shopify site analytics
المبعوث الأمريكي الخاص لليمن، تيم ليندركينغ - وزير النقل يؤكد جهوزية مطار صنعاء الدولي لتفويج ضيوف الرحمن - ضباط وجنود من لواء المظليين الإسرائيلي يرفضون أوامر الاستعداد لعملية رفح - عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح - إلى الداخلية وبرلمان العراق الابطال، لاشُلت أياديكم… - هل أصبح الرجال يرفضون فكرة الزواج - عمومية الحاضرين توافق على تزكية القاضي خالد هويدي - حكومة الاحتلال تنقل تكتيك حرب غزة للضفة الغربية - صداقات العالم الافتراضي وتأثيرها على الواقع..! - الدكتور قاسم لبوزة ومحافظي المحافظات الجنوبية يتفقدون المراكز الصيفية بمديرية ثلا -
ابحث عن:



الإثنين, 14-أبريل-2014
صنعاء نيوز - رد الشيخ عبد المجيد الريمي المسمى القول البديع صنعاء نيوز -
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب السريع عن إستشكالات رد الشيخ عبد المجيد الريمي المسمى القول البديع في الرد على مقالة أحكام الإسلام بين التضييق والتوسيع
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد:
كنت قد كتبت مقالا بعنوان "أحكام الإسلام بين التضييق والتوسيع ومنهجية التعامل معها" وكان عبارة عن مداولة علمية تتعلق بمنهج التعامل مع أحكام الإسلام المتنوعة؛ وذلك لكي نصل إلى تأصيل علمي منضبط قائم على أسس علمية ومنهجية صحيحة؛ لأن اختلاف المنهج يتبعه اختلاف كبير في مأخذ الاستدلال, وهذا يوسع هوة الخلاف, ويقلّل من فرص الالتقاء, والإسلاميون والدعاة والعلماء أحوج ما يكونون اليوم إلى التقارب والتفاهم والتعاون؛ فلذا فلابد من السعي قدر الإمكان من إيجاد السبل المتنوعة الفكرية والعلمية والمنهجية والعملية لإحداث هذا التقارب, وهذا مقصد عظيم من مقاصد الشريعة, وأصل كبير من أصول الإسلام دلت عليه النصوص المتكاثرة من الكتاب والسنة, وكلُّ من يسعى إلى إحداث الفرقة والدعوةِ إليها هو مخالفٌ لهذا الأصل, ومتِّبعٌ لسبيل أهل الفرقة والابتداع بدلاً من اتباع أهل السنة والجماعة.
وتأمّل كيف أن شعار أهل السنة ضًم الجماعة إلى السنة, وهذا يدل على عظمة الجماعة ومكانتها الخطيرة عندهم, ونحن لا ندعو إلى الاجتماع على البدع والضلالات, بل ندعو إلى الاجتماع على السنة والمنهج الصحيح.
وقد حدث خلطٌ فيما هو منشور من كتابات ومقالات وأعمال عند بعض تيارات العمل الإسلامي ورموزها بين مناهج التعامل مع القضايا القطعية والمحكمات العقدية والعملية وما يقابلها من القضايا الظنية الاجتهادية على اختلاف مدى تفصيلها في الشريعة ما بين غلو وتفريط, فهناك من يستعمل منهج التعامل - استدلالاً وأثراً –مما يختص بالمحكمات والقطعيات في المسائل الاجتهادية, فيترتب عليه من حيث الأثر الولاء والبراء, والمفاصلة والمقاطعة, وتفريق الصف, وهناك من يستعمل منهج التعامل الخاص بالمسائل الاجتهادية في المحكمات والقطعيات, فيتسبب بذلك في التهوين منها وتمييعها, وجعلها من باب المجتهدات, مما يؤدي إلى تغيير أحكام قطعية ثابتة هي أصول الإسلام وقواعده التي ترجع إليه تفصيلاتها, فأردت أن أنبه على خطورة المسألة وضرورة المراجعة من الجميع, ووضع كلّ شئ في موضعه الصحيح, وليس عندي مانع من الاعتراض أو النقد, أو التصويب للخطأ, فليس أحدٌ من البشر غير الأنبياء معصوم, ونحن أحوج ما نكون للنظر والمراجعة في طريقتنا وأسلوبنا ومناهجنا إذا رأينا أنها لا تحقق المقاصد الشرعية أو تؤدي إلى خلافها, ولا ينبغي أن نجمد على طريقة تعودناها خلال ردح من الزمن وكأن وحياً من السماء نزل علينا بها, والحقيقة أنها اجتهادات بشرية تخطئ وتصيب, طبعاً دون المساس بالقطعيات والمحكمات الثابتة في شريعتنا وغيرها مما ليس محلاً للاجتهادات.
كما يوجد خلط كبير بين إثبات الأحكام الشرعية سواء كانت قطعية أو اجتهادية وبين تنزيلها على وقائعها وتحقيق مناطاتها, فكان لزاماً أن يفرق في منهج التعامل بين فهم الحكم مجرداً عن واقعه وعلى حسب ما ورد في الشريعة, وبين منهج التعامل مع تنزيله على الوقائع, ولا يعامل هذا كما يعامل الآخر, فهناك قواعد للفهم والنظر والاستدلال عن طريقها يستنبط الحكم من المصادر الشرعية, وهناك قواعد تخص التنزيل وتحقيق المناط, وقد تمت الإشارة إلى هذا في مقال سابق بعنوان: " أزمتنا أزمة جيل بأكمله".
لكن هذا المقال لم يرق لشيخنا الفاضل عبدالمجيد بن محمود الهتاري الريمي فأنزل رداً بعنوان " القول البديع في بيان العلمانية الكامنة في تأصيل الشيخ كمال بامخرمة في مقاله أحكام الإسلام بين التضييق والتوسيع" وكنت لا أرى مانعاً أن يرد الشيخ أو غيره على ما يراه خطأ ثم يتبع الإنصاف والعدل, والتفهم الصحيح لمراد الكاتب قبل التعجل بأن ينسب إليه ما لم يقله, ثم تتُّبع آداب النقد والحوار دون تهويل أو تشويه أو اتهامات في العقل أو الدين, ولكن للأسف لم يحدث هذا.
وكان بعض الإخوة أشار عليّ بعدم الرد حتى لا يتحول إلى جدال وصراع مستمر لن تكسب منه الدعوة شيئاً, وأنا أقدر وجهة نظرهم ولها قسط وافر من الصحة, ولكن قلت: إن الشيخ قد وضع عدداً من الإشكالات مشوشاً بها على فكرة المقال فليس من الصواب تركها دون إجابة وتوضيحٍ ولو مختصرٍ وسريع؛ حتى تتضح فكرةُ المقال المنشور, وليس في نيَّتي مواصلة الردِّ والردِّ الآخر؛ لأني لست من عشاق الجدل, وليس لدي من الوقت ما يسمح لي بمتابعة الردود المتواصلة, مع اقتناعي بعدم جدواها, بل وإشغال الشباب عن العمل بالدخول في صراعات ومهاترات, وسأنشر إن شاء الله بعض المقالات لا على شكل ردود, بل تقريرات لعددٍ من المسائل التي أرى احتياجنا إلى مناقشتها وإثرائها وأخذِ أحسنها؛ لعلها تسهم في تصحيح المفاهيم وتقويم المسيرة, فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان, ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو الموفق والهادي للصواب.
وسيتم البدء بذكر تصور عام عن الرد المسمى "القول البديع" وأوصافه:
اتصف الرد بعدة صفات منها:
1. خلط المتفق عليه بالمختلف فيه, وهذا يعني عدم تحرير محل النزاع, وهذا أدى إلى الثاني:
2. تحميل المقال الأصل ما لا يحتمل من الكلام, بل تقويله ما لم يرد فيه, بل وَرَد فيه ما ينفيه.
3. لم يتم النظر في المقال ككتلة واحدة, يتم تقييد ما أطلق فيه بما قيد, وإنما أخذ ممزقاً مفرقاً, ففُهم منه غير ما رما إليه, وهذا لا يليق بالإنصاف والعدل.
4. أتوقع عدم الاطلاع على المناقشات التي أعقبت المقالة في الفيس بوك وفيها بعض ما أورده الردُّ هنا والجوابُ عليه وإيضاحُه.
5. اشتمل على جوانب من التهويل الذي يشبه تهويلات الإعلاميين للأخبار الصغيرة أو المختلقة بدءاً من العنوان.
6. الدخول في المقاصد والنيات وهو من الرجم بالغيب الذي لا يليق أن يقع فيه المسلم العامي فضلاً عن العالم.
7. الاتهام بالظنة والتوقع وإن شئت قلت التخيُّل, وهذا منهي عنه بنص كتاب الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ) [الحجرات : 12].
هذا توصيف مبدئيٌ يعطي فكرة مجملة عن الرد, وسيكون الجواب عن إشكالاته على طريقتين:
• مجملة وتعطي جواباً عاماً عن إشكالاته, ويمكن أن يكتفي به من لا يحب التطويل.
• تتبع أهمّ الأوجه التي اشتمل عليها الرد, وإيضاح ما استُشكل فيها مع الإحالة أحياناً إلى التوضيح المجمل فيما احتيج إليه دفعاً للتكرار.
الجواب المجمل:
أولاً: الردُّ المسمى "القول البديع" يقوم على فكرتين أساسيتين إحداهما أساسه وأصله, والأخرى ثانوية, وهما:
- مسألة التلازم بين السياسة والعقيدة وعدم جواز الفصل بينهما, وعنوان هذا الرد قائم على أساسها.
- والأخرى: عدم التفريق بين العلمانيين والمشاركين من الإسلاميين في العمل السياسي البرلماني من حيث وقوعهم في الكفر,والحكم على هذه المشاركة بناء على منهج المسائل العقائدية.
ثانياً: معظم أوجه الرد تدور حول الفكرة الأولى وهي الفصل بين العقيدة والسياسة, وهي قضية لا أدري من أين فهمها الشيخ من المقال, فليس فيه ما يدل على عدم ابتناء السياسة على العقيدة لا من قريب ولا من بعيد, بل يوجد في المقال ما يدل على وجود التلازم بينهما, فلو تأمل في فاتحة المقال عند بيان أهمية العقيدة لوجد فيها: (لأنها أساس الإسلام وأصله, وبقية أحكام الإسلام بنيت عليها), ولو تأمل العبارة الآتية أيضاً: (باب السياسة أوسع الأبواب اجتهاداً وأكثرها اختلافاً؛ والواجب نحوها أن يوسع فيها باب الإعذار والتغافر, ويقل فيها الإنكار, ما انضبطت بالضوابط الشرعية الكلية, ولم تؤد إلى الإخلال بالمحكمات العقدية). لما احتاج أن يورد هذا الإيراد أصلاً, فهذه العبارات الواردة في المقال تقتضى أن هناك علاقة بينهما, ولا يقول أحد أن أحكام الإسلام لا تنطلق من العقيدة, وعليه فلا مجال للفصل بين العقيدة وأحكام الإسلام ومنها السياسة, وقد ذكرت هذا الإيضاح بأوضح من الشمس في رابعة النهار للإخوة الذين توهموا هذا الوهم في صفحتي على الفيس بوك, ولو قرأه الشيخ لم يحتج إلى تسويد الصحائف في تأصيل قضية بدهيّة عند أهل السنة والجماعة, ولقد أكثر من تعداد أوجهها, فأتعب نفسه وأتعب القارئ بما هو محلُّ اتفاق, وإذا تبين هذا فقد انهار الأساس الذي بنى الردّ كلّه عليه, بدءاً من العنوان المخيف الذي تقشعر منه الجلود, وتنخلع له القلوب, ولا يطيقه مسلم يؤمن بالله ورسوله!
أبعد أن ينقضي معظم العمر, نأتي وننظر للعلمانية, أو ندعو إليها ؟!!! اللهم غفراً غفراً , الثبات, الثبات!!
لقد وقف كاتب المقال – بتوفيق الله أولاً وآخراً - في مؤتمر الحوار معلنها مدوية (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه), فاتُهم بشتَّى التُّهم في داخل الحوار وخارجه, وبيانات الشجب والاستنكار, وفي الصحف والقنوات, وشُنت عليه حملات ظالمة كاذبة ما زالت آثارها باقية, ثم بعد هذا يأتي ينظر للعلمانية أو يدعو إليها!!! إن هذا أمر لا يرضاه مسلم عاقل لغيره فضلاً عن نفسه!!!
إن هذا العنوان ذكرني بالتهويلات الإعلامية التي كانت تشنّ ضدي في تلك الأيام, وهذا طبْع الإعلام الفاسد الذي يجب أن نتنزه عنه نحن الدعاة, لما فيه من الكذب والتزوير, وعدم الصدق في الحديث عمن يريدون تشويهه, والتضخيم والتهويل, وجعل من الحبة قبة.
ومن التهويل في هذه المقالة كثرة تفريع الأوجه فيتوهم القارئ أن هناك رداً سميناً مليئاً بالأدلة وتنوّعها, ولو كانت هذه الأوجه إصلاحاً لخطأ تضمنه المقال لكان مقبولاً, أمَا وهي تؤصِّل لقضية يُسلّم بها المقال وكاتبه, فهي تحصيل حاصل,وتطويل بلا طائل.
وإذا نظرت إلى النقاط رقم 1-2-3-5-6-7-10 -12-16-17- وأصل 19 ما عدا تنزيل الحكم على واقعه, تجدها محلَّ اتفاق, فبينما مقصود كاتب المقال التفريق في منهج التعامل استدلالاً وأثراً بين موارد القطع وموارد الظن فإذا بالناقد ذهب بعيداً.
وإلا فهل يشكُّ مسلمٌ في وجوب إخضاع السياسة للعقيدة ؟
ومن هنا يتبين للقارئ المنصف صحة ما وُصِف به هذا الردُّ في صدر هذا الجواب.
ثالثاً: الفكرة الثانية التي يقوم عليها الرد هي عدم التفريق بين العلمانيين والمشاركين من الإسلاميين في العمل السياسي البرلماني من حيث وقوعهم في الكفر,واستعمالُه المنهج المتبع في المسائل العقائدية في الحكم على هذه المشاركة.
وهذه محلُّ خلاف, وعليها يدور الكلام, وقد تكلم شيخنا الناقد عن هذه القضية في عدد من الأوجه التي ذكرها منها: 11- 13-15 وغيرها مما قد يفهم من هنا أوهناك.
وسأجيب عن هذا بجواب إجمالي؛ ليتضح الفرق بين العلمانيين والمشاركين من الإسلاميين في العمل السياسي البرلماني, وهي الفكرة التي أكثر الشيخ من تنويع الاحتمالات فيها, مدعياً أن كاتب المقال "ركز على التصديق الإيماني وغفل عن الالتزام الإيماني, فكأن الأمر عنده أن التصديق الموجود عند الإسلاميين كافياً في خروجهم من معرَّة العلمانية"وهي دعوى ليس عليها دليل, ومطالباً ببيان الإشكال الكائن بين حال الإسلاميين وحال العلمانيين الذي يرى التفريق بينهما.
والجواب على النحو الآتي:
1- هناك مأخذان مختلفان في التعامل مع الديمقراطية ووسائلها:
المأخذ الأول: مأخذ من لا يلقي بالاً للشريعة, ولا يهمه الاحتكام إليها, بل ربما يسعى إلى إبطال تحكيمها, وعليه فهو يرى أن التشريع حق لمجلس النواب, وأن له السيادة في ذلك باعتباره ممثلاً عن الشعب الذي يؤلهه من دون الله, وكذا من حقِّ كلِّ مسلم أن يعتقد ما يشاء ولو كان ردة وكفراً ويدعو إلى معتقده ولا سلطان عليه من دين أو غيره, ونجد هذا الصنف منشئاً للمنهج الديمقراطي ومؤسساً له بما أوتي من سطوة التمكين, وإن لم يكن منشئاً له فهو يقبل السيادة لغير الله والنظام الديمقراطي بأسسه وآلياته قولاً وعملاَ.
فهذا المأخذ مخالف لأصول العقيدة وكلمة التوحيد, ومخالفته هنا ليست في قضية سياسية, وإنما ناقض محكمات العقيدة والتوحيد التي تنبني عليها السياسة؛ ولذا فالتعامل معه يجب أن يكون وفق المنهج العقدي؛ لأن مخالفته في أصلٍ عقديٍّ في الأساس, وإن كان يعدُّ أصلاً من الأصول التي تنبني عليه السياسة.
والمأخذ الثاني: من يتعامل مع هذه القضايا باعتبارها واقعاً مفروضاً ومرفوضاً من جهته, فهو يشارك في نظامٍ قائم مفروض عاجز عن إزالته جذرياً, وهذا العجز يشاركه فيه من اعتزل عن المشاركة, فهما أمام أمرين: إما أن يعتزلا جميعاً, فيُفرض عليهما هذا النظام برمَّتِه, بما فيه من حكم الأغلبية وإعطاء السيادة لغير الله, وإعطاء الحريات لكل المبادئ والإيدلوجيات, وفرض مشاريع التفسيق للمجتمع بأنواعها, وبهذا الاعتزالِ يتمُّ إعطاءُ السطوة الكاملة للعلمانيين الذين يتبنَّون هذا النظام, لا ينافسهم منافس, ولا يزعجهم مخالف, إلا من خلال نقدٍ يأتيهم من بعيد من غير مواقع القرار والتأثير فيه, وهم ما داموا ضعافاً فسيفرض العلمانيون مشاريعهم على المجتمع, ويفسدون الإعلام, ويغيرون مناهج التربية والتعليم, ويغيرون القوانين الشرعية التي لم يزل جزء كبير قائماً منها في المحاكم, ويفرضون الاقتصاد الرأسمالي والربوي, وسيصادرون المساجد ومراكز التعليم الشرعي, بل وقد يسعون للتضييق على المخالفين بالقوانين التي يفرضونها من غير اعتراض في مواقع القرار والتشريع, فهذا نتيجةُ خيار الاعتزال من الكل.
وإما أن يشارك بعضُ الصالحين لا اعتقاداً بصحتها أو رضاً والتزاماً عملياً بها, بل سعياً لإنكارها إما لإلغائها بالكليَّة إن أمكن أو تخفيفِ مخالفتِها بتعديل عباراتها أو بوضع قيودٍ لها, أو يحاولُ عدم العمل بها أو التخفيفَ منه أثناء تنفيذها إن كان مسئولاً عن التنفيذ, وكما قال الله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة : 251].
وعلى هذا فهو لم ينشئ النظام الديمقراطي, بل يسعى من خلال آلياته التي تسمح له بالتغيير والتعديل أن يخفف من شروره, أو قلْ شرور من يدير دفته سواءً من خلال التشريعات أو من خلال عمله التنفيذي.
فإذا تأمّلنا في المأخذين عُرف الفرق بين الطائفتين, وأن ما بينهما ما بين الثرى والثريا, فَفَرْقٌ بين من يسعى للتمكين للجاهلية بكلِّ تفاصيلها, ومن يسعى لإزاحتها أو إزاحة جانبٍ من تفاصيلها الشريرة, فهو بهذا يقوم بما أمكنه وقدر عليه من تغييرِ المنكر إما كليّا أو جزئياً.
فمشاركة الأخير بهذا المأخذ هي التي يجب أن يُتعامل معها بمنهجيّة مختلفة غير المنهجية التي يُتعامل بها مع من يريد هدم الشريعة وإقامة غيرها بدلاً عنها؛ لأن مخالفته أساساً في أصلٍ عقديٍّ وهو عدمُ التزامه بالشريعة إما عقيدة وعملاً, أو عملاً على الأقل.
أما مشاركة من يريد تغيير المنكر مع التزامه بالشريعة تصديقاً وعملاً فهي مختلفة؛ لأن موضوعها التطبيقُ العمليّ للسياسة, وتنزيلُ الأحكام على الوقائع وتحقيق مناطاتها, والقيام بالمقدور والممكن من الأفعال, وهي من استخدام الوسائل للوصول إلى غاية إزالة المنكر أو تخفيفه, ودرء المفسدة الأكبر إما بتفويت مصلحة أقل, أو بارتكاب مفسدة أدنى من وجهة نظر المجيز.
وهذا الثاني هو مأخذ الإسلاميين المجوزين أو الموجبين للمشاركة في العمل السياسي.
وعلى هذا فإلزام الشيخ الداخلين في العمل السياسي:
1- برضاهم العملي سيادة غير الله.
2- الالتزام بالديمقراطية الكفرية .
3- أو إلزامهم بتنفيذهم للتشريع الكفري.
إلزام غير صحيح؛ لأنهم ما دخلوا إلا لإبطاله, ومن جهة أخرى هم متكئون على أن هذه الأمة لا تزال على أصل إسلامها، وأنها إذا خلي بينها وبين الاختيار فلن تختار إلا الإسلام، وفي هذه الحالة هم يوجهونها إلى أنه لا يسعهم إلا اختيار الإسلام تحقيقاً لكلمة التوحيد, وإن حدث أنهم ارتكبوا منكراً أو تلبسوا بمفسدة, فهو اضطرار منهم لذلك؛ لدفع مفسدة عامة عن الأمة أكبر مما تلبسوا به, وليس منهم اعتراف أو التزام بغير شرع الله, وأما مسألة التصويت فهم في الأصل يرفضون التصويت على قطعيات الدين وأحكامه المقررة, ومشاركتهم فيه إنكاراً لأي قانون مخالف, ودفعاً لما أمكن من ضرر، ومن قبيل إلزام الخصم بما التزم به ومحاكمته إلى القانون الذي يزعم توقيره والعمل بموجبه, كما أن محاججتهم للمجلس بأحدية الشريعة الإسلامية في التشريع ينفي عنهم مناط التكفير الذي هو إعطاء حق التشريع لغير الله.
فلو قيل: هذه مصالح موهومة غير حقيقية والواقع يدل على أن المشاركة إثمها أكبر من نفعها, فيقال هذه مسألة أخرى, ومنزع آخر واجتهاد من المانع للمشاركة؛ فإنه لم يمنع إلا وهو يرى عدم جدوى هذا الطريق بأدلة راجحة عنده, ولكنّ المجيز يخالفه في هذا الاجتهاد ويرى أن المشاركة أنفع للإسلام والمسلمين, وبهذا يتمُّ وضع هذه المسألة في وضعها الطبيعي في كونها من مسائل الاجتهاد, ويُتعامل معها بمنهجية المسائل الاجتهادية التي يقال فيها: قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب, وتبقى أواصر الأُخوة والمحبة الإيمانية قائمة بين الطرفين, ولا يُرّتب عليها المفاصلة والولاء والبراء, ولا التفرق والتنازع, وإن كانوا في جماعة واحدة لم يستدع ذلك تبرؤ بعضهم من بعض, ومفاصلة بعضهم بعضاً, وانشقاق بعضهم عن بعض, بل كلٌّ يفتي بما يقتضيه اجتهاده, مع استمرار النصح بينهما.
2- وبهذا التقرير ينتفي الإرجاء عن المشاركين في العمل السياسي بمجرد مشاركتهم؛ حيث ربط الشيخ دخول الإسلاميين في العمل السياسي به كما في الوجه 9 و 13؛ وذلك لأن الإسلامي المشارك لم يَعُدْ المشاركة اجتهاداً سائغاً وجهاداً ودعوة إلى الله؛ لاعتقاده بانفكاك العمل عن الإيمان, وأن مجرد التصديق يكفيه؛ بل لأنه يعمل بما أوجبه الله عليه من إنكار المنكر ودفع ما استطاع من المفاسد, وارتكابُه غير المشروع في ظاهر الأمر لما يؤول إليه من دفع ما هو أفسد منه لا يعدُّ ارتكاباً لغير مشروع في حقيقة الأمر عند تزاحم المفاسد, وهذا قد بيّنه العلماء, ومن ذلك قول الشاطبي رحمه الله في الموافقات,ط المعرفة, تحقيق دراز: (4/194-195): (النظر فى مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً كانت الأفعال موافقة أو مخالفة؛ وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعاً لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه, وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك, فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى المفسدة تساوى المصلحة أو تزيد عليها فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية, وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم مشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية, وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغبّ جارٍ على مقاصد الشريعة) ثم ذكر الأدلة على ذلك.
3- إن عدم التفريق بين الإسلاميين الداخلين في العمل السياسي والعلمانيين, ونسبتهم إلى العلمانيين والعلمنة, سيلحق بهم من يفتي بجواز الدخول وإن لم يدخل معهم - وإن لم يصرِّح به الشيخ هنا- لأن الداخل والمجوّز في الحكم سواء, فمن عبد صنماً وسجد له يساويه من يجوّز ذلك, وهذه النسبة بهذه الصورة فيها مجازفة عظيمة؛ لما يترتب عليه من حشر طائفة عظيمة من علماء الأمة ودعاة الإسلام في زمرة العلمانيين, ولمزهم بالوقوع في بالكفر, حيث لم يبق مانع من تكفيرهم إلا التأويل, وهذا مسلك خطير, قال الشوكاني رحمه الله محذراً من التكفير في مسائل الاجتهاد في إرشاد الفحول(2/230) وقريب منه نسبة الطائفة العظيمة من العلماء إلى الكفر: (واعلم: أن التكفير لمجتهدي الإسلام بمجرد الخطأ في الاجتهاد في شيء من مسائل العقل عقبه كئود لا يصعد إليها إلا من لا يبالي بدينه، ولا يحرص عليه)اهـ.
هذا جواب إجمالي, وبعدها ننتقل إلى الجواب عن أهم ما ورد من إستشكالات في ما ذُكر من أوجه مع مراعاة عدم تكرار ما سبق ما أمكن:
أولاً: الوجه "8" تأصيله فيها من حيث الجملة محلُّ اتفاق, ومحلُّ الخلاف معه في التنزيل, حيث ذكر أن السيادة لله قد تكون قولاً واعتقاداً لا عملاً وهذا هو الشرك, وهو أسلوب تعامل السلفيين الديمقراطيين مع السياسة الجاهلية المعاصرة.
وتنزيل هذه الصورة على السلفيين الذين سماهم "الديمقراطيين" اجتهاد منه, وهو تنزيل الحكم الشرعي على نازلة أو واقعة, ولا أعلم أحداً من أهل العلم يقول: إن تنزيل الأحكام على الوقائع أو على مناطاتها حكمٌ قطعي لا يجوز مخالفته, بل عدَّ الأصوليون تحقيق المناط أحدَ أقسام الاجتهاد, منهم الشاطبي وابن قدامة في الروضة وغيرهما, والمقصود به هنا: إنزال المجتهد القاعدة الكلية المتفق عليها أو المنصوص عليها على جزئياتها وفروعها, ومثاله قولنا: يجب في صيد المحرم لحمار الوحش بقرة لقوله تعالى: " فجزاء مثل ما قتل من النعم " فنقول: المثلُ واجب, والبقرة مثلٌ فتكون هي الواجب, فالأول معلومٌ بالنص والإجماع وهو وجوب المثليّة, أما تحقيق المثلية في البقرة فمعلومٌ بنوع من الاجتهاد. انظر: روضة الناظر: (277). والأمثلة على هذا لا يمكن إحصاؤها, بل إن استقراء الشريعة يدل على القطع بهذا الأصل؛ حيث يتم التفريق بين الحكم الأصلي مجرداً عن واقعه وملابساته, وبين الحكم إذا أريد تطبيقه على واقع معين أو حادثة خاصة, فإذا سئل مفتي: كيف يصلي رجل مريض لا يستطيع القيام؟ فأجاب: بأن الله يقول: (وقوموا لله قانتين), فدلت الآية على وجوب القيام في الصلاة. لم يكن هذا جواباً عن السؤال, بل هو إخبار عن الحكم الأصلي قبل إنزاله للواقع الذي تكتنفه ظروف وإضافات لم يتعرض لها الحكم الأصلي.
وقد بين الشاطبي هذه المسألة في الموافقات بياناً حسناً, وذكر لها عدداً من الأمثلة توضحها وتبينها, وذكر أن أمثلتها لا تحصى وأن استقراءها من الشريعة يفيد العلم بصحة هذا التفصيل, وهو أن اقتضاء الأدلة للأحكام بالنسبة إلى محالها على وجهين:
أحدهما: الاقتضاء الأصلي قبل طروء العوارض، وهو الواقع على المحل مجرداً عن التوابع والإضافات؛ كالحكم بإباحة الصيد والبيع والإجارة، وسنِّ النكاح، وندب الصدقات غير الزكاة، وما أشبه ذلك.
والثاني: الاقتضاء التبعي، وهو الواقع على المحل مع اعتبار التوابع والإضافات؛ كالحكم بإباحة النكاح لمن لا أرب له في النساء، ووجوبه على من خشي العنت، وكراهية الصيد لمن قصد فيه اللهو، وكراهية الصلاة لمن حضره الطعام أو لمن يدافع الأخبثان، وبالجملة كلُّ ما اختلف حكمُه الأصلي لاقتران أمر خارجي)اهـ. الموافقات, ط: ابن عفان, مشهور حسن (3/292). فلتراجع المسألة بتفصيل هناك.
والمقصود بيانه هنا أن الحكم على وفق الاقتضاء الأصلي يتصف بالكلية والتجريد وهذه "الأحكام الثابتة "وأن الحكم على وفق الاقتضاء التبعي يتصف بالجزئية والتشخيص وهذه "الأحكام المتغيرة ".
فالحكم إن تجرد عن التوابع والإضافات كان كُليَّاً مجرداً عن الزمان والمكان والحال ،وإن اعتبرت فيه التوابع والإضافات كان خاصّاً بحال أو زمان أو مكان, فلا يصح الاستدلال بدليل الحكم الأصليِّ المجرد عن واقعه على الحكم الذي ارتبط بظروف وإضافات وتوابع خاصة به.
وإذا جئنا نطبق هذه القاعدة فيما نحن فيه فيقال:
ما حكم التشريع من دون الله؟ أو ماحكم إيجاد مجلس يشرع للناس من دون الله؟
فهذا السؤال مجرد عن أيِّ مناط أو واقعة خاصة.
وجوابه يكون بذكر الحكم الأصلي, وهو أن الله يقول: (إن الحكم إلا لله), فالتشريع خاص بالله, وصرفه لغيره كفر, واتخاذ مجلس يشرِّع من دون الله كفر.
وأما الواقعة التي ارتبطت بمناط خاص كمسألة دخول الإسلاميين في المجالس التشريعية المعاصرة, فلابد من النظر إلى ظروفها وملابساتها, وتحقيق مناطها, ولا يصح إنزال الحكم المجرد عليها.
وعلى هذا فتنزيل الشيخ هذه الصورة على هؤلاء السلفيين اجتهاد منه مهما حشد له من الأدلة؛ لأنها تمثل اجتهاده في التنزيل, وغيرُه يرى أنها لا تنطبق عليهم, والكاتبُ يرى عدم صحة هذا التنزيل؛ لما سبق تقريره بأنهم يُقرون بالسيادة لله اعتقاداً وقولاً وعملاً, وهم يعملون بالمقدور لهم, ولا يجب شرعاً إلا المقدور كما قال الله: " فاتقوا الله ما استطعتم" ... الخ النصوص الدالة على هذا الأمر وهي كثيرة.
وهذا هو جواب عن الوجه التاسع لأن فكرتهما واحدة.
ثانياً: الوجه "13" ذكر قضايا ثلاث قال: إنه يتعلق بها الاعتقاد, والإخلال بها يخل بالعقيدة.
وإذا طردنا هذا المنهج في كل حكم شرعي سينتج عنه أن الإخلال بأيِّ حكم في العبادات أو المعاملات أو غيرها إخلال بالعقيدة, فالإخلال بحكم الوتر أو العيدين هل هي سنة أو واجبة؟ أو في عدد الرضعات المحرّمة, أو في صحة النكاح من غير ولي أو عدم صحته , وفى القضاء بشاهد ويمين المدّعى....الخ هو إخلال بالعقيدة في حق المخطئ !!
فمن قال بهذا القول الغريب الشاذ من أهل العلم؟!
إن هذا القول تُطل منه رأس فتنةٍ جديدة خطيرة داخل الصفّ الإسلامي إذا ما تم التمادي فيه, وتم توسيعه وطرده, إن هذا القول يُخشى أن ينحو رويداً رويداً إلى نظير مذهب الخوارج الذين يكفرون بالكبيرة؛ حيث لم يستطيعوا أن يهضموا اجتماع المعصية والإيمان دون أن يُخلَّ هذا بأصل الإيمان؛ نتيجة لاعتقادهم أن لإيمان حقيقة واحدة غير قابلة للزيادة بالطاعة والنقصان بالمعصية, وهذا القول سيؤول الأمر به عند التمادي إلى مذهبٍ أشدّ من مذهب الخوارج؛ حيث سيصل به الحال إلى التكفير بالخطأ في المسائل الاجتهادية التي هي طاعة يدور أمرها بين الأجر والأجرين؛ حيث قال الشيخ: (ومعلوم أنه يتعلق بهنَّ الاعتقاد وأن الإخلال بهذه الأمور مخل بالعقيدة وهو حاصل من الفريقين الإسلامي والعلماني).
والتفاصيل الجزئية للنقاط الثلاث التي ذُكرت في الردّ منها ما هو محلُّ اتفاق ومجمعٌ عليه, ومنها ما هو محلُّ خلاف واجتهاد, وهذا يُعلم تفصيله في كتب السياسة الشرعية.
إذن فإطلاق القول بأن من أخلّ بحكم اجتهادي - ومعلوم أنه يتعلق به الاعتقاد - فقد أخلّ بعقيدته قولٌ باطل مبتدع لا يمت لعقيدة أهل السنة بصلة, بل هو قول مغال من إنتاج هذا العصر ومحدثاته.
إن ما يُخلُّ بالعقيدة إنما هو نواقضُ الإيمان المعروفة وإنكارُ ما عُلم من الدين بالضرورة, وأما الخلافُ في المسائل الاجتهادية فدائرٌ أصحابه بين الأجر والأجرين بنصِّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما منْ حديث عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ:« إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ, وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ».
ولذا وجب التحذير من هذا الغلو, وتنزيل الأمور منازلها, ولا أظن الشيخ سيطرد هذا الحكم الذي لو وقع ستحدث فتنةُ تكفير خطيرة بين الإسلاميين, ويُخشى أن يأخذ بعضُ صغار الطلاب هذا القول بإطلاقه ويطرده فتحدث كارثة جديدة فوق ما تعانيه الأمة من كوارث.
وهذا القول يجب أن يوضع بين أيدي العلماء والمتخصصين في العقيدة والأصول ليسبروه ويعطوه مكانه اللائق به من السنة والتحقيق ؟!
ثالثاً: الوجه "14" يدخل في إطار تنزيل الحكم الشرعي على واقعة, وهي قضية اجتهادية.
رابعاً: الوجه "15" أصله متفق عليه, وتنزيله مختلف فيه, وأكثرها استشكالاً عند الشيخ: " لماذا يكفر منفذ تشريع الطواغيت في المحاكم, ولا يكفر منفذ تشريع الطواغيت في المجالس النيابية وميادين التنافس الانتخابي؟".
وقد سبق القول إن الإسلاميين لا ينفذون تشريع الطواغيت, وإنما يسعون لإزالة منكرات أو تخفيفها, فإن وقعوا في مفسدة فهم يرون أنها أخف مما دفعوه بحسب اجتهادهم؛ إذ هم عاملون بقاعدة تزاحم المفاسد, والقيام بعمل ما يمكنهم عمله من أحكام الإسلام , وما عجزوا عنه يسعون لتوفير أسباب القدرة عليه. وقد قال شيخ الإسلام في السياسة الشرعية (1 / 217): (فالواجب على المسلم أن يجتهد في ذلك حسب وسعه فمن وُلِّىَ ولاية يقصد بها طاعة الله وإقامة ما يمكنه من دينه ومصالح المسلمين, وأقام فيها ما يمكنه من ترك المحرمات, لم يؤاخذ بما يعجز عنه؛ فإن تولية الأبرار خير للأمة من تولية الفجار) اهـ.
خامساً: الوجه "16 مكرر" علق على لفظة " مسائل السياسة" وأنها عامة ومنها مسائل عقدية قطعاً, وذَكَر أن من أنكر أن يكون للعقيدة تعلق بالسياسة فقد أنكر معلوما من الدين بالضرورة.
يقال هنا: إن مشكلة هذا الرد أنه يأخذ كلّ جزئية وحدها وكأنها في جزيرة ليس لها ما يقيدها, ومحاكمة آحاد الجمل والعبارات دون ربطها بما قبلها وما بعدها, والكاتب يقصد هنا أن مسائل السياسة مسائل عملية إجرائية, وأصولُها إما محكمات عقدية لا تدخل فيها, أو قواعد عامة وكلية, وقد دل المقالُ على ذلك حيث قيد السياسة بقوله مثلاً:(ما انضبطت بالضوابط الشرعية الكلية, ولم تؤد إلى الإخلال بالمحكمات العقدية).
سادساً: الوجه "17" ألمح إلى وصف كاتب المقال بالمكر الكبار لما ظنّه فيه من تصوير المخالف بأنه غافل عن تفاصيل القواعد التي أشار إليها الناقد, ومع أن المقال لا علاقة له بالانتقاص من المانعين أو المجيزين؛ بل هو مداولة علمية تتعلق بمنهج التعامل مع أحكام الإسلام المتنوعة, إلا أنه يقال: لماذا جاز للناقد تصويرُ مخالفه بأنه إما واقع في غش وخداع, أو تجاهل فاجر, أو جهل فاضح, وحَرُم على غيره أن يصوِّر مخالفه أنه مجردُ غافلٍ عن تفاصيلَ قواعدَ معيّنة رغم أنّ هذا لم يحدث قط؟!
فما هو الميزان الذي تم به الوزن هنا؟!! ومن أيِّ مكانٍ أو مذهبٍ أو نحلةٍ جُلب هذا العدل ليحكم هنا؟!!
سابعاً: الوجه "18" تكلم عن الانتخابات الجارية بين الإسلاميين والعلمانيين, وهل هي مسكوتٌ عنها, ومقصودةٌ بتأصيل الكاتب؟
فيقال: هذه الانتخابات بصورتها الحاليَّة فيها مخالفاتٌ شرعية واضحة لا لبس فيها, ومبناها مختلفٌ عن الأساس الذي تقوم عليه البيعة في الإسلام, هذا معلوم. لكن تعامل الإسلاميين معها من باب التعامل مع واقعٍ فُرض بسطوة التمكين, وليس في مقدورهم رفعه كلّه, فهم إما أن يعتزلوا وإما أن يشاركوا, فأداهم اجتهادهم للمشاركة موازنة بين المصالح والمفاسد, فتعاملُهم معها تعاملهم مع الوسائل المؤدية للغايات, ولكن اختلط بها الخير والشر, وتزاحمت فيها المصالح والمفاسد, وعلى هذا فهي ليست أحد القسمين اللذين ذكرهما الشيخ وهما:
• اعتبار هذه الانتخابات بصورتها الحالية وسائل مسكوت عنها الأصل فيها الحل والإباحة.
• ولا هي الوسائل من حيث هي مجردة عن واقعها.
بل هي قسم ثالث: وهي وسائل مفروضة تزاحمت في التوسل بها المصالح والمفاسد, فتمّ التعامل معها بناءً على قاعدة التزاحم, وإذا كان الأمر كذلك فيلزم التعاملُ معها بمنهجيَّةِ المسائل الاجتهادية التي تحتمل الصواب والخطأ.
والتوسل بالمحظور المرجوح مفسدته إلى المصالح والمقاصد المشروعة الراجحة مصلحتها جائز, وهو من باب فتح الذرائع الممنوعة لتحصيل المقاصد المشروعة, قال العلامة الشنقيطي في مراقي السعود:
ســد الذرائع إلى المحرمِ حتم كفتحها إلى المنحتمِ
وقد جاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع قرار رقم : 96 /9/د9 بشأن: "سد الذرائع": " والذرائع أنواع:.....والثانية: مجمع على فتحها:وهي التي ترجح فيها المصلحة على المفسدة.ثم قال: وضابط إباحة الذريعة: أن يكون إفضاؤها إلى المفسدة نادرًاً، أو أن تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته"اهـ.انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي - (2 / 19530).(موجود في المكتبة الشاملة)
والأصل في هذا الجواز: ما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِى مَا يَكْفِينِى وَوَلَدِى، إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهْوَ لاَ يَعْلَمُ فَقَالَ: « خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ». فقد أذن لهند أن تأخذ من مال زوجها دون علمه, وهذا توسل بالمحظور إلى مقصد شرعي.
كما أنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل المسجد الحرام وفيه الأنصاب والأوثان, ولم يكن ينكر ذلك كلما رآه, وكذلك لم يكن كلّما رأى المشركين ينكر عليهم.
وكلاهما من استدلالات العزِّ بن عبد السلام على المسألة المذكورة. انظر: القواعد الكبرى(1/175).
والتوسل بالمحظور له أمثلة كثيرة ومتنوعة في الشريعة ويدخل في أبواب شتى: ومن ذلك:
إتلاف بعض الجسد أو المال من أجل حفظ الجسد والروح أو كل المال؛ لأن حفظ البعض أولى من تضييع الكل, ولا شك أن الإتلاف مفسدة ويتم تحملها من أجل مصلحة أعظم وأتم.
ومن ذلك القتل والقطع والجرح لدفع ضرر الصيال على الأرواح والأبضاع والأموال, ومنه العقوبات الواردة في الشريعة كالقصاص والحدود والتعازير, وارتكاب بعض رذائل الأخلاق ليتوسل بها إلى المصالح كالكذب والغيبة والنميمة, كالكذب لإصلاح ذات البين, ودفع ظالم يريد قتل معصوم الدم أو ضربه, ومن ذلك غيبة المسلم حين طلب الاستشارة لأجل المصاهرة, والقدح في الرواة لحفظ الشريعة, ومن أمثلة النميمة إخبار مسلم معصوم الدم بأن شخصاً ما يقصده بالقتل أو التعرض لأهله أو أخذ ماله في وقت معين, فإخباره واجب لدفع هذه المفاسد عن المسلم, ويدل على جوازها قوله تعالى: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) [القصص : 20].
ومن التوسل بالمحظور جواز الإعانة على الإثم والعدوان لا من جهة كونها معصية بل لكونها وسيلة لمصلحة أعظم من مفسدة هذه الإعانة, فمما يدخل فيها:
التوسل ببذل المال: لافتكاك الأسرى, فهذا المال حرام على آخذيه, جائز لباذليه, أو لتخليص المرأة نفسها ممن يكرهها على الزنا, أو لتخليص المرء نفسه ممن يكرهه على القتل, فهذه الأمثلة بالنظر إلى مقاصدها ليست معاوَنة على الإثم والعدوان والعصيان بل إعانة على درء هذه المفاسد, فصارت هذه المعاونة على الإثم والعدوان تبعاً لا مقصوداً.
وكون بعض هذه الوسائل المذكورة آنفاً منصوصاً عليها بأعيانها لا يعني لزوم الاقتصار عليها, بل هذا يدل على ما وراءها مما لم ينص عليه؛ وذلك أن الشريعة أمرت بجلب المصالح ودرء المفاسد على العموم والإطلاق؛ وهذا يدلُّ على أن المصلحة مأذون في تحصيلها وإن لم يأت نص خاص يعتبرها.
انظر تفصيل هذه المسألة وأنواعها على سبيل المثال (المصالح والوسائل من كتاب القواعد الكبرى للعز بن عبد السلام) د. محمد أقصري.
ثامناً: الوجه العشرون تحدث فيه الشيخ عن منطلقات من أعطى المشاركة السياسية في الانتخابات ودخول المجالس النيابية بعداً عقدياً, وذكر منطلقين:
مبنى المنطلق الأول على أن كلّ حكمٍ شرعيٍّ له جانب عقديٌّ ينبني عليه, فالإخلال بهذا الحكم إخلالٌ بالعقيدة, وقد سبق تقرير أن هذا الإطلاق دون أن يُقيَّد بمحكماتِ الدّين أو إنكار المعلومٍ بالضرورة, وإجراؤه في الأحكام الاجتهادية, أو حتى التي وقع عليها إجماع ظنيٌّ غيرُ قطعيّ, ولم تصل لدرجة المعلوم من الدين بالضرورة هو قولٌ مبتدع تُطلُّ منه قرنا فتنة خطيرة, وإذا كان مقصودُ الشيخ بالإخلال بالعقيدة بما هو دون الكفر وهو نقص الإيمان مثلاً, فلماذا يُلحق الإسلاميين بالعلمانيين الذين نختلف معهم في أصول العقيدة ولا يرى فرقاً بينهما؟
ثم من قال من العلماء إن الخطأ في المسائل الاجتهادية يُنقص الإيمان, وقد جعل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم للمخطئ أجراً وهذا يزيد الإيمان لا ينقصه؛ لأنه طاعة, وهذا القول إن قيل به فهو كسابقه قولٌ مبتدع ليس له سلف من السلف والله أعلم.
أما المنطلق الثاني: فخلاصة الجواب عليه أنه خطأٌ في التنزيل؛ فهو ينطبق على من أنشأ النظام الديمقراطي وبناه ويسعى في حمايته مجوزاً له أو مفضلاً له على النظام الإسلامي, فهؤلاء هم الذين يرفضون السيادة الربانية ويعارضونها بالسيادة الشعبية, أما الإسلاميون فهم مجرّدُ مشاركين في العملية السياسية بهدف دفع شرور هذه الطائفة عن الأمة أو تخفيفها, فهم قائمون بالحسبة الواجبة عليهم بحسب مقدورهم, وبناء على قاعدة تزاحم المصالح والمفاسد بحسب ما أداه إليه اجتهادهم.
تاسعا: وهنا بعض الملاحظات تضمنها ردُّ الشيخ أودُّ التنبيه عليها, وهي غير لائقة بمقامه وما كان ينبغي أن يتورّط فيها وهي:
• اتهامه للمعجبين بمقالة الكاتب بالطبول وعدم العقل, وأنهم يتحركون بالريموت الحزبي, مع أن كاتب المقال لا يَعرف بعضهم فضلاً عن أن يكون تم ضغط ريموت كلّ واحدٍ منهم ليصرخ بكلمة إعجاب, وهذه مجازفةٌ في استنقاص الناس وتحقيرهم, ورجمٌ بالغيب بالجزم في أن سبب إعجابهم أوامر حزبية وليست اقتناعاً بما تضمّنه المقال وربما كان منهم من لا يعرفه الشيخ عبدالمجيد.
فما أدري هل يرى الشيخ أن من وافقه أو أُعجب بمقالاته فهو صاحب العقل والفهم, والحق والسنة, ومن خالفه حتى بمجرّد الإعجاب بمقالة من يخالفه فهو حزبي عديمُ العقل, ومبطلٌ صاحب بدعة؟!
فإن كان الأمر كذلك فلابد أن هناك خللاً ما عند الشيخ ينبغي أن يتنبه له ويتداركه, فإن هذا ليس شيم من العلماء.
أما مسألة تخييب الظن في الكاتب التي ذكرها في آخر الرد, فلا أدري من خيّب ظنّ من؟! ولا أريد أن أقف عند هذه النقطة, ولكن يقال: كنتَ يا شيخ تدعو إلى الوسطية وعدم الغلو, وكنت تُنظِّر للاجتماع والألفة, والاعتناء بالدعوة والتربية وعدم التعجل بالصدام, والالتزام بأدب الحوار والنقاش, وتحذّر من مسلك الخلوف والجامية في سوء تعاملهم مع المخالف, فإذا بنا نجد عكس ذلك اليوم, مما أدى إلى مزيد من التنازع والتفرق, وبلبلة الصف وتمزيقه, والسيرِ نحو المفاصلة في قضايا هي محلُّ اجتهادٍ للحركات الإسلاميّة كلِّها ودعاتها وعلمائها, ولم نجدْ فيها إجماعاً قطعياً يُكفَّر مخالفه, والقولان بالجواز أو المنع من المشاركة قولان لعلماء العصر, وهذا من أوضح الأدلة وأبينها أنها مسألة اجتهادية, إضافة إلى كونها نازلة عصرية بظروفها وأحوالها وملابساتها لم يسبق فيها اجتهاد, وهذه علامةٌ أخرى على أنها اجتهادية, وأن النصوص والأحكام الشرعيّة سيتم تنزيلها عليها وهو ما يسمى عند العلماء تحقيق المناط, وهذه علامة ثالثة أنها اجتهادية, إلا إذا كنت ترى أن قول المانعين هو إجماع المسلمين الذي لا يجوز مخالفته, وبه يصبح هذا القول من المعلوم من الدِّين بالضرورة, وعليه يُكفَّر مخالفُه كما يُكفّر بإنكار وجوب الصلاة مثلاً, فهذا شيءٌ آخر, وشأن آخر يحكم فيه علماء العقيدة والفقه وأصوله ليمحصوه ويعطوه مكانه اللائق به من العلم والتحقيق.
وأما اتهام الكاتب بالحزبيَّة وأنه غيّر رأيه لتغير توجه الجماعة نحو الحزبية, فهو اتهامٌ في الدّين بمجرد الظنِّ والتخييل, والله وحده سبحانه سيحاسب قائله عليه؛ إذ لا يَعلم ما في القلوب إلا علّام الغيوب, وأعجبُ لِمَ يورّطْ الشيخ نفسه في ذلك ؟! فليناقش المسألة علمياً, ويدع قلوب العباد لربِّ العباد.
وختاماً أود التنبيه إلى أن هذا المقال لا يؤصل لجواز المشاركة في المجالس النيابية كما قد يتبادر للذهن لأول وهلة, فهذا له بحوثه الخاصة, بل يؤصِّل لكون هذه المسألة من مسائل الاجتهاد, وأنه لا يجوز لأيٍّ من أصحاب هذين القولين أن يعادي ويفاصل كلٌّ منهما الآخر بسبب الخلاف في هذه المسألة.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا ويردنا إليه مرداً جميلاً, والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)