صنعاء نيوزعبدالرحمن بجَّاش - -
ما يحدث الآن في مصر، للوهلة الأولى يعطيك انطباعاً بأن لا فائدة في هذا العالم الذي يوصف دائماً بالمتخلف، ومع ذلك فما يحدث في مصر سترى انعكاساته في العالم العربي، وليس عبثاً أن يقول الغنّوشي، الأذكى والأكثر عقلانيةً من الظواهري، إن الأنظار يجب أن تظل الآن مركّزة على القاهرة، ويقال أن محمد علي باشا وجمال عبدالناصر كانا قارئين جيدين للتاريخ، عكس السادات، الذي ظن أنه بمجرد التخلص من الجمهورية العربية المتحدة ومحاولة فرعنة مصر، سيخلصها من محيطها المتخلف وسينتقل هو إلى مصاف دول الغرب، لقد بيّنت الأحداث في ما بعد قُصر نظره، برغم استعادة سيناء، وأدرك صلاح عيسى في ندوة عابرة أن مصر حين تنسى محيطها تخسر دائماً.
الآن يروّج بعض المثقفين «للحوض متوسطية»!! ويظنون بذلك أنهم سيضلّلون راسم السياسة الإسرائيلي، وأنهم بمجرد إعلان ذلك ستنتقل ليبيا - مثلاً - إلى جزيرة العرب، ليزحف البحر المتوسط على الفراغ وتحاط مصر به ويتناسون أن تونس تبحث عن بعدها العربي.
القادم بعد فرز آخر صندوق، سواءً شفيق أو الإخوان، ترى كيف يقرأون الخريطة؟ إذ على ضوء القراءة سيتحدد نوع المستقبل للمنطقة كلها، ولنا أن نذكّر بأن تركيا لم تحقق ما هي فيه إلاَّ عندما عادت إلى محيطها، فمصر دولة محورية، وما يحدث فيها انعكاس لتأثيرها وتأثرها بمحيطها ولموقعها التاريخي والجغرافي، لذا تجد أطرافاً كثيرة تتواجد في غرف فنادق القاهرة تتابع وتراقب وترسم وتخطط.
لو كان نظام مبارك ذكياً ما ترك ذلك الكتاب الذي أصدره الصحفي البريطاني قبل اندلاع ثورة 25 يناير، والذي توقع الانفجار، وظنت أجهزة الأمن أنها بطرد الرَّجُل ومصادرة كتابه قد أمنت وأمَّنت، وهي نفس مصيبة الأنظمة العربية التي قضت على القوى الحية، فجاءتها الضربة من حيث لا تتوقع.
السؤال الآن : هل ما يحدث طبيعي على طريق الولادة الصعبة بعد سنين من التراكم؟ أم أنه العقم، فقط، يعيد - كما يبدو ظاهرياً - الأمور إلى نقطة الصفر!!
حسن أبو طالب يعزو ما حدث إلى أخطاء ارتكبها الجميع، هل يحدث الانفجار في مصر؟ لا يمكن، لترسخ الدولة وحماية المؤسسة العسكرية لها، ولأن مَنْ في الفنادق يراقبون يعملون بكل ما يستطيعون كي تظل اللعبة مشتعلة في جبهة السياسة، ولأن راسم الخارطة الجديدة يخرج الفيلم الذي سيعرض قريباً بما يؤدي إلى الحفاظ على مصالح الأطراف كلها، الإقليمية وتلك التي على البُعد.
نعود إلى السؤال الأهم : هل ما يحدث - أيضاً - نتيجة عدم قدرة هذه المجتمعات على إحداث التغيير فعلاً، لأنها لا تمتلك شروطه ولا أدواته؟ إذ أنك حين ترى وقد سرق نفس اللاعبين المعتمدين الميدان من الشباب الذي خرج ينادي بالتغيير، يجعلك تعيد السؤال ألف مرة، فإعادة إنتاج قواعد جديدة للعبة بنفس اللاعبين يحتّم إعادة السؤال المركزي : هذا العقم هل هو نتيجة لعقم الأنظمة التي صنعها البعدان الإقليمي والعالمي؟
لا بد من وضع مثل ذلك السؤال وغيره على الطاولة ومناقشة إلى أين المآل بعد كل ما أريق من دم وشعارات في الميادين والشوارع، يظل السؤال قائماً : هل سنعود إلى المربع الأول وعبر الصناديق؟ وهل نجح مَنْ في الفنادق في تجيير اللعبة واحتواء الفعل؟ أم أن موجّه نفس اللعبة هو مَنْ حوّل حركات التحرر إلى مجرد أدوات؟ وهل هذه المجتمعات لا تزال عاجزة عن إنجاز الفعل والوصول إلى التغيير الذي امتلكت أدواته وشروطه دول شرق أوروبا؟