوغل في رفح - تم إبلاغ إسرائيل بخطورة التصعيد وجاهزية مصر للتعامل مع السيناريوهات - وصفها بالجريمة الآثمة والإعتداء الجبان - الرئيس الجزائري: لا تنازل ولا مساومة في ملف الذاكرة مع فرنسا - السيول تجرف المواطنين في اب - نتيجة للامطار الغزيرة وفاة 5 أطفال غرقا وانهيار منازل بلحج - الهيئة العسكرية العليا تتوعد بالتصعيد في عدن -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - سواء أكانت النظرة التحليلية لمآلات الربيع العربي جرت بعين مؤرخ رصين، أو كانت من منظور باحث سياسي محترم،

الإثنين, 20-فبراير-2012
صنعاء نيوز -
سواء أكانت النظرة التحليلية لمآلات الربيع العربي جرت بعين مؤرخ رصين، أو كانت من منظور باحث سياسي محترم، أو دبلوماسي محترف، فلن تختلف على الأرجح الرؤية التقويمية المتفاوتة للعام 2011، على أنه كان بحق عام التحولات العميقة، أو قل المرحلة التأسيسية لما سيليها من مراحل لاحقة في الشرق الأوسط، حيث بدا العام المنصرم كمنعطف تاريخي، جديد انفتح أمام فيض من التطورات المفاجئة، أو كزلزال سياسي قوي انهارت بفعله أبنية وقلاع شامخة.

فقد عصف ما بات يعرف باسم الربيع العربي، بالبنى السياسية القديمة في المنطقة، وبالتوازنات الهشة في الإقليم، وبمعادلات علاقات القوة والتحالفات وتوقعاتها المحتملة، وبالصورة والمفاهيم السائدة حول هذه المنطقة من العالم، وشرعت المتغيرات الجديدة في إعادة إنتاج مشهد جيوسياسي مركّب أكثر من ذي قبل، وتكوين صورة جديدة معقدة، الأمر الذي يفاقم من صعوبة تقدير الموقف.

ولعل أفضل تشخيص ممكن لهذه الوضعية الانتقالية المكتسبة بفعل قوى وطنية اكتشفت قدراتها الذاتية الكامنة، في إطار مشهد دولي يزداد التباساً وسخونة سياسية، القول بأن كل شيء في الشرق الأوسط معلق الآن في الهواء، تحركه ديناميات داخلية باتت خارج نطاق السيطرة والتحكم، وتزيده قلقاً، مؤثرات خارجية متضاربة، وتوازنات إقليمية هشة، وحسابات محلية تغذي نفسها بنفسها من التحسبات المفرطة، والمصالح المؤقتة.

من الناحية الأخرى، فقد عرف الشرق الأوسط بتعريفه الجديد، مجموعة لاعبين إقليميين فاعلين، تعاقبوا على رقعته الجغرافية الواسعة في غضون العقود الثلاثة الماضية، وتبادلوا فيما بينهم لعبة القوة، الناعمة منها والخشنة، المباشرة وغير المباشرة، الأمر الذي جعل من المنطقة ملعباً يغري بملء الفراغ ومد النفوذ بسهولة، وذلك كله على وقع متغيرات دولية أوسع مدى.

لقد شكلت القوى الإقليمية الفاعلة بدرجات متفاوتة، وهي مصر والسعودية وإيران، وتركيا، وإسرائيل في الثلاثين عام الماضية، مراكز قوى إقليمية ظلت تتنافس فيما بينها، إلى أن تبلور في السنوات الأخيرة بشكل لافت، مثلت قوى غير متساوي الأضلاع، كان حينما يمتد ضلع من أضلاعه يتقلص ضلع آخر، على نحو تبادلي يتم فرضه تارة بفعل القوة الذاتية وحدها كما في الحالة الإيرانية والتركية حيناً، أو بفعل القوة الذاتية المدعومة بلا حدود من قوى دولية رئيسية كما في الحالة الإسرائيلية حيناً آخر، بينما تراجعت مصر وراء مشكلات داخلية حسمت نهائياً في ثورة يناير، فيما بدأت المملكة العربية السعودية أكثر تصميماً من ذي قبل على تعزيز دورها الإقليمي والدفاع عن قيادتها للعالم العربي، وذلك من خلال تفعيل وتوسيع مجلس التعاون الخليجي، وتحصين وضعها الذاتي.

أما في الإطار الأشمل، فقد كان المشهد الدولي يواصل، على مدى العقود الماضية، تدشين حالة من المتغيرات الكبرى، حيث فقد العالم العربي في غضون ذلك حليفاً دولياً كبيراً قوياً ومنافساً، كان اسمه الاتحاد السوفيتي، بينما برزت الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم، بوجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط في أكثر من مكان، مدشنة هي الأخرى عصراً جديداً من السيطرة والتحكم في مقادير المنطقة، التي صارت تعرف بالشرق الأوسط الكبير، الممتد من أفغانستان إلى إفريقيا شمال الصحراء الكبرى، مطلقة بذلك حروبها المتتالية ضد القاعدة وطالبان والإرهاب الدولي والعراق.

كانت إسرائيل من أكبر المستفيدين من هذه التحولات في المشهد الدولي، حيث عززت تحالفاتها وعلاقاتها أكثر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وركبت على موجة الحرب ضد الإرهاب، لتزيد من إرهاب الدولة المنظم ضد الشعب الفلسطيني، وتجهض تحت هذه الذريعة عملية سلام كانت قد بدأت لتوها، وتمعن في استيطانها للأرض ومصادراتها لحقوق الإنسان الفلسطيني الأساسية، ثم تقوم فيما بعد بشن عدوان بربري شامل ضد قطاع غزة، لتستكمل بذلك عدواناً آخر كانت قد شنته من قبل ضد الضفة الغربية، أفضى إلى إعادة احتلال المدن وتطويق السلطة الوطنية الناشئة، أو قل إعادة الوضع كله إلى المربع الأول.

على هذه الخلفية يمكن التقاط الأهمية الاستثنائية لاندلاع موجة الربيع العربي في أرض تصحرت سياسياً منذ أمد طويل، وبدت كأنها جزر معزولة عن عالم شهد سلسلة من المد الديمقراطي، وسادت لدى شعوبه قيم الحرية والتعددية والشفافية، وسقطت فيه رايات الحكم الفردي والنظام الشمولي، من أوروبا الشرقية إلى أواسط آسيا، إلى أميركا اللاتينية، فيما ظل العالم العربي وكأنه الاستثناء الوحيد على هذه القاعدة، أو قل قلعة منيعة في وجه كل رياح التغيير المتعاقبة على مدى نحو ربع قرن حافل بالمتغيرات والمعارف والتقدم على كل صعيد ممكن.

وهكذا، فإن أول ثورة شعبية سلمية مفاجئة حتى لأصحابها اندلعت في تونس، ثم سرعان ما انتقلت إلى في مصر حيث البلد العربي القادر على تقديم النموذج الملهم للمحيط المجاور، وبعد ذلك في العديد من البلدان العربية الأخرى، في ليبيا واليمن وسوريا، نقول كانت كل هذه الحراكات الشعبية، أقرب ما تكون إلى حالة التمرد والثورة الشعبية، وحققت في زمن قياسي ما بدا لوقت طويل مضى على أنه ضرب من ضروب المستحيل بعينه.

وفي انتظار جلاء نتائج هذا الربيع العربي، فإنه يمكن من الآن رؤية المشهد الإقليمي السابق على أنه مشهد بات من الماضي، وأن ما نحن عليه اليوم صار مختلفاً عما كان عليه قبل عام فقط، حيث سقطت العديد من الرهانات والمسلمات والحسابات لدى مختلف القوى والأطراف المخاطبة بهذا التحول التاريخي العميق، في واحدة من أكثر مناطق العالم جذباً للاهتمامات والمصالح، وأشدها قابلية للاشتعال، وأكثرها احتواءاً للنزاعات والأطماع والادعاءات، وللأساطيل والغزاة، وذلك على نحو ما يشهد به تاريخ الشرق الأوسط منذ أمد بعيد.

لقد أطلق الواقع الجديد في العالم العربي قوى كامنة، وكشف عن حقائق مغيبة، وأنهى عهوداً طويلة من الاستبداد، ووضع حداً لظاهرة توريث السلطة للأبناء، ورفع عالياً من قيم الحرية والعدالة والمشاركة وتداول السلطة والدولة المدنية والإعلام المستقل، وغير ذلك من مظاهر ثقافة سياسية كانت ممنوعة من التداول لدى أنظمة كانت أقرب إلى جمهوريات الصمت وممالك الخوف.

والسؤال هو: كيف أثرت هذه التحولات الجذرية في المنطقة العربية على ميزان القوى الإقليمي، وما هي انعكاساتها الأبعد مدى في إطار المشهد الدولي القائم في هذه المرحلة؟ ومن ثم من هم الرابحون ومن هم الخاسرون في سياق هذه المتغيرات التي لم تقل كلمتها النهائية بعد؟ وهل رفعت هذه التفاعلات من درجة حرارة المنطقة واقتربت بها من حافة الحرب أكثر، أم أنها نأت بملفاتها الساخنة عن الحافة السحيقة؟ وفي غضون ذلك كله، ما هو شكل الصراع العربي الإسرائيلي في خضم هذه المتغيرات غير المكتملة بعد؟

لتكوين فهم أفضل لمثل هذا السياق التاريخي العريض لرؤية المشهد المتحول، والوقوف عن كثب على مكوناته الجوهرية التي ما زالت مفاعليها مستمرة إلى اليوم، فإنه يجدر بنا مقاربة هذه التطورات غير المسبوقة في سياق إقليمي أوسع، وقراءتها مجدداً في إطار مشهد دولي قد يواصل تغيراته إلى أجل غير معلوم، حيث الربيع العربي يشكل أحد هذه المعطيات المؤهلة لإحداث تبدلات مهمة، وإن كانت جزئية، على مسرح السياسة الدولية المتغيرة أيضاً.

وقبل العودة إلى ما أسميناه في مطلع هذه الورقة باسم مثلث القوى الإقليمية الأكثر فاعلية اليوم في الشرق الأوسط، ونعني به كلاً من إيران تركيا وإسرائيل، يجدر بنا الإشارة إلى حقيقة من حقائق مخرجات الربيع العربي، تحققت على نحو مبكر، وباتت كنتيجة حاسمة من نتائجه الكثيرة، ونعني بذلك تراجع ثقافة الإرهاب التي سادت في الشرق الأوسط فترة من الزمن وكادت تدمغ حركة التحرر الوطني الفلسطيني بهذه الوصمة، حيث تقدم بديل ديمقراطي ليبرالي شبابي إسلامي يتسم بالاعتدال والبراغماتية، ليحتل مكانه ويأخذ دوره كقوة تغيير سلمية لا تجارى.

وهكذا، ومع اندلاع الربيع العربي معافى من أمراض المرحلة التاريخية السابقة، بما في ذلك آفة الإرهاب، لم تجد قوى التطرف هذه مكاناً لها وسط ملايين الشباب القادم من عالم التكنولوجيا والمعارف الحديثة، الثائرين لكرامتهم، الساخطين على أنظمتهم المستبدة، من ديمقراطيين ومثقفين، ونساء ورجال وقادة رأي عام، وقوى اجتماعية وجمعيات حقوقية، ونشطاء مدنيين، وقوى حزبية، قطعت جميعها مع الماضي البائس بكل سلبياته، وتولت بنفسها زمام قيادة المرحلة الجديدة.

وفي غمرة هذا الحراك، حاولت إيران كقوة إقليمية إدعاء أبوة هذا الحراك الشعبي الثوري وتجييره لصالحها، إلا أنها سرعان ما خسرت هذا الرهان عندما وصل الربيع العربي إلى سوريا ووقفت إلى جانب النظام المتوحش وليس إلى جانب الجماهير الثائرة، بينما ظلت تركيا تعمل لتعظيم ميزان أرباحها وتراكم عليه، بعد أن استقبلت أنقرة الربيع العربي بصورة إيجابية معلنة، وبنت على تباشيره مزيداً من السياسات المتعاطفة والمواقف الداعمة، الأمر الذي عزز من حضورها، ورجح من دورها الإقليمي كقوة اعتدال واستقرار، وجعل نموذج حكمها الإسلامي المعتدل أكثر قابلية للتمثل والمحاكاة من جانب قوى الحراك الشعبي العربي، بما في ذلك القوى الإسلامية التي كانت قد استلهمت تجربة حزب العدالة والتنمية، حيث راحت تلعب أدواراً متنامية في إطار الحراك الجماهيري الراهن.

أما إسرائيل التي هي بيت القصيد في هذه الورقة، باعتبارها أحد أهم الأطراف المخاطبة بصورة أو بأخرى، بتداعيات هذا التحول العميق الجاري في قلب المشهد الشرق أوسطي، لاسيما وأن العديد من بؤر الحراك الشعبي تقع على خطوط التماس التقليدي معها، سواء أكانت هذه الخطوط ذات بعد جغرافي، أو كانت ذات محتوى سياسي أخلاقي، نقول ظلت إسرائيل تتجاهل المغزى بعيد المدى وبالغ الأثر والتأثير على شقيّ معادلة الصراع، وهوية المتصارعين، وخطاب عملية سلام لم يتبق منها في واقع الأمر سوى الاسم فقط، حيث أقنعت الدولة العبرية نفسها، أنها في منأى عن رياح هذه العاصفة، بل وفي مأمن من تداعياتها المحتملة.

وبقراءة سريعة لموقف إسرائيل إزاء ثورات الربيع العربي، نقول بدت إسرائيل وكأنها غير معنية بمجريات الربيع، خصوصاً عندما تفتحت أزهاره الأولى في تونس، غير أنه عندما اندلع الربيع في القاهرة، بدت القيادة الإسرائيلية قلقة مما رأت فيه حريقاً قد يطالها، وتهديداً يمس ركيزة قوية من ركائز إستراتيجيتها المستقرة منذ ربع قرن مضى، مما حملها على التوجه للولايات المتحدة، لحيلولة دون انهيار أحد أهم أسس النظام الشرق الأوسطي القائم بعد كامب ديفيد عام 1979، ومنع انهيار القاعدة الجيوإستراتيجية التي بنت عليها مجمل خياراتها السياسية الرافضة للسلام العادل والشامل.
ومع ذلك فقد كان الارتباك سيد الموقف لدى إسرائيل طوال الوقت غير الطويل من زمن الربيع العربي، حيث بدت رغم قوتها الفائقة، ونفوذها الدولي الواسع، غير قادرة على القيام بأي دور من شأنه التأثير في المجريات العربية التي راحت تتدفق من حول أسوار القلعة المحصنة، حتى بعد أن سقط نظام الرئيس المصري حسني مبارك، ونشبت الثورة الشعبية في أكثر من رقعة عربية واحدة، وامتدت إلى سوريا حيث أكثر رقاع الجغرافيا تأثيراً في عموم المحيط المجاور، بما في ذلك إسرائيل، التي أظهرت حالة مريبة من عدم الاكتراث والتجاهل لأحد أهم وقائع الربيع المنذرة بتبدلات عميقة الغور في الشرق الأوسط.

في غمرة هذه المتغيرات التي لم تكن متوقعة من قبل، تركز اهتمام إسرائيل فقط على مستقبل حالة السلام القائمة مع مصر، والإبقاء عليه في هذه الحالة بارداً بلا نتائج، انتظاراً لانقشاع غيوم هذه المرحلة المفتوحة على شتى الاحتمالات، بينما انصرفت كلياً إلى الحيلولة دون تأثير نتائج الثورة في مصر على اتفاقية السلام واستمرار العلاقات الدبلوماسية، وذلك على نحو ما بدت عليه اتصالاتها العاجلة والمكثفة مع الولايات المتحدة، حيث أثمرت هذه الاتصالات عن تجديد التزام المجلس العسكري المصري الحاكم، ناهيك عن القوى الإسلامية الصاعدة، بتلك الاتفاقية التاريخية، على الأقل في المدى المنظور.

إلا أن سياسة الترقب والانتظار والتأجيل المهيمنة على عقلية القيادات الإسرائيلية، أملت على هؤلاء المشتغلين بالمسائل الجزئية الانصراف تماماً عن القضايا الفرعية الصغيرة إذ عوضاً عن اغتنام الفرصة المتاحة لإحراز تقدم على مسار عملية السلام المعطلة، راح قادة إسرائيل يوجهون اهتماماتهم إلى مسائل من وزن استمرار تدفق الغاز المصري من الأنبوب الذي تعرض إلى التفجير لمرات عديدة، ويثيرون المخاوف من سيطرة الإرهاب على سيناء، ويركزون على منع وصول السلاح الليبي إلى غزة وغيرها من القضايا الأخرى الصغيرة، ويكثرون في الوقت ذاته من الحديث الكاذب عن رغبتهم في السلام مع الفلسطينيين، بينما يغيرون معالم الأرض ويغيرون هوية القدس، ويزرعونها بالمستوطنات كل يوم، ويمارسون أبشع الانتهاكات والقمع والاعتقال والحصار ضد الفلسطينيين، في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ولما كان سجل الشرق الأوسط أقرب ما يكون إلى سجل كبير من الفرص الضائعة، والمبادرات الدبلوماسية المهدورة، فإن مما يؤسف له حقاً القول أننا اليوم نجتاز عتبة إهدار فرصة جديدة مقدر لها أن تذهب سدى على نحو ما ذهبت إليه سابقاتها، وأن تتحطم مجدداً على صخرة التعنت والمراوغة الإسرائيلية المعهودة، لاسيما في غمرة انشغال الدول الغربية بأزمتها المالية تارة، وبانتخاباتها الرئاسية تارة أخرى، ناهيك عن انشغال العالم بالملف النووي الإيراني ومضيق هرمز والتطورات الدراماتيكية السورية، وغير ذلك من الأزمات التي تلقي بظلالها الكئيبة على أزمة الصراع العربي ـ الإسرائيلي المتفاقمة جيلاً بعد آخر، وتبعد بها عن مركز اهتمامات الأسرة الدولية.

ولعل من بين أهم المتغيرات الكبرى التي نجمت عن الربيع العربي، وهو بعد في طوره الأول، تتمثل في انتهاء حالة الاستقطاب السياسي الذي استبد بالعالم العربي على مدى حقبة من الزمن الحافل بالخلافات والمساجلات النظرية، حيث انفرط عقد كلا المعسكرين، معسكر الاعتدال الذي كان قائماً على قاعدة ارتكازه المصرية، كما انتهى بالمقابل ما سمي بمعسكر الممانعة إلى نتيجة مشابهة، خصوصاً بعد أن انشغلت سوريا في حربها مع الاحتجاجات الدائرة على أرضها، ودخلت إيران طوراً لا سابق له في مواجهة حزمة كبيرة من العقوبات النفطية والمالية والمصرفية.

وهكذا، يبدو من الصحيح تماماً أن كل ما يمر به الشرق الأوسط في هذه الآونة من تحولات، وما ينتظره من استحقاقات وأخطار، هو وضع انتقالي مؤقت، فيه من الأسئلة أكثر مما فيه من الإجابات، ينذر بمفاجآت لا يمكن التنبؤ بها من الآن، بما في ذلك التطورات الملتبسة على ضفاف الخليج وفي بحر عمان، والتهديدات الإسرائيلية التي لا تتوقف عن إعادة اجتياح قطاع غزة من جديد أو المغامرة في حرب جديدة على المستوى الإقليمي، فضلاً عن تداعيات أزمة سورية تتشابك من حولها قوى ذات مصالح متناقضة، قد تؤدي إلى انفجار وضع عسكري يقود إلى حرب إقليمية عند وقوع أدنى سوء فهم أو خطأ في الحسابات.

على ضوء ذلك كله فإن من غير المجازفة القول أن المشهد الإقليمي المركّب في الشرق الأوسط قد ازداد اليوم تعقيداً عما كان عليه، وأن النذر التي كانت كامنة في سمائه الملبدة تقليدياً بالغيوم السوداء قد تضاعفت أكثر من أي وقت مضى في هذه المرحلة، وأن أميركا التي حولت اهتماماتها الإستراتيجية من الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا، هي اليوم في حالة تراجع ملحوظ، خاصة بعد النتائج غير الواعدة لها في العراق، وإلى حد ما في أفغانستان، فيما أوروبا الغربية تغرق في أزمة اليورو والديون السيادية، ومخاطر توقف نفط الشرق الأوسط، فضلاً عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أكثر من عاصمة واحدة من عواصم القارة العجوز.

فإنه يمكن الترجيح بالمقابل، أن روسيا والصين تمتلكان قوة أفضل، وفرصة سانحة أكبر من ذي قبل، لتعظيم دورهما المنسق في إطار أزمة الشرق الأوسط، وذلك بزيادة تدخلهما الإيجابي النشط في مختلف الأزمات الفرعية في المنطقة، والبناء على علاقاتهما التاريخية مع الشعوب العربية، وذلك إذا ما أحسنت كل من موسكو وبكين فهم المخرجات الناجمة عن الربيع العربي، وتمكنتا معاً من تقويم المتغيرات العاصفة على حدودهما الجنوبية، ومن ثم القيام بلعب أدواراً أشد تأثيراً في الدفع باتجاه حل عادل وشامل للصراع العربي الإسرائيلي، وفي القلب من ذلك تلبية الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)