صنعاء نيوز/فائز سالم بن عمرو -
حينما ثار الإمام العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورفض ان يدفع الأموال إلى القبائل العربية المؤلفة قلوبهم؛ ليؤسس لدولة مدنية حديثة تستمد شرعيتها وقوتها من الاحتكام للقانون ويسودها العدالة والمواطنة المتساوية، دولة مدنية تجفف ثقافة العطايا والهبات. يرد أمير المؤمنين العادل على المغرضين الذين رفعوا راية الدين والنص القرآني «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم.. «بقوله: من أراد العطاء فليسجل بديوان الجند، وإنما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم؛ لأن الإسلام كان ضعيفا ويتألف قلوب الناس.
تدفقت الأموال على اليمن لتصير هذه الأموال المسمومة كعبة زائفة أقامها بقايا أبرهة ليتعبدو حولها ويمارسوا طقوس المكاء والتصدية اقتداء بالجاهلية الأولى ، ويحوّلون المحبة والرقة والحكمة في قلوب اليمنيين إلى العداوة والبغضاء ، وينشرون ثقافة الأحقاد والشتم . بعد أربعة عشر قرنا من ظهور دين التسامح والرحمة تعود ثقافة المؤلفة قلوبهم من المال القطري الخليجي ، وتشتغل لغة الأرقام وتزداد الحوالات المالية استعارا ، ليتبع المال الأحمر تزايد في الهيئات والمجالس والمنظمات والأحزاب والتكتلات . فكل هذه المجموعات المؤلفة قلوبهم يرفعون شعار « اليمن أولا وحضرموت أولا والحرية أولا والديمقراطية أولا « ، ويتاجرون بدماء اليمنيين وآلامهم وآناتهم بضاعة رخيصة في دكاكين المانحين ومراكز الاستخبارات ومجالس الهيمنة ، ويتم المزاد بشكل بسيط مَن يدفع أكثر يحصل على تدخل وتذلل اكبر وعبودية مطلقة حسب العملة التي يدفع بها .
المجالس الموقرة والمتكاثرة كالفطر التي فاقت في تعدادها سكان اليمن كلها تدعي العصمة ، وتحلف بشرفها وتتلبس بالتغيير ، وتزايد في نخاسة النزاهة والشفافية ، وتطبق وتتبع قاعدة معروفة « قوي لسانك ... وادعي واكذب « ، فالمغفلون بالجملة وتجار المواقف ومرتادي المنصات ومتتبعي العزائم والبوفيات كُثُر . والحمد لله هم في ازدياد لا نقصان .
هذه المجالس والهيئات لم تمارس الديمقراطية إلا خطابا وزيفا ، فيكفي ان تحضر دعوة لهذه المجالس الموقرة لتجد الأوراق جاهزة والأهداف مرسومة والخطط قائمة واللجان معدة ومتوافق عليها ، وما على الجميع إلا التصفيق الحار بعد تلاوة البيان الختامي ، وينفض الاجتماع ليقال بعده « سعيكم مشكور « . أي شفافية أو نزاهة أو ريح مصداقية تملكها هذه التكتلات والمجالس ، وأنت ترى أصناما مسمرة على المنصات من مدمني المواقف ومتصيدي الظهور وكثيري البلبلة والزعيق . يحلفون الإيمان المغلظة بأنهم يبذلون دماءهم وربما دموعهم من اجل الشباب ، وإذا راجعت الرئاسات واللجان ، فلن تجد حتى بالغلط شابا مركوزا أو معدودا في قوام هيئتها الإدارية والتنفيذية ، إلا إذا كان هذا الشاب عمره تجاوز الخمسين ربيعا ، كما قالت إحدى المفكرات الطريفات ! .
ولنتجاوز نظرية المؤامرة ولنسأل عن مصدر تمويل هذه الجهات وخاصة وإنها تنعقد في فنادق فخمة مصحوبة بحملة تطبيل وتزمير من وسائل إعلام ومن بياعي الكلمة ومنتهزي المواقف ، ويرافق هذه الجوقات الفندقية مالذ وطاب من الطعام والشراب ، وحق القات وحق بن علوان وحق القائمين عليها ، فالجواب سهل : ألا تؤمن بالله الرازق أيها الجاحد الحاسد ؟! ، فإذا ألحيت في السؤال والكلاحة لأتاك الجواب القاطع : من أهل الخير والرحمة ؟! ؟، سبحان الله ، فجأة انقلب أهل الخير يتبارون في دعم المجالس والهيئات ، وجواب هذه المغالطة سهل أيضا : اليمن كما تفيد التقارير تعاني من الجوع ، وليس من نقص المجالس والهيئات . والأمر الآخر ، لماذا بعد انعقاد أي مجلس تجد القائمين عليه ، يقومون بعمرة موسمية . فهل يوجد نص شرعي يوجب العمرة بعد انعقاد أي مجلس ؟! . قبل ان اختم مقالتي يوجب عليّ الإنصاف ان اذكر بعض محاسن هذه المجالس التي أحيت سنة قرآنية قديمة ألا وهي المؤلفة قلوبهم وجيوبهم ، ولهذا وجب التنبه . ولله في خلقه شؤون .
[email protected]