shopify site analytics
خبراء روس ينشرون مشاهد لمكونات صاروخ "ستورم شادو" - بنك صنعاء المركزي يخطط لحل مشكلة العملة التالفة - إصدار أرقام جلوس طلاب الثانوية العامة للعام الدراسي 1445هـ - حديث لمنظمة العمل ضد الجوع (AAH) - كلا للإساءة ( للعگال والشماغ ) الجنوبي عنوان الأصالة والمقاومة - دُعاة الفن الرمضاني اسقطتهم شباك الشماغ الجنوبي - حال المرأة الموريتانية وواقعها في المجتمع الموريتاني - منصة "الأيقونة" الإعلامية تعلن عن تشكيل مجلس أمنائها - نجوى كرم تثير الجدل بـ"رؤيتها" - بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار! -
ابحث عن:



السبت, 16-مايو-2015
صنعاء نيوز - 
تتزايد مطالبة الشعوب بمزيد من الشفافية والمساءلة في عمليات القطاع الحكومي.  إذ تفرز العولمة مزيداً من الروابط بين الدول، صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامر -

تتزايد مطالبة الشعوب بمزيد من الشفافية والمساءلة في عمليات القطاع الحكومي. إذ تفرز العولمة مزيداً من الروابط بين الدول، وانتشاراً أسرع للمعلومات عبر الحدود التي تفصل بينها، ودعوة لدور شعبي أكبر في الحكم. وكما هو الحال في مناطق أخرى من العالم، فإننا يجب أن ندرك في المنطقة العربية الحاجة الملحة لتوجيه الإصلاحات في القطاعات الحكومية لدينا بشكل أفضل. كما يجب أن ندرك الفرص والتحديات الخارجية والداخلية الكبيرة التي ولدتها العولمة. فهناك حاجة متزايدة للاستجابة إلى المستثمرين الأجانب الذين يتوقعون الوثوق في دقة المعلومات ليس حول أداء عمليات القطاع الخاص فحسب بل ومؤسسات القطاع الحكومي الرئيسية أيضاً.
ومن المهم أيضاً الحفاظ على الثقة الشعبية المحلية في المؤسسات الحكومية، فذلك أمر ضروري لتحقيق الحكم الصالح والتنمية البشرية المستدامة.
يتجه فكر الإصلاح في كافة الدول العربية لتقييم نتائج الجهود التي بذلت في العشر سنوات الماضية لتحسين أداء المؤسسات الحكومية والعامة خاصة في مجال تقديم الخدمات العامة بطرق تتسم بالنزاهة والشفافية، إذ يجب أن تقدر الحكومات قدر تحديات العمل في بيئة عالمية كما تدرك أهمية رفع مستوى الأداء وتحسين جودة الخدمات لتحقيق التنمية المستدامة والتمسك بأهداف التنمية في الألفية الجديدة. وقد أصبحت مبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة في المؤسسات العامة موضع الاهتمام والتركيز في برامج الإصلاح والتحديث الإداري في مختلف الإدارات بما في ذلك القطاعات التشريعية والقضائية والتنفيذية.
ويجب أن تبذل الدول جهوداً جادة ومتعددة لغرس وتعميق وتطبيق هذه المبادئ في بيئة العمل العام. تعد الصحة حقا أصيلا من الحقوق الأساسية للإنسان، وهو أمر بديهي يعرفه الجميع، لكنه مثل غيره من كثير من المعارف تم نسيانه عمدا أو لسوء فهم، فالاهتمام بالصحة موقف حضاري، فضلا عن أنه من المبادئ الرئيسية للإيمان في الرسالات السماوية وفي كتب وتعاليم الحكماء الأسوياء شرقا وغربا. وإذا ركزنا على مصر وعدنا قليلا إلى الوراء سنجد أن الاهتمام بالصحة كان كبيرا وبأسلوب علمي، وليس أدل على ذلك من أن المصريين القدماء والذين اعتبروا بناة حضارة البشر توصلوا إلى أن الصحة في الجسد والعقل والنفس تبدأ من مرحلة الطفولة الأولى، وأن أساسها في العامين الأوليين من عمر الطفل، وأن أول حجر في هذا الأساس هو أن يتغذى الوليد بالرضاعة الطبيعية من الأم عامين كاملين، وهذه الحقيقة العلمية أكدتها الدراسات والأبحاث العلمية. وهذا لا يعني فقط بناء الجسد وتقوية جهاز المناعة في الإنسان ولكنه يشير إلى أن ضم الأم واحتضانها لطفلها يعطي حنانا وصحة نفسية واستقرارا وتنمية للعقل والوجدان. هذه المقدمة كانت ضرورية للتأكيد على أن الاهتمام بالصحة والدعوة إلى ذلك ليس انسياقا وراء دعوات أجنبية وليس تقليدا لما يمارسه الآخرون، لكنه نابع من ذاتيتنا، وإن كان هذا لا يمنع من دراسة تجارب الآخرين باعتبار أننا جزء من المجتمع الإنساني نؤثر فيه ونتأثر به.
وينفق العالم كل عام ما يزيد على 3 تريليون دولار أمريكي على الخدمات الصحية ويتم تمويل معظمها بواسطة دافعي الضرائب. وتشكل هذه التدفقات المالية الهائلة هدفًا جذابًا لسوء الاستغلال. وهذا يعني أن هناك مخاطر كبيرة تحيط بهذه المصادر الثمينة وأنه يمكن استغلال الأموال التي تهدر بسبب الفساد لشراء الأدوية أو تجهيز المستشفيات بالمعدات الطبية أو توظيف العمالة الطبية التي تشتد الحاجة إليها.
إن تنوع الأنظمة الصحية في العالم، وتعدد الأطراف المعنية، وندرة حفظ السجلات في كثير من الدول، والتعقيدات والصعوبات المحيطة للتمييز بين الفساد وعدم الكفاءة والأخطاء الغير مقصودة، تعبر كلها عن الأمور التي تجعل تحديد التكاليف الإجمالية للفساد في هذا القطاع حول العالم مهمة صعبة. هذا ويعتبر نطاق الفساد في كل الدول الغنية والفقيرة على حد سواء نطاقًا واسعًا. ففي الولايات المتحدة الأمريكية - وهي أكثر الدول الصناعية إنفاقًا على الرعاية الصحية، حيث يتم إنفاق على هذه الرعاية ما يعادل 15.3 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي - وقام برنامجا "ميدي كير" Medicare و"ميدي كيد" Medicaid، وهما من أكبر برامج الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية، بتقدير حجم الأموال التي تهدر نتيجة للدعم غير المستحق overpayment بحوالي 5 إلى 10 بالمائة من ميزانيتهما. وفي كمبوديا أكد ممارسو الرعاية الصحية الذين أُجرِيَت معهم حوارات في إطار الإعداد لتقرير الفساد العالمي 2006 على أن أكثر من 5 بالمائة من الميزانية المخصصة للرعاية الصحية مُهدَر بسبب الفساد، حتى من قبل أن تغادر تلك الأموال مقر الحكومة المركزية.
هذا ويحول الفساد دون وصول خدمات الرعاية الصحية إلى الأفراد، مما قد يترتب على ذلك من خطأ في وصف العلاجات. كما يؤدي الفساد في سلسلة المستحضرات الدوائية إلى نتائج قاتلة: وقد وُرد على لسان دورا أكونييلي، رئيس هيئة الغذاء والدواء بنيجيريا الحائزة على جائزة النزاهة التي تخصص سنويًّا من قبل منظمة الشفافية الدولية المناهضة للفساد العالمي، أن "الغش في الأدوية؛ وهو نتيجة الفساد؛ يقتل بالجملة ويمكن لأي شخص الوقوع ضحية له". وقد كشفت الهيئة التي ترأسها أكونييلي عن حالات تم فيها استبدال مادة الأدرينالين التي تنقذ حياة الملايين بالماء، وكذلك المكونات النشطة التي يقوم المزوّرون بتخفيف تركيزها، مما يسهم في ظهور سلالات مقاومة للأدوية من أمراض الملاريا والسل والإيدز، والتي تعتبر أخطر الأمراض القاتلة في العالم.
ويتأثر الفقراء بدرجات متفاوتة من جراء الفساد في قطاع الصحة، حيث إنهم الأقل قدرة على تقديم الرشاوى الصغيرة مقابل الحصول على خدمات صحية من المفترض أنها تُقدَّم مجانًا، أو الدفع مقابل الحصول على الخدمات الخاصة وحيث استنفد الفساد خدمات الصحة العامة. وتشير إحدى الدراسات التي تم إجراؤها حول نظم تقديم خدمات الرعاية الصحية في الفلبين ووفقًا للتقارير أن ساعات الانتظار في العيادات العامة في المحليات الفقيرة ومتوسطة الدخل تزيد عن مثيلاتها في المناطق الغنية. كما أن ارتفاع عدد حالات الحرمان من الأمصال الوقائية يرتبط بمدى انتشار الفساد.
ويؤثر الفساد على السياسة الصحية وأولويات الإنفاق. وتوضح الأمثلة الواردة في تقرير الفساد العالمي للعام الحالي إلى استغلال المسئولين في كل من المكسيك وكينيا لسلطاتهم في تحويل الموارد المالية إلى المشروعات "ذات الأفضلية"، بغض النظر عما إذا كانت تلك المشروعات متفقة مع السياسة الصحية التي تم اعتمادها. وبالإضافة إلى ذلك توجد عوامل محفزة للتلاعب في المبالغ المدفوعة مقابل تقديم الخدمات؛ حيث يتقاضى مقدمو الرعاية أجورهم على أساس مبدأ الأجر مقابل الخدمة، والتي تحفزهم لتقديم خدمات غير ضرورية لزيادة دخلهم. وذلك لأنهم لو تقاضوا أجرهم "عن كل مريض"، لزاد ربحهم من خلال عدم تقديم الخدمة الصحية المطلوبة.
إن الحد من الفساد من شأنه إعادة ضخ الأموال مرة أخرى إلى قطاع الخدمات الصحية وتشير التقارير والتي تمت منذ عام 1999 والتي قامت بها وحدة مكافحة التزوير في الخدمات الصحية أنه وكنتيجة للقضاء على الفساد أمكن استرداد ما قيمته مائة وسبعون مليون جنيه إسترليني (300 مليون دولار أمريكي) وأن حجم المكاسب المالية للخدمة الصحية الوطنية والتي تشمل أيضًا استرداد الخسائر التي وقعت نتيجة للاحتيال، وتقليل حجم الخسائر بفضل تدخل جهاز مكافحة الاحتيال إلى أربعة أضعاف ذلك المبلغ؛ وهو ما يكفي لبناء عشرة مستشفيات جديدة.
وتعرّف منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه "سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق مكاسب شخصية". وفي مجال الصحة، يشمل الفساد تقديم الرشاوى للمسئولين عن التنظيم والعاملين في مجال الطب، والتلاعب في بيانات تجارب الأدوية، والتلاعب في توزيع الأدوية والمستلزمات الطبية، والفساد في عمليات الشراء، والمبالغة في تقديم المستخلصات لشركات التأمين. هذا ولا يقتصر الفساد على سوء استغلال المسئولين لسلطاتهم، حيث إنه عادة ما تسند الأدوار الرئيسية في المجتمع إلى مؤسسات الرعاية الصحية في القطاع الخاص. هذا وعندما يقوم القائمون على شئون المستشفيات، أو شركات التأمين، أو الأطباء، أو شركات الأدوية بالتكسُّب بطرق غير مشروعة، فإنهم لا يقومون باستغلال مناصبهم بشكل رسمي، بل يقومون بسوء استغلال سلطاتهم ونهب الموارد الثمينة اللازمة لتحسين الصحة.
(أ) ما الذي يجعل قطاع الصحة عرضة لممارسات الفساد؟
تسهم عدد من الخصائص في جعل جميع أنظمة الرعاية الصحية عرضة لممارسات الفساد؛ سواءً كانت تابعة للأنظمة الحكومية أو الخاصة، أو سواءً كانت في الدول الغنية أو الفقيرة وتتعلق بما يلي:
انتشار ظاهرة عدم وجود توازن في المعلومات في الأنظمة الصحية: حيث يعرف خبراء الصحة معلومات عن الأمراض أكثر من المعلومات التي يعرفونها عن المرضى؛ كما يتوافر لدى الشركات المسئولة عن الأدوية والأجهزة الطبية معلومات عن منتجاتها أكثر مما يتوفر للمسئولين عن اتخاذ القرارات الخاصة بالإنفاق. إن إتاحة المعلومات من شأنها أن تساعد على خفض حجم الخسائر الناجمة عن ممارسات الفساد. وقد أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت في الأرجنتين عن الفروق في أسعار المستلزمات الطبية في المستشفيات والتي انخفضت بنسبة 50 بالمائة، بعد قيام وزارة الصحة بنشر المعلومات عن حجم ما تتكبده المستشفيات من نفقات مقابل تلك المستلزمات.
تشكل حالة عدم التيقن في أسواق الرعاية الصحية وخاصة فيما يتعلق بعدم المعرفة عن من هم الذين يمكن أن يصابوا بالمرض ومتى سيأتي المرض، وما هي الأمراض التي قد تصيب الإنسان، وما مدى فعالية العلاج المتاح حيث يمثِّل كل ذلك تحديًا آخر أمام صانعي القرار. وذلك لأنها تشكل صعوبة في عملية إدارة الموارد بما في ذلك قرارات اختيار خدمات الرعاية الصحية ومراقبتها وقياسها وطرق توصيلها، وكذلك وضع الخطط للتأمين الصحي. هذا وتزيد فرص ظهور ممارسات الفساد في الحالات الإنسانية الطارئة، والتي يتطلب فيها ضرورة تقديم الرعاية الطبية العاجلة والتي يتم أثنائها تجاهل كل الأنظمة الموضوعة.
الأنظمة الصحية في غاية التعقيد، وخاصة بالنسبة للعدد الهائل من الأطراف المعنية ويزيد من هذه التعقيدات الصعوبات التي تحول دون إنتاج المعلومات وتحليلها ودعم الشفافية ورصد الفساد ومكافحته. كما أن العلاقة بين منتجي المستلزمات الطبية ومقدمي خدمات الرعاية الطبية وصانعي القرار عادة ما تكون غير واضحة وبعيدة عن الشفافية؛ والتي في الغالب تتسبب في ظهور تشوه وأوجه خلل في السياسة الصحية والتي تعود بالضرر على الصحة العامة.
(ب)أنماط الفساد في قطاع الصحة:
يتعرض المراقبون والمنظمون ومتحملوا النفقات ومقدمو خدمات الرعاية الصحية، والموردون والمستهلكون، لمجموعة مركبة من المحفزات والتي قد تؤدي إلى الفساد. وفيما يلي أنماط الفساد المختلفة في قطاع الصحة:
الاختلاس والسرقة من الميزانية المخصصة للرعاية الصحية أو الموارد الناشئة عن رسوم الخدمات الصحية. والتي يمكن أن تحدث على كل من مستوى الحكومة المركزية، أو المحلية، أو عند تخصيص الموارد لسلطة أو مركز معين في قطاع الصحة. كذلك يمكن سرقة الأدوية والمستلزمات الطبية أو الأجهزة والمعدات بهدف الاستخدام الشخصي أو بغرض استخدامها لتحقيق مكاسب مادية أو إعادة بيعها.
ممارسات الفساد في عملية الشراء. التورط في المؤامرات والرشاوى والإتاوات الخاصة بنتائج الشراء، والتي يتم فيها الدفع بأكثر مما هو مطلوب مقابل البضائع والخدمات المتعاقد عليها، أو في حالات عدم تطبيق المعايير التعاقدية الخاصة بالجودة. بالإضافة إلى أن الإنفاق في المستشفيات والتي قد يشتمل على استثمارات ضخمة للتشييد والمباني وشراء التكنولوجيا عالية التكلفة، وكلها تعتبر من أكثر المجالات الشرائية والتي تكون عرضة لممارسات الفساد.
الفساد في أنظمة الدفع. وتشمل الممارسات المتعلقة بإعفاء مرضى بعينهم من الرسوم، أو التزوير في المستندات الخاصة بالتأمين الصحي لبعض المرضى، أو استغلال ميزانيات المستشفيات لخدمة مصالح أشخاص بعينهم، والمطالبات غير القانونية من شركات التأمين، أو الحكومة، أو المرضى، لدفع رسوم بشكل مقابل خدمات لا تندرج تحت بنود التأمين أو خدمات لم يتم تقديمها في الأساس، وذلك تحقيقًا لمكاسب مادية أكبر، وتزوير السجلات الخاصة بالفواتير، أو سجلات الاستلام، أو سجلات المستفيدين، أو إضافة مرضى "غير موجودين". هذا ومن أشكال الفساد الأخرى والمتعلقة بنظم الدفع: نجد عقد صفقات مع الأطباء عن طريق تقديم الحوافز المالية أو دفع الرشاوى مقابل الإحالات referrals، وقيام بعض الأطباء بتحويل مرضى المستشفيات العامة إلى عياداتهم الخاصة، وتقديم الخدمات الطبية دون وجود ضرورة لذلك بهدف زيادة الرسوم.
ممارسات الفساد في الإمدادات الخاصة بالمستحضرات الدوائية. حيث يمكن التلاعب في منتجات الأدوية أو سرقتها عند مراحل عديدة ومنها أثناء نظام التوزيع؛ أو قيام بعض المسئولين بطلب دفع رسوم مقابل اعتمادهم لبعض المنتجات، أو تقديم تسهيلات للإفراج الجمركي، أو تحديد الأسعار، ومخالفة قواعد الممارسات التسويقية للمنتجات والتي تؤثر على أنماط وصف الأدوية من قبل العاملين في مجال الطب، ومطالبة موردي الأدوية بتقديم خدمات كشرط لوصف أدويتهم للمرضى، والسماح بتداول الأدوية المغشوشة أو التي لا تتفق والمعايير الموضوعة.
 ممارسات الفساد في الأماكن التي يتم فيها تقديم الخدمات الصحية. والتي يمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة مثل الابتزاز أو قبول المبالغ المالية بشكل غير رسمي ودون وجه حق مقابل الخدمات التي من المفترض أنها تقدم مجانًا.
 وكذلك المطالبة بدفع مبالغ مالية مقابل الحصول على امتيازات أو معاملات خاصة، والابتزاز، أو قبول الرشاوى للتأثير على قرارات التعيين، أو قرارات اعتماد المرافق التي تقدّم الخدمات الصحية والتراخيص الخاصة بمزاولة العمل.
لم تترك لحكومات المصرية مؤسسة واحدة تقدم منحاً أو مساعدات إلا حصلت منها على دعم ، خاصة فى قطاع الصحة الذي حظي باهتمام خاص من قِبَل الدول المانحة وبالتحديد من ثلاثة مصادر هي (الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة والمنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية)، ومع ذلك فإن النتائج المحققة في هذا المجال ضئيلة جدا، وهو ما يمكن استخلاصه على سبيل المثال من نص اتفاقية تحت مسمى التعديل الثالث لاتفاقية منحة الهدف الاستراتيجي لتحسين الصحة وتنظيم الأسرة. والتي صدق عليها مجلس الشعب ونشرت في الجريدة الرسمية العدد ١١ في 16 مارس 2006، وبالتالي فهي تعتبر وثيقة رسمية، ويحدد نص الاتفاقية مشاكل القطاع الصحي في مصر، وبعد كل المساعدات التي حصلت عليها الحكومات المصرية بشكل واضح مؤكدا أنها "تتضمن التفاوت في الوضع الصحي والذي يؤثر بوجه خاص على الفئات الضعيفة من السكان، وعدم وجود نظم فعالة لتقديم برامج وخدمات رعاية صحية جيدة. ويؤدي النمو السكاني المستمر والأمراض المعدية والأمراض المزمنة التي لا يتم علاجها أو التي لا يتم علاجها على نحو سليم، والقدرة المحدودة على تلبية الاحتياجات الطبية الحادة والطارئة إلى قصر العمر وسوء الحالة الصحية، وهو الأمر الذي من شأنه الحد من إمكانات مصر في تحقيق النمو الاقتصادي، وفيما يلي تنويه ببعض المشاكل الرئيسية التي تتسبب في قصر العمر وسوء الحالة الصحية:
-ارتفاع معدل الخصوبة عن المعدل المرغوب، حيث يبلغ 3.2 مولود للمرأة الواحدة، وقد يؤدي ذلك في ظل الاتجاهات المتوقعة إلى زيادة كبيرة في عدد السكان في مصر وزيادة العبء على نظام رعاية صحية مثقل فوق طاقته.
-وجود تفاوت إقليمي في الوضع الصحي بسبب عدم التكافؤ في الصحة وتقديم الخدمات الأخرى.
-ضياع فرص كبرى لإنقاذ حياة النساء والأطفال بسبب قصور الخدمات الطبية، وعدم كفاية المعلومات في بعض المناطق، وإتباع أسلوب ينقصه التنظيم والفاعلية في إحالة المرضى وتلبية الاحتياجات الطبية العاجلة.
-الإصابة بأمراض يمكن تجنبها ومن ثم حدوث وفيات، وذلك من جراء قصور أوجه رصد الأمراض المعدية والتصدي لها.
-الإصابة بالمرض والإعاقة نتيجة نقص الوعي بالسلوكيات الصحية السليمة.
-تدني نوعية خدمات الرعاية الصحية المقدمة نتيجة لقصور نظم تعليم وتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية.
-قصور التدريب المقدم للعاملين في المجال الطبي على نحو لا يسمح بتلبية احتياجات الرعاية الصحية الأساسية والطارئة."
وتقرر بموجب هذه الاتفاقية رفع المنحة المقررة من ١١٢ مليون دولار إلى ١٣٨ مليون دولار. هذه الاتفاقية رفع المنحة المقررة من ١١٢ مليون دولار إلى ١٣٨ مليون دولار. ولم تكن تلك الاتفاقية بنصوصها الواضحة فى توصيف واقع تدهور قطاع الخدمات الصحية هي السابقة الأولى بل قبل ذلك بأربع سنوات تم توقيع اتفاقية مثيلة في ٣٠ فبراير عام 2002، ونشرت في الجريدة الرسمية - العدد 30 في 24 يوليو2002 وتؤكد نصوص الاتفاقية فى توصيفها لمشكلات قطاع الصحة في مصر أنها " تتضمن التباين في الحالة الصحية خاصة التي تصيب المجموعات الضعيفة صحياً من السكان وكذلك الأنظمة غير الفعالة التي يجب أن توفر برامج وخدمات الرعاية الصحية. إن الزيادة السكانية المستمرة والأمراض المعدية والمزمنة - التي تعالج هامشياً - والإمكانيات المحدودة للتصدي الصحيح والطارئ للاحتياجات الطبية تساعد على قصر حياة الأشخاص مع الانخفاض في مستوى المعيشة والتي تحد من النمو الاقتصادي في مصر. وتعد من أهم المشاكل التي تؤدي ضعف الصحة، وقد استهدفت تلك الاتفاقية وضع الاستراتيجيات اللازمة والملائمة لسد الاحتياجات القومية للصحة والسكان، ودعم تنفيذ هذا البرنامج في شكل مساعدة فنية وأشكال فنية وأشكال أخرى للدعم مبينة في ملحق الاتفاقية، وبخلاف البرامج التي تمولها هذه الاتفاقية هناك برامج أخرى مستمرة لمساندة عملية التنمية في مصر من الوكالة الأمريكية والمانحين الآخرين مثل صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية ومنظمة الصحة العالمية.
وفى عودة ثانية لموضوع الفساد في قطاع الصحة يجب الإشارة إلى أن أبرز أشكاله هو الفساد المرتبط بتدهور أخلاقيات المهنة وعدم احترامها، وهو ما لا يرتبط بمهنة الطب فقط، رغم أن المصريين في مرحلة معينة من تطورهم التاريخي كانوا أكثر وعيا بهذه المسألة، وكان أبناء المهنة أنفسهم هم الذين يتوفرون على حماية هذه الأخلاقيات والآداب ، وفي اللحظة التي تضعف فيها غيرة أبناء المهنة على سمعة مهنتهم ويتهاونون في تطبيق آدابها هي نفس اللحظة التي تفتح فيها ثغرة للفساد وتبدأ الكارثة .
هنا يجب التأكيد إن هذا الشكل من أشكال الفساد لا يرتبط فقط بنقص الموارد، وهو الواقع الذي يشير إليه قطاع الخدمات الصحية، فعندما تم إنشاء 125 مستشفى مركزي في عواصم المراكز والمحافظات في مصر في الستينيات بالإضافة إلى أكثر من ألف وحدة ريفية، اعتبرت منظمة الصحة العالمية هذا الإنجاز ثورة خطيرة ونموذج محترم ومثير للتأمل. وفي عام 1982 أشارت دراسة لصندوق النقد الدولي إلى أن لدى مصر جهازا صحيا ممتازاً (تشريحيا) ومنهارًا (وظيفيا) بمعنى أنها تمتلك بنية تحتية لجهاز الخدمة الصحية موزع على جميع أنحاء القطر ويصل إلى جميع القرى وكل المراكز مما سيمنع مثلا موت سيدة أثناء الولادة أو موت مواطن بسبب زائدة دودية منفجرة أو انسداد في الأمعاء نظرا لأن أبعد حجرة عمليات بها طبيب تخدير وأخصائي (موجودة) في المركز وقريبة بدرجة كافية من المريض وهو نموذج لم يكن شائعا في العالم الثالث.
دعوى المسئولية الطبية وأركانها
القضايا عموما تقع تحت عنوانين رئيسيين هما القانون الجنائي والقانون المدني. في القانون الجنائي يحاسب الشخص علي ارتكابه جريمة ضد المجتمع مثل القتل أو السرقة ويكون العقاب بالسجن أو الغرامة المالية أوكليهما معا. في القانون المدني لا يوجد جريمة ضد المجتمع ولكنها تعامل بين شخصين أحدهما يسمي المدعي (وهو الشخص المضرور) والمدعي عليه (وهو الشخص المتهم) وتكون العقوبة في القضايا المدنية كلها مادية علي شكل تعويضات مادية.
في معظم دول العالم تعامل قضايا المسئولية الطبية طبقا للقانون المدني الذي يقضي بالتعويضات المالية ولا يعاقب بالحبس , ولكن في القليل من دول العالم (من بينها مصر) يعاقب الطبيب وفق القانون الجنائي وبالتالي تكون عقوبة الطبيب السجن أو الغرامة المالية أو كليهما معا.
هناك حق للمتضرر من أي نشاط طبي في رفع دعوى ضد المتسبب في إحداث ضرره. حق رفع الدعوى يقتصر علي الشخص المتضرر أو ورثته. القانون يعطي المتضرر الحق في رفع دعواه مدنيا أو جنائيا. تنص المادة 163 من القانون المدني علي أن ((كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض)) ، وتنص المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية علي أن ((لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيا بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها الدعوى)).
الدعوى الجنائية
الدعوى الجنائية تتحرك أمام القضاء الجنائي بناء علي طلب جهات متعددة أهمها النيابة العامة بوصفها سلطة الاتهام ، وكذلك بناء علي الإدعاء مدنيا من المضرور أمام المحكمة الجنائية في نطاق معين وبشروط متعددة. رفع الدعوى أمام المحكمة الجنائية يتيح للمضرور رفع دعواه من جديد أمام المحكمة المدنية إذا ترك الطريق الجنائي ، سواء كان قد رفع دعواه الأولي أمام المحكمة الجنائية بطريق الإدعاء المباشر أم بطريق الإدعاء المدني بالتبعية للدعوى العمومية المرفوعة من النيابة أو من إحدى الجهات التي تملك تحريك الدعوى.
تسقط الدعوى الجنائية بالتقادم بمرور عشر سنوات. إذا انقضت الدعوى الجنائية بأي سبب مثل انقضاء المدة (أي مرور عشر سنوات) أو وفاة المتهم فلا يكون للمضرور من سبيل سوي اللجوء للقضاء المدني.
مسئولية الطبيب الجنائية عن وفاة المريض
تنص المادة 238 من قانون العقوبات المصري علي ((من تسبب خطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد علي خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالا جسيما بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطيا مسكرا أو مخدرا عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد علي سبع سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة كانت العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد علي عشر سنين)).
تتكون جريمة القتل الخطأ أثناء ممارسة الطبيب لمهنته من الركن المادي (يشمل الخطأ والضرر وعلاقة السببية) والركن المعنوي (يشمل صورة أو أكثر من صور الخطأ مثل الإهمال أو الرعونة أو عدم الاحتراز أو مخالفة اللوائح).
الدعوى المدنية
اختيار المضرور لرفع دعواه أمام المحكمة المدنية لا يتيح له أن يترك دعواه المدنية ويقيم الدعوى الجنائية بنفسه أمام المحكمة الجنائية لأنه لجأ لرفع دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية مما يعني تنازله عن المحكمة الجنائية. لكن يحق له فقط ترك الدعوى المدنية واللجوء للدعوى الجنائية إذا رفعت النيابة العامة الدعوى الجنائية فيما بعد وذلك طبقا للمادة 264 من قانون الإجراءات التي تنص علي أنه ((إذا رفع من ناله ضرر من الجريمة دعواه بطلب التعويض إلي المحكمة المدنية ثم رفعت الدعوى الجنائية جاز له إذا ترك دعواه أمام المحكمة المدنية أن يرفعها إلي المحكمة الجنائية مع الدعوى الجنائية)). في تلك الحالة له الحق في المطالبة بالتعويض المدني في المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية وذلك طبقا للمادة 265 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص علي ((لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيا بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية)). أي إن الدعوى المدنية لا تقبل أمام القضاء الجنائي بدون الدعوى الجنائية. أما بخصوص سقوط الدعوى المدنية بالتقادم فإن المادة 172 من القانون المدني تنص علي أنه ((تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه وتسقط هذه الدعوى في كل حال بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع)).
المريض المضرور يستطيع مطالبة الطبيب المخطئ بتعويض عن ثلاثة أنواع من الأضرار:ـ
(1) الضرر الجسدي. (2) ضرر الآلام النفسية المصاحبة للإصابة.
(3) الضرر المادي نتيجة الخسارة أو فوات كسب.
التعويض المادي
إذا استطاع المريض أن يثبت أنه يعاني من ضرر ناتج عن خطأ الطبيب فإنه يستحق تعويض مادي. الهدف من التعويض المادي هو مساعدة المريض لاستعادة حالته قبل الخطأ الطبي , بمعني محاولة تعويضه عن فقده العائد المادي الذي قد يكون فقده بسبب الإعاقة التي ألمت به نتيجة خطأ الطبيب. في حالة وفاة المريض فإن أهل المريض يستحقون هذا التعويض لتعويضهم عن فقدانهم للعائل. الأضرار يمكن أن تكون:ـ
(1) الأضرار العامة مثل الألم والمعاناة من التشوه وفقدان التمتع الطبيعي بالحياة.
(2) الأضرار الخاصة مثل زيادة الأنفاق الطبي نتيجة تعدد التداخل الجراحي وزيادة فترة بقائه في المستشفي لإصلاح الخطأ ، وتكلفة إعادة التأهيل وفقد الدخل الحالي والمستقبلي ، وهذه تشمل أيضا مصاريف الجنازة للمتوفى.
(3) أضرار عقوبية أو تأديبية مثل الحكم بالتعويض نتيجة الضرر المتعمد من الطبيب أو الإهمال الجسيم أو الخداع وذلك لمعاقبة الطبيب المخطئ.
كذلك يمكن تقسيم الأضرار إلي:ـ
(1) ضرر مباشر (اقتصادي) مثل فقد الدخل , والأنفاق الطبي , وعلاج المضاعفات والتأهيل.
(2) ضرر غير مباشر (غير اقتصادي) يشمل الألم ، والاكتئاب العاطفي ، وفقدان التنعم بالحياة الزوجية.
عادة يُحسب القسم الأكبر من المال في حساب ما خسره المريض بعد الحادث فإذا أصيب عازف بيانو محترف بعجز في يده بسبب خطأ جراحي بحيث لا يستطيع متابعة عمله , يحسب له خسارة رواتبه حتى سن التقاعد مع تعديل الراتب حسب التضخم المحتمل ، وهكذا يتلقى مزارع عمره 60 عاما ً تعويضا أقل مما يتلقاه عازف بيانو في فرقة موسيقية مشهورة عمره 25 سنة بسبب الفارق في الكسب المادي المستقبلي المتوقع.
يمكن أن تحسب الأضرار الأخرى علي أساس الحاجة إلي التمريض والعناية الخاصة فـي المستقبل , فطفل أو شاب مصابان بأذيـــة دماغيـــه يمكن أن يحتاجا 24 ساعة عناية في اليوم بقية حياتهما , وهذا هو سبب التعويض العالي الذي يكسبه ضحايا الأخطاء الطبية من الرضع والأطفال.
أركان المسئولية الطبية
(1) حدوث خطأ من الطبيب المعالج. (2) حدوث ضرر بالمريض.
(3) وجود رابطة سببية بين خطأ الطبيب وضرر المريض بمعني أن يكون الضرر الواقع علي المريض كان نتيجة خطأ الطبيب.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)