صنعاء نيوزعبدالرحمن بجَّاش - -
ألم أقل دوماً وبكل التواضع إن مشكلتنا الأساسية في هذه البلاد أن لا أحد قام بتربيتنا، يذكر ما أقوله زميلي عبداللَّه الصعفاني، أحرص حرصاً شديداً على أن أتابع اللحظات الأولى قبل أي مباراة من مباريات كأس أمم أوروبا، وأسجل فيديو بكاميرتي دقائق ترديد النشيد الوطني وأركّز على ملامح الوجوه التي تردد مندمجة بكل حواسها وترى الدموع تتدحرج على الخدود الحمر حباً للأوطان، ولا تهتز لطلابنا شعرة وهم يمرون بجانب العَلَم بدون أن يحيّوه، لأن لا أحد شرح لهم ماذا يعني!! والألمان يلهثون وراء ذلك الأسود «ماريو بالوتيلي»، ولا يذهب الخيال بكم بعيداً، فقد سأل بدر، صاحبي، ونحن نتابع : كيف أسود ومن إيطاليا الزرقاء؟ قلت : هكذا هم أصحاب صقلية - الذي قهرهم بهدفيه - وعلى كل حال فالألمان عُقدتهم الدائمة الطليان.
تنتقل الكاميرا في المدرجات فتضبط دمعة نازلة من عين إحدى الجميلات رسمت عَلَم ألمانيا على خدّيها، واعتمرت قبّعة، ولبس آخرون الملابس البافارية المميزة احتفاءً بوطن، وعلى المستطيل الأخضر هل لاحظ أحدكم أن كل لاعب حين لا يوفق بكرة يرفع رأسه بحركة لا إرادية نحو السماء، وكذلك مَنْ يخترق الدفاعات ويسجل أجمل الأهداف!!
حين أقارن بيننا وبينهم لا أنتقص من وطن، بل لا يجوز، بل هو حنقي على شهداء لم نعد ندري لماذا استشهدوا!! وإحساسي بضياع اللحظة، وقولوا لي ماذا يمكن لي أن أقول وغيري حين آتي لكم بالدليل أن القضية قضية تربية حتى لو أردنا الديمقراطية، فالبداية من المدرسة، والابتدائية تحديداً، هل سمعتم أن وزير الشباب مثلاً أو رئيس اتحاد الكرة حاسبا المسؤول على المهزلة أو الجريمة التي حدثت أمام المنتخب الليبي؟ في المقابل لم تهتز لأحد شعرة، لا كاتب ولا صحفي ولا... ولا... ولا حتى مجلس النواب.
هل قرأ أحدكم العدد (1068) من صحيفة «الرياضة» الأسبوعية؟ متأكد حتى الذي قرأ ابتسم ورمى!! فالمهزلة تكررت وستتكرر، لأن لا أحد ربّى الناس على الانتماء، فقد عزف النشيد الليبي، وعزف بعده نشيد لا تدري لمن، واللاعبون واقفون كالأحجار!! حتى تنبّه بعض الجمهور وصرخوا، ومر الأمر بسلام ولا نزال نفس الشعب الحضاري!!
وزارة «واكبة» «مصهينة»، والمجلس أعضاؤه لا يقرأون أخبار «الطبّة»، وأعضاء المنتخب لم يقل لهم أحد أن العلم والنشيد من أجلهما قدمت أوروبا وروسيا تحديداً ملايين البشر في حروب الهوية وفي حربين عالميتين صنعتا الإنسان وجعلتاه يدرك أن أمته قدمت الغالي والرخيص، ولذلك لا يستطيع الآن أحدٌ كائناً مَنْ كان أن ينتكص بالحياة إلى الوراء مهما كان، لأن الناس، والصغار تحديداً، يقرأون تاريخ بلدانهم ويعلمون حجم التضحيات في سبيل الحياة الجديدة، وانظر، فأية أمّة لا تضحّي لا تستحق الأفضل - هل رأيتم ملعب وارسو الرئيسي؟ - وإلاَّ ماذا يعني رفع الجندي للعَلَم حين يقتحم موقعاً أو يحرر مدينة؟ هل يعلم الشباب ماذا تعني السبعون يوماً؟ أخشى أنهم يظنونها «لحمة».
الآن إذا مر الأمر بسلام فقل على الدنيا السلام، والغريب أن «المزعبقين» في كل شاردة وواردة لم يظهروا «ينظّروا» في أمر يستحق التنظير وحتى البكاء، سأنتظر وسترون كم نحن بعيدون، وعموماً لا يستحق الأوطان مَنْ لم يضحِّ من أجلها.