صنعاء نيوز /عبدالرحمن بجَّاش - -
ذات مرحلة من عمر لا يزال مستمراً سكن قلبي وعقلي حافة إسحاق، كانت تعز أيامها قد خرجت إلى شارع سبتمبر، حيث مر اليمنيون جميعاً إلى حلم وُئد، وها هم يتلمسون الطريق إليه من جديد، لم تكن المدينة قد ظمئت بعد، وكان مشروع كنيدي بسيارته الحمراء يطمئن النفس إلى أن ثمة مخزوناً لا تزال الأرض تستوعبه سيشرب منه الإنسان متى ما أراد، وبقية المحافظة كانت السواقي لا تزال دفاقة، وضباب تعز يسيل واديه، وضباب الفضول يزداد كل يوم اخضراراً، حتى سيارات شركة المخا للزراعة كانت تحلم بمحافظة خضراء لا ينزف ماؤها، للأسف هناك مَنْ جعل الحياة تنزف وليس الماء وحده، كان الوراد علامة المدينة التي لم تكن قد حنبت بعد!! كانت بالفعل حالمة أخرجها مَنْ أخرجها من حلمها، من قتل تطلع البلاد كلها إلى مستقبل أفضل.
اليوم البلاد كلها ظمأى!! نتيجة العشوائية المخطط لها نضبت أرض المحافظة كلها، مَنْ كان يتصور أن الكاذيه سيأتي يوماً تجف ينابيعها، وتتحول سائلتها إلى مجرد ممر قاسٍ يطير منه الغبار بعد السيارات!! الضباب لم يعد ضباباً، بل أصبح أطلالاً من قبح صار عبئاً على المدينة بعد أن كان جنّتها!!
الآن إذا أريد لتعز أن تتحول إلى مدينة للثقافة فلا يمكن لها أن تظل تبحث عن قطرات من الماء تروي بها ظمأ ضيوفها، والأمر ليس مسؤولية المحافظ وحده، بل هي الحكومة، بل وكل منظمات المجتمع المدني، وأن يخصص مجلس الوزراء (15) مليون دولار من تمويلات المانحين لمشكلة المياه بتعز فيعني أن التحلية كانت أضغاث أحلام، على أن المبلغ مثل مبلغ طريق صبر يجب أن يكون تحت تصرف المحافظ وليس غيره، فسنوات طويلة وعلى حساب حلوق الناس تدفقت الأموال إلى جيوب اخضرّت وجفت نفوس الأطفال، وعلى الحكومة أن تعلن من الآن تاريخاً محدداً لانتهاء المشكلة حتى تتفرغ المدينة لمشاكلها الأخرى، على أن مشكلة المياه لا بد من البحث عن حلول لها في البلاد كلها - وخذ العاصمة مثلاً - في مؤتمر قومي للوقوف على كارثة مائية نذرها تسابق الوايتات، فهل نعقل ما نحن مقدمون عليه؟ |