shopify site analytics
محافظة إب السياحية في ظل قيادة اللواء صلاح..!!! - ماذا قال خامنئي في اجتماعه مع قادة القوات المسلحة؟ - بعد أنباء عن خروج السنوار من الأنفاق.. عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل نتنياهو - " بالأدلة".. فوائد ممارسة العادة السرية للرجال! - سيف المنشطات مسلط على عنق الصين - جامعة الدول العربية تتدخل في تشكيل الحكومة في ليبيا - شحنات المبيدات كحرب إبادة لليمنيين وكقضية وطنية ؟! - الإفراط في استخدام المبيدات وسوء استخدامها في ورشة عمل بذمار - 200 يوم من العدوان : حرب الإبادة الإسرائيلية تتواصل - المملكة المغربية..أفول مغرب القرن التاسع عشر وبزوغ فجر عهد جديد!! -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - صنعاءنيوز

الثلاثاء, 06-نوفمبر-2012
صنعاء نيوز -




كان شخصية تشع رجولة وذكاءً وحضورا، اعتقل 11 مرة خلال اثني عشر عاما من زمن الاحتلال الإسرائيلي، ثم كانت الأخيرة في عام 1979 عندما خانه ابن بلده و"رفيقه في السلاح" الذي كان جاسوسا متعاملا مع إسرائيل ،



مات أبوه في عام 1946 عندما كان عمره ثماني سنوات وكان جدي مالكا كبيرا للأراضي، تاركا له أربع أخوات صغيرات وأم شابة جميلة غريبة من بلد مجاور، وفي العام الذي توفي فيه أبيه سرق الأقرباء المحاصيل والغلال من البيت وحتى أوراق الطابو واستولوا على بعض الأراضي، التي عرفنا عنها بعد أربعين عاما، وشحذ الناس لهم الأكل برغم ما دخل عليهم من محاصيل! ثم تزوجت أمه وباع حصته وهاجر فتى صغيرا.



هاجر إلى لبنان في عام 1954 عندما كان عمره 16 عاما، وتزوج سيدة من عائلة "فستق" وعاش هناك عشر سنوات وأنجب بنتا لا أعرفها ثم قامت الدولة اللبنانية بإبعاده، كان أبي شقيا ومشاغبا، وصل فتى يافعا لبنان وتعلم حياة العصابات والتهريب والفتوة في لبنان. كان يتجنب سرد تاريخه في لبنان، أهو الانشغال والمسؤوليات أم لأنه لا يريد.



عاد إلى فلسطين بعد عشر سنوات في عام 1964 إلى فلسطين ليتزوج أمي، ثم افتتح مقهى للشباب في قريته، أمر لا يألفه ولا يستصيغه الناس القرويين، كان التلفاز شيئا نادرا في ذاك الزمان.



كان أبي على خصام دائم مع الوجهاء المستبدين في القرية الذين كانوا يتعاملون كإقطاعيين ويفرضون سطوتهم بحكم علاقتهم بالفرسان (الشرطة أو قوات الدرك الأردنية في ذاك الوقت)، كان يتشاجر معهم دائما. كان أبي متمردا بطبعه، وسجن فور احتلال الضفة الغربية وكنت أذكر صغيرا عندما كانت القوات الإسرائيلية تداهمنا وتأخذ أسلحة وقنابل من فناء المنزل وتعتقل أبي ثم تعيده.



التحق مع ابن بلده بإحدى التنظيمات الفلسطينية في نهاية السبعينيات من القرن المنصرم لا أذكر اسم التنظيم، وكانا يذهبان للتدرب في سوريا على صنع القنابل واتفقا على تنفيذ عملية في القدس بثلاجة، وفي يوم الذهاب إلى الأردن أو سوريا لتلقي التعليمات، صعد مع "رفيقه" على "الموتو سايكل" ومع تنسيق وتخطيط مسبق مع اليهود الذين كان يعمل لحسابهم، ألقوا القبض عليه بنصب دورية وهم متجهين إلى نابلس، وتظاهر زميله بالمفاجأة والصراخ بعدما عصبوا عيون أبي وبدءوا بضربه، وبعد سجنهما وتسليم خمسين كيلو متفجرات من بيت أحد المناضلين، التي كانوا يعتزمون استخدامها في العملية، ظل أبي يرفض الاعتراف ويقول أن هذه الأسلحة قديمة ولا علاقة له شخصية بها، وأن ما يدعيه ابن بلده ليس صحيحا، وكان يدخل عليه ابن بلده عليه في الزنزانة صارخا شاتما اياه بأقذر العبارات طالبا منه الاعتراف ويقول له أننا تدربنا سويا في سوريا وكان أبي الذي كانت زوجته الثالثة (بعد اللبنانية وأمي) من أم سورية من درعا، يدعي أمام المحققين نعم ذهبت إلى سوريا لزيارة أهل زوجتي. ظلوا يعذبونه لكن رفض الاعتراف وكان يحدثنا بأن اثنين من المحققين الإسرائيليين كانوا يعذبونه تعذيبا شديدا ويقذفونه في الهواء ومن جدار إلى جدار. كان صلبا عنيدا، وعندما عاد إلى البيت كانت ملابسه الخارجية والداخلية ملطخة بالدماء. لا زلت أذكرها.



قال أبي بعد خروجه من السجن فهمت الآن لم أنني كنت أحصل على 95% في اختبارات تصنيع المتفجرات في سوريا وابن بلده الجاسوس كان يحصل على 40% لأنه لم يكن معنيا بالتركيز والتدريب بقدر اهتمامه بالحصول على معلومات عن المناضلين والقواعد العسكرية ليسلمها لليهود بعد عودتهما. ذهب لاحقا ذاك الخائن إلى بيروت خلال فترة سجن وتعذيب أبي ربما ليكمل عمله الخياني أو تم استدراجه لا أذكر، وسمعنا أن المنظمة أعدمته، قالوا أنهم أعدموه قبل معركة بيروت في عام 1982 والبعض الآخر قال أعدم في الجزائر بعد وصول قوات المنظمة إلى هناك.



عندها حرم أبي العمل الفدائي أو الثوري وحاولوا عبر رسلهم الشخصيين إقناعه لكن رفض رفضا شديدا بعد حادثة الخيانة تلك، واستقر من ذلك التاريخ في فلسطين ولم يغادرها.



كان أبي على خلاف مع مختار القرية في أوائل الثمانينات لأنه لم يكن متعاونا في سفلتة طريق آخر للقرية كان أقرب لنابلس لكنه كان ترابيا مما يجعل المعاناة شديدة في الشتاء، كان مختار القرية لا يريد تعبيد ذلك الشارع لأنه يسكن في بداية الشارع الآخر (مدخل القرية) حيث يقع نشاطه التجاري ويسكن رفاقه من "ارستقراطييي القرية"، وبالتالي لا يريد أن يتحول الشارع الرئيس وحركة السير إلى نابلس إلى شارع من الاتجاه الآخر. كان يشكل لوبيا أرستقراطيا أو إقطاعيا في القرية لا يلتفت للفقراء وعامة الناس، وكان من نفس عائلة أبي لكن لم يمنع هذه المعارضة وهذا الاختلاف.



طلب أبي منه أكثر من مرة العمل على سفلتة الشارع، لكنه كان يتجاهل أو يماطل، فما كان من أبي إلا أن اتفق مع وجه آخر من وجهاء القرية من خارج عائلته لترشيحه مختارا وكان يتطلب ذلك توقيع خمسمائة اسم من سكان القرية ممن يحملون هويات حتى توافق الإدارة المدنية الإسرائيلية على تعيين مختار جديد، وعندما جمع أبي تلك التواقيع، تراجع ذاك الرجل بضغط من المختار آنف الذكر أو لأنه خجل منه، فما كان من أبي إلا أن استسلم للأمر الواقع، بعدما كان قد قدم التوقيعات للإدارة المدنية، ولطلب البسطاء الذين كانوا يحترمون نخوته ورجولته وتسلم المخترة وأصبح مختارا.



كان أبي لا يهاب اليهود، يدخل بصفته الرسمية على مكاتبهم كرجل ويتصرف ويتحدث كرجل، في الوقت الذي كان أغلب الناس يخافون منهم في ذالك الوقت، وينفذ مشاريع المدارس والكهرباء والطرق وغيرها في القرية بإنجاز أكثر من باقي المخاتير الذي يكون أكثرهم من الوجهاء وكبار السن في القرى والبلدات، كان اليهود يحترمون شجاعته ورجولته وفعاليته، حدثني أحد المخاتير أنه كان هناك اجتماع دوري لعشرات مخاتير منطقة نابلس وقال كنا نستمع ونهز رؤوسنا للضابط الإسرائيلي ولم يقف ويعارضه إلا أبوك رحمة الله عليه. "والله ما كان فينا زلمة إلا أبوك!". كان أبي رجلا حقيقيا ومتحدثا لبقا بارعا.



اعتقلت في بداية الانتفاضة الفلسطينية في عام 1988 في السجون الإسرائيلية في الظاهرية ومجدو وكُسر أنفي من التعذيب ولن أزعم بطولة بأنني انتسبت لحركة أو منظمة أو فعلت شيئا كما يفعل البعض وقطف ويقطف النتائج، كنا أربعة خريجين من الجامعة ونقيم في رام الله وقبض علينا الإسرائيليون في الشارع واعتقلونا. ظل أبي وأنا رافضين للفكر البلطجي لهؤلاء المنتسبين زورا وظلما للثورة فقد كان بعضهم يقطع الطرق ويفرض الأتاوات على العمال وأصحاب المحال ويقتل ويشوه الأبرياء والمعارضين.



كان أبي صاحب موقف، أذكر أنه كان عليه أن يراجع الإدارة الإسرائيلية في بيت ايل في رام الله لمتابعة مشروع الكهرباء في يوم محدد، وفي ذلك اليوم توفيت أختي الصغيرة، فذهب إلى إمام القرية في الصباح ودفع له أجره وقال له أدفن ابنتي، فلا استطيع التغيب لأنني إن غبت سيذهب مشروع الكهرباء عن القرية.



كان جلب مشروع الكهرباء للقرية عملا ليس سهلا ويتطلب متابعات ومراجعات وفي إحدى المرات، دخل على الضابط المسؤول حاملا بيجامته وبدأ بخلع ملابسه فور دخوله، فصرخ الضابط الإسرائيلي: ماذا تفعل؟! فرد قائلا: أنا سأنام هنا حتى تصل الكهرباء إلى قريتي لأن وجهي اسود من أهل القرية وكل يوم أعدهم بالكهرباء ولم تصل بعد وأنا لن أعود إلى القرية إلا بالكهرباء. كان يثير إعجاب اليهود بشخصيته وذكائه وحضوره وحتى تمثيله!



لا يزال أبناء القرية يذكرونه بخير ويتذكرون كيف أنه جلب لهم مشروع الكهرباء الذي أحدث فرقا في حياة الناس ويتذكرون مواقفه في توسعة الشوارع وغيرها برغم أنه كان يصطدم بعقليات ترفض هدم "سنسلة أو خلع زيتونة تعترض توسعة الشارع"، كان أعضاء المجلس يهابون بعض الناس أو يخجلون من بعض أقاربهم المعنيين، لكنه كان يصعد على ظهر الجرافة مع السائق ويقول له اهدم هنا وهناك، كان المستبدون يهابونه والبسطاء يحبونه ويحترمون وكان متعاطفا معهم في حل ومتابعة قضاياهم الشخصية التي كانت تتطلب متابعة مع الإدارة المدنية الإسرائيلية. الآن يقولون أن أبوك كان رجلا ومتقدما علينا في وعيه وتفكيره.



كنت دائما على خلاف معه لقسوته أو صرامته أو سياسته في بعض القضايا الشخصية والعامة، ولأنه كان منشغلا بشؤونه واهتماماته الخاصة، كنت أريد أبا كما أريد ولا أريد أن أفهم غير ذلك. كافحت بكد حتى أنهيت الدراسة في الجامعة وكان أخوتي الذين يصغرونني سنا يعملون كعمال في إسرائيل لدفع رسومي الجامعية ودعمي ماديا. أتذكر عندما واجهت في أكثر من فصل مشكلة دفع الرسوم وكيف خاطبت رئيس الجامعة وقتها وأعجب برسالتي وأعفاني من الرسوم المتراكمة، ثم واجهت ديونا عند التخرج ولم أستطع استلام الشهادة إلا بعد حل المشكلة وإعفائي منها لأنني لم أكن أملك ذاك المبلغ.



مات أبي رحمه الله في عام 1994 بالسرطان وواصلت حياتي العصامية، ونادرا ما تذكرت إلا قسوته واستهتاره كأب، ورجولته وكرمه ونخوته ومواقفه أحيانا، برغم معرفتي لصفاته الطيبة الأخرى، لا أدري لم تذكرته الآن: هل لأنني حزين في هذه اللحظة، أو لأنني تذكرته الآن!
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)