shopify site analytics
الدكتور الروحاني يكتب: (الكوتشينا).. على الطريقة الايرانية..!! - منتسبو مؤسسة الثورة للصحافة بصنعاء يناشدون السيد القائد التدخل العاجل - في أحسن فريق *الدراجة الهوائية*..ليست مجرد (لعبة و رياضة) - كتائب القسام أبو عبيدة يتوج بطلاً لدوري طوفان الأقصى - صوت الشباب - ماذا قال خامنئي للعمال خلال "أسبوع العمال"؟ (بمناسبة عيد العمال العالمي) - الشعب العراقي يطالب بطرد سفيرة الشذوذ والبغاء الأمريكية من العراق - هلع كبير على متن رحلة إسرائيلية من دبي إلى تل أبيب - وطن على عجل في سطور - القدوة يكتب: توفير الخدمات الأساسية وحماية للشعب الفلسطيني -
ابحث عن:



الثلاثاء, 29-ديسمبر-2015
صنعاء نيوز - مروان الغفوري صنعاء نيوز/مروان الغفوري -
دروس مبسطة إلى المشائخ والفقهاء.


لم يأت محمد النبي ليوقف عبادة الأصنام، بل ليضع حداً للعبودية. كان واضحاً، كما يقول النص القرآني، أنه يرى إلى العالم بوصفه مكاناً للدراما/ الصراع لا اليوتوبيا. لم يبشر بانتهاء التاريخ أو بجنة على الأرض، بل بصراع لا ينتهي "وقُلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو". بقي موقف القرآن واضحاً، وحاسماً، وهو يقول: عليكم أن تحاولوا، فقط حاولوا، لا تتجاوزوا المحاولة الفلسفية الجدلية إلى الإجبار أو العنف. العنف مسألة، كما أكد القرآن أكثر من مرة، لا علاقة لها بفلسفة الاسلام. لم يكف القرآن عن ذكر كلمة "الرحمة" في كل صفحة تقريباً.

وقف الاسلام ضد العنف والقتل بكل شراسة وبسالة. بين أصحابه، وهو يحدثهم عن الفوضى التي تبرُز عندما تتحلل الدولة أو يتفكك المجتمع، أخبرهم بجلاء "فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل، فافعل" كما أورد ابن حنبل في مسنده.

تبرز الفوضى على أنقاض انهيار الدول. في الفوضى تتكاثر الجهات والجماعات ويصير من المُحال امتلاك الحق أو الحقيقية. فلدى كل جهة نصيب من منهما، أو لا شيء. في الفترات الزمنية الحرجة، تلك، يقول الاسلام شيئاً جلياً: إذا لم تستطع بكلماتك أن توقف الفوضى، بكلماتك وحسب، فانجُ: "يوشكُ أن يكون خير مال ابن آدم غنم يتبع به شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتنة" كما عند البخاري.

تحدث النبي محمد كثيراً إلى أصحابه عن الدولة والنظام، عن الصرامة والاستبسال من أجل الحفاظ على المجتمع الهارموني المتماسك والمتعدد. ما إن وضع قدميه في المدينة حتى كتب وثيقة، ما يشبه الإعلان الدستوري، قال فيها: اليهود أمة، النصارى أمة. معطياً الديانتين حق المواطنة الكاملة، محرراً إياهما من الخوف والقلق. بحسب الوثيقة تلك صار على النصارى أن يشتركوا في الدفاع عن المدينة، أي أن يصيروا ضباطاً في الجيش. لكن، أيضاً، من حقهم أن يرفضوا خوض حرب بعيدة ضد عدو ينتمي إلى ملتهم "لا يحشرون ولا يعشرون".

في السردية المحمدية تكاثرت الإشارات إلى صعود الأمم واندثارها، إلى أزمنة الانهيارات الكُبرى وتفسخ المجتمعات بالمعنى التنظيمي والإداري، أي انهيار مشروع الدولة. كان موقف الرسول محمد صارماً: لا تكن عبد الله القاتل، كن المقتول. وهي الفكرة الجوهرية التي تدور حولها الديانات والفلسفات: الخلاص من الألم والخوف، والامتلاء بالطيبة. تلك هي الديانات الطيبة، كما تسمي البوذية نفسها. فالدارما، عند البوذية، لا تشمت من أي دين، ولا تُدين العقائد. إنها، منذ ٢٥٠٠ عام، تحاول البحث عن طريق للخلاص من الألم، لاكتشاف الهدوء الداخلي العميق الكامن في الإنسان. ذلك ما دفع نيتشه إلى القول، كما في "عدو المسيح"، إلى أن البوذية أرفع مائة مرة من المسيحية. فالمسيحية، يقول نيتشه، ترى الكائن مذنباً عليه أن يتخلص من خطيئته، بينما تحاول البوذية تحريره من ألمه. على أن نيتشه كان بمقدوره العثور على ما يشبه الدارما في صُلب التعاليم المسيحية.

في العام ١٦٠٢ كتب الفيلسوف الإيطالي كامبينيللا عمله الأشهر "مدينة الشمس". تلك المدينة التي لا توجد فيها بطالة، ولا حرب، ولا جوع. محاطة بعدد من الجدران المتينة، تمتلئ الجدران بالتلوينات الفنية، يعيش مواطنوها في سكينة دائمة ولا يعملون في اليوم سوى أربع ساعات. بينما يعمل ٢٤ خبيراً فلكياً على بُرج عند باب المدينة يربطونها على الدوام بالفُلك والسماء، بالله والكواكب. ربما كانت مدينة الشمس، لكامبينيللا، هي ذاتها مدينة الفضيلة الخالصة عند ديستويفيسكي في قصته الطويلة "حلم رجل مضحك". غير أن ديستويفيسكي لم يترك حلم الرجل المضحك مظفراً، فقد سافر بطله من الأرض إلى واحد من الكواكب، حيث تلك المدينة، وعلم أهلها الكذب. وكان الكذب لوحده كافياً لخراب المدينة كلها، وتحويلها إلى بؤرة صراع لا ينتهي.

المحاولات الأوروبية للبحث عن اليوتوبيا اصطدمت على مر الأيام بالحقيقة الجلية "بعضكم لبعض عدو".

في العام ١٦٠٥، بعد ثلاث سنوات من نشر "مدينة الشمس"، أنجز سيرفانتس عمله الأيقوني الخالد "دون كيشوت". لا مزيد من اليوتوبيا، فالإنسان ليس سوى قرد عارٍ يقف في مواجهة طواحين الكوكب، وأخطاره وعليه أن يواجه كل تلك المخاطر وحيداً، مستنداً إلى قواه. نشأت الرواية الأوروبية من معطف سيرفانتس، ونسج الروائيون الأوروبيون أعمالهم على منواله "الصراع". كان الإنسان، في رواية القرون الثلاثة، السادس عشر إلى الثامن عشر، يقف في مواجهة قوى كونية، قوى خارقة، تكسره في الأخير أو ينتصر عليها بدرجة ما. إلى أن جاء فلوبير، الفرنسي، ونقل الصراع/ الدراما إلى الداخل، إلى البيوت والشوارع والمصانع، إلى غرف النوم ومخازن الطعام.

الحياة، كما تقول الأديان والفنون، دراما، صراع. بحث الفن، كما الأديان، عن أفضل السبل لجعل الصراع أقل خطراً، أو لاحتوائه. النبي محمد كان صارماً، وجلياً. ليس ذلك وحسب، بل أفسح من وقته مساحة كبيرة للحديث، بطريقته الروائية البديعة التي ستسمى فيها بعد "جوامع الكلم"، عن الصراع لحظة انهيار الأمم والدول، الفوضى التي بلا ملامح، عن الساعات التي "يخاف فيها المتكلم ويغضب فيها السامع" بتعبير ابن عباس. أخبر القرآن "عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم". حيز الصراع في الدرس القرآني والمحمدي كان واسعاً، وإنه من اللافت تأكيد النبي محمد على موقفه الدائم: كن عبد الله المقتول لا عبد الله القاتل.

من المثير أن فكرة الصراع المركزية في الأديان، الاسلام مثالاً، ارتبطت أيضاً بفكرة المخلص. أي بيوتوبيا كامبينيلا. المخلص في الديانات هو أيضاً مُحارب سيصل إلى السلام الإلهي الأخير عبر طريق الحرب. إنها فكرة أبوكاليبسية محضة تنشأ، في الأساس، كاستجابة لسؤال حذيفة بن اليمان التاريخي "كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنتُ أسأله عن الشر مخافة أن يدركني".

الصراع، إذن، حتمي، هكذا أكد الرسول محمد. وحتميته مرتبطة أيضاً بكونه أزلياً. وهو، أي الصراع، ذو طبيعة وظيفية "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض". فجنة السلفية المحضة، جنة النساء والعسل والثياب البيضاء، لا تخلق أرضاً ثابتة، وليست سوى حلم رجل مضحك. ذلك ما جعل بلداً كالسعودية مهدداً بالتفكك لمجرد انهيار أسعار النفط. لقد بحث ذلك البلد السلفي الكبير عن جنته الموعودة على كتفي النفط، واسترخى عشرات السنين، ونسيَ أن يعمل. الحياة متتالية بنيوية من الصراع، ذلك الذي قد يقوض كل شيء أو يبني كل شيء.

لا علاقة للاسلام بالحروب، وليس الرسول محارباً. ثمة دراسة تاريخية أحصت عدد قتلى معارك النبي بـ ٢٨٢ قتيلا من الطرفين خلال حوالي ربع قرن من الزمن. وليست مصادفة أن لا يعثر دارسو التاريخ على حالة واحدة غرز فيها النبي سيفه في جسد رجل آخر. على خلاف أبطال الملاحم الكبيرة، من إلياذة هوميروس إلى الملاحم الأفريقية، بقي البطل الإسلامي الرفيع "محمد" يحمل سيفاً لا يسيل منه الدم. لم يترك سيفه قط، ولا فرسه. لم يفر من معركة، لكنه أيضاً، وخلال ربع قرن، لم يقتل أحداً. كان، ويا للمفارقة، البطل الذي لم يخسر معركة، ولم يقتل أحداً.
جاء بنظرية حول العدالة والحرية. من الطبيعي، وفقاً لميكانيزم الصراع الطبقي، أن تقف الطبقات العليا ضد دعوته، تلك الدعوة السلسة ذات الجاذبية. فهي دعوة تعمل على تفريغ مخازن العبيد، وتسعى إلى إعادة توزيع الثروة. إنها منيفيستو جديد يدعو إلى "الناس شركاء في ثلاثة، الماء والكلأ والنار". حتى هذا المنيفيستو التاريخي جرى تحويله إلى "المسلمون شركاء" عوضاً عن "الناس شركاء".

وهو يمشي بين الناس يبشر، ببسالة وطيبة، بنظريته كانت سمعته تتجاوز الأحياء الضيقة في مكة القديمة وتصل الحضر البعيد والبادية البعيدة. الدعوة الطيبة، نظرية العدالة والحرية الجديدة، صنعت له انتصارات في أراضٍ لم يرها من قبل، ولم يرها قط. كانت جاذبية دعوته هي نصره الذي قال عنه "نصرت من مسيرة شهر". المتجهمون الذين جاؤوا من بعده أضافوا كلمة "الرعب" إلى الحديث: "نصرت بالرعب من مسيرة شهر". إنها جاذبية دعوته وما تخلقه من حلم، نقول نحن. لكنهم يقولون: بل رعب دعوته. وتلك طريقان، ولا شك أن محمداً كان في واحد منهما فقط، ولم يكن فيهما معاً.
كانت جاذبية دعوته، الإغراء المحمدي الكبير أو الحلم المحمدي أو الأرض المحمدية، هي التي تفتح له الأراضي وتدفع السكان إلى الخروج إلى الصعدات في انتظاره أو انتظار رسله.

ذلك الإغراء المحمدي هو الذي دفع الملوك إلى قتل رسله. فدعوة تمتلك كل تلك الجاذبية من الأفضل، بالنسبة للأنظمة الشمولية، أن لا تفتح لها الأبواب.

اعتمد محمد النبي كلياً على الإغراء الذي تنطوي عليه نظريته، فلم يكن بحاجة للعنف ولا الحروب. حتى عندما اكتشف جاسوساً بين جيشه وطرحت عليه فكرة قتله، همس في مستشاريه "ماذا لو تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه". إنه يعي جيداً مسألة الصراع، ويفهم ما معنى أن تحتفظ نظريته بتوهجها وجاذبيتها وإغرائها. بصرف النظر عن الخطيئة التي يرتكبها الفرد، أو الجُرم، فقد طور الرسول قوانين عملياتية يومية تفضي إلى احتواء الخطايا لمصلحة أن يستمر تدفق الرسالة حيوياً، ونضِراً.

كان معنياً بالناس، بكل الناس، بالذين ينتظرون زلاته أو الذين يترددون في تصديقه. خرج على أصحابه ناقلاً عتاباً تلقاه للتو "فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديثِ، أسفا". باخعٌ، هُنا، تعني منتهى التلف والإهلاك للروح، أي ذلك الحزن العميق الذي يقوض السلام الداخلي. وتلك حالة تنتاب الأم، أو الأب، أو الشاعر، لا الملوك ولا المحاربين. وهي، ربما، ما كان يقصده أدونيس بحديثه عن "إله الملك وإله الشاعر". تلك كانت الحالة التي تجتاح محمداً وهو يرى أناساً لا يصدقون حديثه. فقد بلغ به الكمد مبلغه وهو يفرغ من تلاوة سورة يوسف لأناس قالوا له بعد فراغه إنهم لا يصدقون ما سمعوه. جاء في "زاد الميسر" أن الله أخبره "وما أكثر الناس ولو حرصت بؤمنين". ثم طلب منه أن يتركهم في سبيله
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)