صنعاء نيوز/ إبراهيم المعلمي -
عندما سئل المناضل الوحدوي والأديب الكبير المرحوم عمر الجاوي عن موقفه من أحداث 13 يناير عام 1986م وهل ينحاز إلى ما سمي حينها "الطغمة أم الزمرة" أجاب: "أنا طز".. تذكرت هذه الإجابة المعبرة عن موقف ساخر وساخط إزاء تلك السياسات المغامرة التي أدت إلى تلك الواقعة الدموية المؤسفة، وأنا أراقب اليوم موقف هذا الشعب الصابر المغلوب على أمره وقد بلغ به السيل الزبى وطفح به الكيل، وهو ما يزال يحمل بصيص أمل في الوصول أخيراً إلى دولة تنتشل البلاد من حالة الفوضى والفساد وتحفظ للمواطن حريته وكرامته وتصون حقوقه وتوفر له وسائل حياة كريمة ولائقة في وطن آمن ومستقر.
فأربع سنوات من المد والجزر والنزاع والصراع على مقاعد السلطة ومواقع النفوذ، قد أجلت حلم اليمنيين في الوصول إلى مرفأ الأمان وأحبطت محاولاته لاستعادة ثورته المنهوبة وتأسيس دولته المنشودة، بل زادت الأوضاع تعقيداً بفعل المراوحة والمماطلة وحالة الترهل وعدم الجدية في تنفيذ استحقاقات المرحلة الانتقالية وفق جدولها الزمني المحدد في المبادرة الخليجية.
وفي خضم هذه الفوضى الشاملة، انصرف السياسيون، في الحكم والمعارضة، إلى البحث عن مصالحهم الخاصة، في تجاهل غير مفهوم لخطورة الوضع السياسي والأمني ومتطلبات المرحلة الحرجة وحالة التجاذب الحاد والاختلالات الكبيرة، الأمر الذي أدى بالمحصلة الطبيعية، إلى قلب المعادلة رأساً على عقب، فتغيرت موازين القوى وتغيرت معها قواعد اللعبة السياسية.
البلد الآن يمر بحالة مخاض عسير ويقف على مفترق طرق، معظمها يشير إلى مآلات كارثية، أهونها التمزق والتشتت والانهيار، ويبقى الرهان على الحكماء والعقلاء في صفوف النخب السياسية التي ما يزال بمقدورها إنقاذ البلاد من الانزلاق نحو المجهول وتجنيب الوطن ويلات الاقتتال والاحتراب الذي بات يلوح في الأفق.
فليس هناك من خيارات أخرى متاحة في هذا الظرف العصيب، سوى خيار الانحياز للوطن وتغليب مصلحته على ما عداها من مصالح حزبية أو فئوية أو غيرها عبر حوار جاد ومسئول بعيداً عن المراوغة والمماطلة والمساومة والمحاصصة، يأخذ في الاعتبار واقع ومعطيات المرحلة وممكناتها المتاحة وفقاً لأسس وقواعد العمل السياسي المتعارف عليها وبما يحفظ للوطن سلامته ووحدته وأمنه واستقراره ويلبي متطلبات كل الأطراف في حدودها المعقولة والمقبولة التي تنسجم مع مصلحة الوطن ولا تتعارض أو تتقاطع مع ثوابته التي يجمع عليها كل اليمنيين، بعيداً عن الشطط والنزق أو الاستقواء والاستعلاء على الآخرين.
فإما أن تكونوا على مستوى المسئولية الجسيمة التي تتحملونها وتعملون على إعادة الثقة التي فقدتموها في أوساط شعبكم وتقودونه إلى بر الأمان أو انسحبوا من الساحة وتواروا عن المشهد السياسي واتركوا هذا الشعب يحدد خياراته.. فهذا الشعب البائس قد شب عن الطوق ولم يعد يبالي بشيء وسوف يقول لكم جميعاً وبصوت عال، مأثورة المناضل عمر الجاوي: "طز".