shopify site analytics
زيارة معالي وزير الثقافة والسياحة والآثار/ العراق بغداد - قرار وقف النار وتبادل الأسرى بيد السنوار - آخر حاخام في مصر يكشف تفاصيل خطيرة - غرامة بالآلاف وحرمان من دخول السعودية لـ10 سنوات للمصريين - الكشف عن جرائم إسرائيلية بشعة ضد المصريين في رفح - تسارع في الأحداث بعد موافقة تل أبيب على خطة العملية - سبب غريب وراء تدهور حالة لاعبي الاتحاد السعودي البدنية - محافظة إب السياحية في ظل قيادة اللواء صلاح..!!! - ماذا قال خامنئي في اجتماعه مع قادة القوات المسلحة؟ - بعد أنباء عن خروج السنوار من الأنفاق.. عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل نتنياهو -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - يقوم النقد الثقافي –كما يذكر الغذامي نقلا عن ليتش- على ثلاث خصائص([1])،

الأحد, 26-أكتوبر-2014
صنعاء نيوز/د. محمد المحفلي -
يقوم النقد الثقافي –كما يذكر الغذامي نقلا عن ليتش- على ثلاث خصائص([1])، الأولى: إنه لا يؤطر فعله على النص الجمالي المؤسساتي فقط، بل ينفتح على مجال عريض من الاهتمامات، وحتى يصل إلى ما هو غير جمالي في عرف المؤسسة، فيشمل مجمل الخطابات أو ظاهرة معينة في المجتمع، ومن هذا المنطلق ينبغي النظر إلى شعار الحوثي بوصفه خطابا وظاهرة تستحق الوقوف عندها وتحليلها ثقافيا.
والثانية: الاستفادة من مناهج التحليل النقدي بمختلف توجهاتها الفكرية والفلسفية، وما يتطلبه النقد من دراسة الخلفيات التاريخية؛ وهذا ما يساعد على فهم أعمق لدلالات الشعار وأبعاده في المقاربة الحالية.
والثالثة: التركيز على ما في النص، وعلى أنظمة الخطاب داخله. وهذا ما ستتطرق له هذه القراءة السريعة.
إن أهم ما جاء به النقد الثقافي ضمن آلياته لتحليل أنظمة الخطاب هو فكرة النسق الثقافي([2]) الذي يقول الغذامي: إنه يتحدد عبر وظيفته، وليس عبر وجوده المجرد. فالوظيفة النسقية لا تحدث إلا في وضع مقيد، وذلك عندما يتعارض نظامان من أنظمة الخطاب أحدهما ظاهر والآخر مضمر، ويكون المضمر ناقضا وناسخا للظاهر، ويكون ذلك في نص واحد أو ما هو في حكم النص (الشعار مثلا في هذه القراءة).
وتتحدد شروط أربعة([3]) – بحسب الغذامي- لمعرفة النسق الثقافي في إطار النقد الثقافي. وهذه الشروط هي أولا: وجود –كما ذكرنا_ نسقين يحدثان معا في آن، في نص واحد. الثاني: أن يكون المضمر منها مناقضا للعلني. الثالث: أن يكون جميلا، وليس الجمال هنا بالمعنى المؤسسي أو الفلسفي، إنما بمعنى أنه مناقض للقبيح، بوصف الجمالية هنا أخطر حيل الثقافة لتمرير أنساقها المضمرة. الرابع: أن يكون النص جماهيريا، ويحظى بمقروئية عريضة ليتبين ما للأنساق من فعل عمومي.
وبالعودة إلى شعار الحوثي (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) وبتشكيلاته النمطية إضافة إلى الألوان المحددة، فإنه يشكل موضوعا صالحا لممارسة القراءة الثقافية، فمن خلال قراءة هذا الشعار وتأمل دلالته وسياقاته وربطها مع الاشتراطات المذكورة للنقد الثقافي، يمكن القول: إنه نص يحمل في طياته عنصرين متناقضين، العنصر الأول وهو الظاهر في سطح النص، والآخر المضمر الذي يناقض ظاهره تماما، وكما سيتبين لاحقا.
ولئن قيل عن هذا النص إنه جميل، فإنه جماليته تأتي من فكرة اختيار الألفاظ التي تخاطب العامة، وهي الفئة متوسطة الثقافة التي اكتسبت على مدى سنين طويلة فكرة الجهاد والقتال المقدس ضد الكفار، كما أن العامل المشترك لكل مكونات المجتمع –برغم التناقضات- تتمثل في العداء لإسرائيل وراعيته أميركا، وبهذا يكون الشعار جماليا بالمعنى العام لفكرة الجمال، وقد حاول من خلال صياغته أن يبتعد عن التحيز الطائفي، فاختير بعناية تجعل ظاهره معتمدا على القاسم المشترك العام لفئة المجتمع المخاطب، كما أن لفظ الجلالة والإسلام جعلت من الشعار قطعة مقدسة حتى على الخصوم من عموم المسلمين فيصعب الاعتداء عليه بوصف كلمة الله أكبر كلمة جامعة، ومقدسة عند المجموع.
ولكي نقول: إن هذا الشعار موجه للعوام، ويستثني النخبة فإن ذلك يتجلى من خلال أمرين، الأول: متمثل في جملة اللعنة على اليهود، إذ إنها تمثل فكرة شوفينية تعادي عموم اليهود، وهو خطاب مرفوض من قبل كل من يدرك خطورة هذه الجملة، وأبعادها الفكرية والثقافية، والأمر الآخر: هو أن جملة اللعن جملة زائدة وكما تقول البلاغة: إن المعاضلة تسيئ لجمالية النص، إذ إن جملة الموت لإسرائيل تتضمن بالضرورة اليهود بل وإسرائيل بوصفها كيانا صهيونيا مغروسا في جسد الأمة العربية، وفي جملة الموت لأمريكا بوصفها الراعي الرسمي للصلف الصهيوني وبدعم مباشر من اللوبي اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة. فبعد جملتي الموت لأمريكا والموت لإسرائيل يرد اللعن على اليهود فتبدو جملة زائدة ومعاضلة وتوضيحية، لا تخاطب سوى العامة من الناس الذين يتوجه لهم هذا الشعار؛ وهذا ما يعزز فكرة قراءته ثقافيا بوصفه نصا جماهيريا.
النسق الظاهر:
سيعتمد تحليل النسق الظاهر كما يتجلى في النص بغض النظر عن الدلالات الخفية، أو بعبارة أخرى كما يراد للقارئ أن يفهمه من قبل واضعه. وسيتم لاحقا تحليل النسق المضمر، الذي يشكل النسق الثقافي في هذا الشعار، وهو الذي ينسف النسق الظاهر من أساسه.
يفتتح الشعار بجملة (الله أكبر) وهي جملة لها امتدادها في الوعي الديني الإسلامي، فإنها في كل صلاة تذكر أقل شيء 11 مرة وفي صلوات وتكبيرات الأعياد ومناسبات الحج، وصلوات الجنازة، والاستسقاء، والكسوف والخسوف، وهي مرتبطة بفكرة الجهاد، فلا تستأثر بها مجموعة دون أخرى ولا طائفة دون غيرها في كل العالم الإسلامي، بطوائفه وتياراته، فهي في رايات الجهاد، منذ الفتوحات الإسلامية، ومازالت كل الفرق والجماعات الجهادية ترفعها في راياتها حتى اللحظة، ويمكن القول: إنها جملة جامعة تحاول أن تزيح فكرة الانغماس تحت راية تعصب لفئة معينة، فتفتتح الشعار بلغة القوة ولغة الجماعة التي لا تريد أن تظهر في ثوب المذهب أو الطائفة الضيقة.
أما جملة الموت لأمريكا، فإنها تملك جماليتها جماهيريا، بكونها تشخص الحالة المزرية للوضع العربي والإسلامي العام وتضعها على عاتق التدخل الأميركي المباشر وغير المباشر في الشعوب وسياستها الداخلية، ونظرا لما تمتلكه أميركا من سمعة سيئة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وبعد أن أسهمت بتدمير بلدين مسلمين هما أفغانستان والعراق؛ فإن الرأي العام المتلقي لهذه الجملة يتقبلها دون تردد، ويوافق محتواها بوصف أميركا الشيطان الأكبر. وقد تم اختيار مصطلح الموت لأمريكا تعبيرا عن الرفض لها ولسياستها في المنطقة بدئا من الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني الغاصب وانتهاء بالتدخل السافر في السياسات الداخلية للبلدان، وانتهاك السيادة بمختلف الصور، فتصبح الجملة هذه مقبولة جماهيريا؛ لأن السياسة الأمريكية -التي تتعارض مع مصالح الشعوب ومنها متلقي هذا الشعار- كرست بشكل جدي تقبل النص كون الموت –هنا- تعبيرا عن الرفض للسياسة الأمريكية وما ينتج عنها. ويتفق مؤلف الشعار مع كل فرقائه فكرا وسياسة على صواب هذه الفكرة، فالحوثي وخصومه متفقون أن أميركا وسياساتها الخاطئة والمنحازة لمصالحها ولمصالح إسرائيل وراء أغلب العبث الذي تعيشه شعوب المنطقة، بهذا تصبح الجملة ذات دلالة مقبولة من حيث صياغتها ومدلولاتها، ويبقى عدم تقبلها لوجود سياقات أخرى وأنساق مضمرة سواء من قبل المتلقي الخلافي أو المتلقي العام، سنوضحه لاحقا عند تحليل النسق المضمر.
أما جملة (الموت لإسرائيل) فإنها توافق كل الخطابات الأخرى في محيط هذا الشعار بكل ما يقدح ضده من عداء، إذ يتفق مع خطاب السلطة وإعلامها ومناهجها، وخطاب التيارات الدينية الأخرى، ومع الخطاب اليساري والليبرالي، الذي يرى بأن الكيان الإسرائيلي الصهيوني هو طعنة في خاصرة الوطن العربي، وهذا الكيان إذ يقدم كل يوم من خلال ما يعتمل في فلسطين موتا حقيقيا وترويعا بأشد الأسلحة فتكا عرفتها البشرية؛ لذا تبدو الجملة جميلة ومقبولة لدى المتلقي، وقد قدم مؤلف الشعار الموت لأميركا على إسرائيل كون أميركا هي الأصل وهي الحامي والراعي الرسمي لإسرائيل فكان هذا التقديم في الموت هو تعبير عن أولويات الصراع الذي يرى أن الرأس هي الأساس إذا سقط سقطت وراءه بقية الرؤوس الصغيرة.
وفي جملة (اللعنة على اليهود) تخصيص وتعميم في الوقت نفسه لما ورد في الجملة السابقة، فهي تخصيص إذا عدت إسرائيل رمزا لليهودي المحتل، والمعيق لأي تقدم للأمة، وتعميم إذا كانت إسرائيل مجرد حلقة في سلسة تآمر اليهود على الإسلام، وفي كل الحالات لا يمكن فهم الجملة بعيدا عن السياقات التي صاحبت بروز هذا الشعار، إذ كانت محافظة صعدة (موئل الحركة الحوثية) هي آخر المناطق اليمنية التي يتواجد بها مجموعة من الأقلية اليهودية اليمنية، ولكي يكسب الشعار المزيد من المصداقية كان لابد له من أن يضيف هذه الجملة بعد جملة الموت لإسرائيل، لكي يوثق فكرة العدو الذي يقف عائقا أمام فكر الأمة وطريقها نحو التقدم والعزة. إن هذه الجملة تقف في منطقة وسطى بين النسقين الظاهر والمضمر، فالظاهر هو هذا العداء المتبادل بين اليهود، وممثلهم في المنطقة إسرائيل وبين العرب والمسلمين وقد تجسد في صورة اللعن، والمضمر أن اليهود الذين يقاسمون الحوثيين المكان وتاريخه يجعل شرعية الأجداد والأئمة الذين يفخر الحوثيون بنسبهم إليهم على المحك، فكيف يعاد تقييم مساكنة الملعون تاريخيا آلاف السنين؟ وهل يعني هذا أن اليهودي المعاصر يختلف عن اليهودي الماضي؟ وكيف نستطيع أن نفكك شيفرة اللعنة التي شملت عموم اليهود؟
لذا يمكن القول: إن جمالية هذه الجملة تنحصر في رأي مطلقها فقط، أو من يؤمن بصورة آلية بالفكر الأيديولوجي لهذه الجماعة، أما ما عداه فإن ما يبدو هو لعن كل من يخالفه من أبناء جلدته من يشاركه الدين والوطن.
(النصر للإسلام) هي الجملة الختامية أو هي أشبه بمحصلة للجمل الأولى، فبعد التكبير والدعاء بالموت لأمريكا وإسرائيل ولعن اليهود، يأتي نصر الإسلام نتيجة لكل ذلك. إن نصر الإسلام مرهون بشكل رئيس –بحسب الشعار- بزوال أميركا وإسرائيل واليهود، فهم العائق الوحيد أمام انتصار الإسلام، وقد جعلت الجملة الدعاء باتجاه النصر للإسلام وليس المسلمين، وهو ما يجعله شعارا عاما لكل مسلم إذ إن المسلمين فرق وطوائف مختلفة ومتخالفة، فالدعاء لنصر الإسلام بمفهومه الحقيقي والوحيد.
وبنظرة كلية لهذا الشعار يتبين أنه خمس جمل اسمية، أوله لفظ الجلالة (الله) وآخره (الإسلام) وهي جمل اسمية ولكنها ذات دلالات إنشائية، إذ تكون الجملتان الإطاريتان الله أكبر، و النصر للإسلام جملتين دعائيتين، فيما يمكن أن تعد الثلاث الجمل التي في الوسط جمل تمني، أي إن واضع الشعار يتمنى الموت لأميركا وإسرائيل واليهود، فالشعار ينقسم إلى قسمين قسم دعاء يقع أول الشعار وآخره، وقسم تمن وهو قلب الشعار، وعلى هذا الأساس تم اختيار ألوان الشعار، فاللون الأخضر هو الذي يؤطره وهو في جمل الدعاء الله أكبر والنصر للإسلام، وبما للون الأخضر من خلفية دينية وهو مرتبط بالجنة الخضراء وارفة الظلال، وقبة النبي صلى الله عليه وسلم خضراء، فالدعاء إذا باللون الأخضر الذي يغلف من أعلى ومن أسفل اللون الأحمر الذي يتضمن جمل التمني وهي جمل الموت واللعن، وهي تمثل قلب الشعار، فاللون الأحمر لون النار، ولون الغضب ولون الدم، وكل هذا على خلفية بيضاء صافية، وهكذا يمكن فهم جمالية الشعار بألوانه الثلاثة الأخضر والأحمر والأبيض، وترابطه مع المضمون والدلالات فيه.
النسق المضمر:
إن محاولة فهم الشعار وتبيان النسق أو الأنساق المضمرة فيه لا يمكن أن ينجز مالم يتم البحث في السياقات التي ترد فيه، ومحاولة الربط بين الشعار والخطابات التي تنطوي عليه، أو تلك التي ترد مصاحبة له أو في إطار تفسيره، أو توضيحه، أو الخطابات التي تتبنى تقديم الخط العملي لمجمل الفكر الذي يحويه. فبالإضافة إلى ما ذكر من أن فحص النسق أو الأنساق المضمرة ستبدأ من خلال ما يقدمه النص في ذاته ومن داخله، قبل أن تفصح عن ذلك السياقات الخارجية المرتبطة به، فإن أول إشكالية تظهر هي المزج بين كونه شعارا بدلالاته الكتابية، وبين كونه شعارا ذا دلالة بصرية، إذ يؤدي وظيفتين في وقت واحد، وقد تلتبس الوظيفة الأولى الأخرى، ولكي تترسخ فكرة رمزيته البصرية فإن ألوانه الثابتة الأخضر والأحمر بخلفية بيضاء قد حاولت أن تقوم بهذه الوظيفة، وعن كونه شعارا ذا دلالة بإشارات مكتوبة ودلالات مباشرة، فإنها لا تقدم بصورة مركزة معنى يقدم خصوصية الفكر الحوثي، فربما أغلب التيارات الدينية وتيارات الإسلام السياسي تضع الشعارات نفسها ولكن بصياغات مختلفة، وهنا يكون الثقل الدلالي للشعار في خطاب حامله، وفي الخطابات التي تنطوي تحته.
في الجملة الأولى (الله أكبر) وكما ذكر في الجانب الجمالي للجملة من محاولة الابتعاد عن الطابع الطائفي والمذهبي والسلالي للشعار، ولكن حين نقرأ في كتاب أنصار الله القيادة والمشروع بعد أن يورد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي آل بيتي " يقول "إن الإسلام العظيم بمنهجه النقي الصحيح غير المزيف ورموزه الحقيقيين غير الوهميين والمصطنعين قادرين(كذا) على تقويض الجاهلية الأخرى كما قوض وأنهى الجاهلية الأولى"([4]) ففي هذه الجملة تخصيص للحديث الشريف إذ يقدم الحوثي مشروعه، ومعه جملة الله أكبر بأنها كلها تنفيذ لتوصية الحديث الشريف المعتمد على الرسالة الربانية، فنحن –إذا- أمام جملة ذات خصوصية على مقاس السيد عبدالملك الحوثي سليل رسول الله وأحد أفراد عترته، ولا مناص لنا -إذا أردنا النجاة- من أن نتبعه ونتمسك به، أو هكذا يريد صاحب الكتاب أن يقول رغم المواربة التي حاول أن يصطنعها، وهو لم يكن غير معد ومقدم لعدد من أدبيات الحوثي المنشورة في أكثر من مصدر. وهنا تتضح جملة الله أكبر المذكورة في الشعار وبأنها جملة عموم المسلمين، لتصبح جملة خاصة بالسيد أو (برمز الإسلام الحقيقي وغير الوهمي)، فتغدو الجملة ذات إطار ضيق على مقاس السلالة التي تقول إنها تعود إلى النبي وبأنها هي الأقدر على قيادة الأمة لا بما تملكه من قدرات ولكن بما تكتسبه من موروث جيني يعود بها إلى العترة المقدسة.

أما جملة الموت لأمريكا: فربما تكون أهم ما يقدمه هذا الشعار من تناقض، فكما تبين سابقا أن كلمة الموت تحمل دلالة رفض الهيمنة، ولم تقف عند هذا الحد من مستوى الرفض الرمزي، فتعدت ذلك لمقاتلة من يقول الحوثي إنهم وكلاء أميركا في الداخل، وقد توالت الأخبار وتصريحات القادة الميدانيين للحوثي، والمنظرين السياسيين، بأن ما يجري تحت الشعار هو قتال وكلاء أميركا في اليمن، بمعنى أن شعار الموت قد تحول من مرحلة الرفض الرمزي إلى مرحلة الرفض الفعلي والعملي المتمثل بجلب الموت لهذا العدو بدءاً بوكلائه في الداخل، وهنا يتضح أول تضارب في النسق الثقافي داخل الشعار، إن واضعه قد قدم أولا أميركا على إسرائيل بوصف أميركا هي الراعي الرسمي وهي الموجد لإسرائيل، فلا مناص من أن يكون لها الموت أولا ولكن يتضح أن هذا على مستوى الشعار فقط، أما في حالة الموت الحقيقي، فإن الموت أولا لوكلائها كما يقول.
ولو فرضنا أن الحوثي انتهى عمليا من القضاء على وكلاء أميركا بقوة السلاح هل سيتجه إلى للقضاء على أميركا أو -على الأقل- للقضاء على وجودها في الداخل اليمني؟
في زمن حكومة باسندوة أو كما سميت بحكومة الوفاق شن الحوثيون هجوما شرسا على أداء هذه الحكومة وعلى النظام الحاكم، الذي اتهموه بالتفريط بسيادة البلد، وجعل من اليمن مرتعا لقوات المارينز، ويكفي أن تدخل على أرشيف مواقعهم الإلكترونية([5]) لتكتشف كم الأخبار التي تؤكد تواجد المارينز الأمريكي في العند وفي فندق الشيراتون جوار السفارة الأمريكية في صنعاء، انظر مثلا خبرا في موقع الحق نت بعنوان: "السفارة الأمريكية تهدد رئيس تحرير صحيفة "نبض المسار" بعد رفضه عرضاً مغرياً لإيقاف نشر ملفات المارينز)، ومقال للمحلل السياسي الحوثي في قناة المسيرة الحوثية في موقع الحق نت بعنوان: (وأخيرا وصل المارينز الأمريكي الى صنعاء) وفيه يوضح ويسرد حقيقة وجود المارينز الأمريكي وتواطؤ السلطة حينها مع هذا الاحتلال. وهذا يعني أن العدو الأول والحقيقي موجود في صنعاء بكل قوته، العدو الرئيسي بقوته العسكرية المباشرة وليس بالسفارة فقط، فلماذا لا يطبق عليه الشعار، ولماذا يقتل وكلاء أميركا فقط ويترك أميركا نفسها؟ ولماذا خالف ترتيب الشعار وأولوياته ووضع له أولويات مختلفة؟ عندما سئل محمد عبدالسلام المتحدث باسم الحوثيين عن مستقبل العلاقة مع أميركا بعد دخولهم صنعاء كان هذه رده على صحيفة السياسة الكويتية: "اليمن كدولة لها سياستها الخارجية أما موقف أنصار الله من الولايات المتحدة كإدارة فمازالت هذه الإدارة مجرمة تقف مع الكيان الصهيوني وشعارنا الذي نرفعه نرفعه بشكل سلمي"([6]) لقد سوغ عدم اعتداء الحوثيين على السفارة بأنها تمثل سياسة اليمن الخارجية وهذا شأن الدولة وليس شأنهم، لكنه نسي أن وسائل إعلامهم روجت لسنين عن وجود المارينز في صنعاء، فهل المارينز والتعامل معهم يمثل سياسة الدولة الخارجية؟ وإذا كان التعامل مع أميركا من اختصاص الدولة وسياستها الخارجية فلماذا لا يؤثرون في هذه السياسة بحكم أن الدولة أصبحت عمليا تحت أيديهم؟ ثم إنه أخيرا قال: إن شعارهم سلمي وأن شعار الموت لأميركا شعار سلمي؟ ولكنه لم يوضح لماذا كان الشعار قاتلا مع (وكلاء أميركا)، وسلميا مع أميركا نفسها؟
وفي عبارة (الموت لإسرائيل) لم يوضح واضع الشعار إذا كان يعد الموت في هذه الجملة سلميا أم عنيفا، ولكن العبارة تترجم غالبا من خلال الشعارات المرفقة بها، ومن خلال بعض الأعمال التي تجسد فكرة هذا الموت، ويتمثل من خلال مقاطعة البضائع الأميركية والإسرائيلية كما يقول، ولكن كيف سنفهم هذه المقاطعة إذا علمنا أن نسبة المنتجات التجارية الإسرائيلية في اليمن هي صفر؟ ويمكن أن نستثني منتجات المبيدات والمركبات الكيميائية الممنوعة والمهربة، التي تأتي غالبا عبر تجار ونافذين مقربين –أحيانا- من التيار الحوثي، وتستعمل في رش (القات) كي تزيد كمية إنتاجه فوق المستوى الطبيعي. فتبدو الجملة شبه ملحقة ليكتمل نصاب الموت ولو بشكل رمزي، ودعائي، فيصبح الموت لإسرائيل شعارا مفرعا من معناه، إذ لا يموت تحته إلا اليمن، وإلا كيف تموت إسرائيل رمزيا وأنت تحييها بشعارك حتى في تكبيرات الصلاة في المسجد؟.
إن فهم عبارة الموت لإسرائيل في سياق شعار الحوثي لا يمكن عزله تماما عن سياق الإنتاج الأيديولوجي العربي الذي يرى في إسرائيل ضرورة لبقائها، عبر عداء وهمي ينتج الكثير من الوظائف، منها ما يتعلق بإلصاق الأخطاء والقصور الذي يعتري تلك الأنظمة على هذا العدو، ومنها ما يتعلق بمحاولة صنع رأي عام مناصر للنظام المجاهد الذي ينتصر للمظلومين الذين عصفت بهم إسرائيل على مدى عقود. فالطبقة المسيطرة حين تفقد المقدرة على تقديم إنجاز حقيقي في أي من مجالات الحياة، وتشعر بهذا العجز، فإنها تلجأ إلى السلاح الوحيد الذي لا تفقده أبداً طالما هي قائمة، وهو سلاح التضليل الإيديولوجي([7]) وهل توجد أداة أقوى غير إسرائيل للتضليل الأيديولوجي بيد الأنظمة؟

وفي جملة اللعنة على اليهود وإن كان اللعن قد ورد في القرآن فإنه قد ورد في سياقات خاصة، وليس بهذا التعميم الذي يرد في الشعار، فتحجج مطلقيه بأن اللعن قد ذكر القرآن الكريم ، يمكن الرد عليه بأنه قد ورد أيضا التمجيد لبني إسرائيل كما قال تعالى " يا بني إسرائيل إنا فضلناكم على العالمين" فهل يجوز أن نقول: إن إسرائيل أفضل العالمين؟؟ إن نزع الآيات عن سياقها لتسويغ عمل ما -مهما بدا نبيلا- يعد تعديا خطيرا على الوعي الجمعي ويؤسس لاختلالات متراكمة ومتراتبة، من الخطير إلى الأخطر ومن القبيح إلى الأقبح. إن اللعن في أبسط مفهوم له هو الطرد والحرمان من الخير، فإذا كان الشعار ينادي بالطرد والحرمان لليهود فإن تجسيد هذا الشعار قد تمثل في الطرد والحرمان من قبل الحوثيين لكل من (سلفيي دماج، سلفيي كتاف، أبناء عمران)، ومن ثم تتسلسل حلقة الطرد والحرمان، فتتابع المناطق اليمنية التي تصلها لعنة الحوثيين يوما بعد آخر. وهنا نلمح لعنتين: لعنة في الشعار لليهود، ولعنة في التطبيق للمواطنين اليمنيين.
وفي الجملة الأخيرة (النصر للإسلام) يتبين -في صياغتها الظاهرة- الحرص على أن الدعاء بالنصر للإسلام لا للمسلمين، الإسلام بوصفه فكرا ومنهجا، لا المسلمين بوصفهم حاضنين لهذا الفكر وموظفين له بطريقة قد تكون نموذجية، وقد تكون غير ذلك. ولكن حين نطابق هذه الفقرة من الدعاء مع السلوك الحوثي يتبين أنه يقصد بالإسلام منهجه هو ولك أن تنظر إلى تصنيف أنفسهم ونعتهم لذواتهم بالنعوت التالية: (أنصار الله، أصحاب المسيرة القرآنية) فيصير الدعاء بطلب النصر للإسلام طلبا للنصر لأنفسهم كونهم الممثل الشرعي والوحيد للإسلام، فهم أنصار الله ووكلاؤه على عباده، وبهذا تنزاح فكرة عمومية الدعاء ليصبح دعاء خاصا، ومحصورا عليهم وعلى أتباعهم إنه دعاء لأنصار الله وأنصار أنصاره فقط، فهم صورة الإسلام النقية وأصحاب مسيرة القرآن التي تمضي على درب الإسلام. من هنا يتضح ضيق ما يريد واضع الشعار الذي حصر الإسلام في ثوبه.
وفي ختام هذه المقاربة الثقافية للشعار ينبغي إعادة النظر في تشكيله البصري المتمثل في قراءة ألوانه وتشكيل عباراته، إن استعمال النظرة الكلية بحسب نظرية الجشتلط لهذا الشعار بالمقارنة مع العلم الإيراني سيتبين أن هناك تشابها لا يمكن لمطلع متابع أن يفوته، فألوان العلم الإيراني هي (الأخضر، الأحمر، الأبيض) وكذلك شعار الحوثي. صحيح أن هناك أعلام أخرى تشترك مع هذا الشعار، ولكن التشابه مع العلم الإيراني يصل حد التطابق، فالنظرة الكلية فيما لو وضعنا العلم الإيراني بجوار شعار الحوثي وحاولنا أن ننظر نظرة كلية وشاملة لبدا لنا الكلم الهائل في مقدار التطابق في توزيع الألوان وتركيبها، إضافة لكلمة (الله أكبر) التي هي مفتتح شعار الحوثي وتؤطره، وهي في الوقت نفسه تؤطر العلم الإيراني.
إن هذا ليس مجرد تشابه أو توارد خواطر، بل إنه يتعمق في فكر واضع الشعار المتشبع بفكر الثورة الإيرانية التي تحاول أن تتغلغل في شعوب المنطقة تحت مسمى الصحوة الإسلامي _كما تردد وسائل إعلام إيران- لتؤسس لبؤر قوة جديدة داعمة ومساندة للنظام الإيراني، ومادام الحوثي لا يخفي احتفاءه بإيران وبالتقارب الفكري والروحي بينهما فإن النسق الثقافي لهذه الألوان بعكس النسق الظاهر الذي رأيناه سابقا يبين مدى التبعية الحوثية للنظام الإيراني، وأن فكرة استقلال الإرادة الوطنية التي ينادي بها تظل مجرد شعار وهمي يستدر به عواطف البسطاء من الناس؛ لكسب المزيد من التابعين.
وهكذا يتبين من خلال النظرة الكلية للشعار ومن خلال تأمل التفصيلات داخله، أن النسق الثقافي المضمر ينسف تماما جمال المستوى الظاهر منه، ويجعل منه مقطوعة أيديولوجية تستجلب المزيد من الأتباع الذين لا يفكرون أبعد من سطح الجمل الرنانة التي لا تقرع جرس الأذن حتى ينكمش لها العقل مع أول محاولة تفكير جادة في جمل الشعار وفحص دلالاته.
الهوامش:

([1]) - ينظر: عبدالله الغذامي: النقد الثقافي. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء – المغرب، ط/3، 2005م، ص: 31 وما بعدها.

([2]) - ينظر: المرجع نفسه، ص: 76.

([3]) - ينظر:المرجع نفسه، ص: 77.

([4]) - يحيى قاسم أبو عواضة، أنصار الله القيادة والمشروع. مكتبة زيد علي، صعدة – اليمن، ط—1 ، 2014م، ص: 5

([5]) - انظر الروابط الآتية: الروابط:

- http://alhakk.net/2012-03-19-15-27-47/2012-03-19-15-29-43/230-2012-03-22-20-57-23.html

- http://alhakk.net/2012-04-22-16-29-54/2012-03-18-18-58-05/4192-2013-10-09-19-39-46.html



([6]) - صحيفة السياسة الكويتية، محمد عبدالسلام يحدد طبيعة العلاقة مع أميركا (المتحدث باسم “أنصار الله” لـ”السياسة”: المبادرة الخليجية انتهت واللواء الأحمر مطلوب للعدالة ولن نستهدف “الاخوان” الرابط :

http://al-seyassah.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%85-%D8%A3%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84/#sthash.RPMmRfzQ.zaeDA6Zw.dpbs

([7]) - ينظر: ميشيل فاديه: الإيديولوجية وثائق من الأصول الفلسفية. ت: أمينة رشيد، و سيد البحراوي، دار الفارابي، لبنان – بيروت، د.ط، 2006، ص: 6، 7.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)