shopify site analytics
بعد أنباء عن خروج السنوار من الأنفاق.. عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل نتنياهو - " بالأدلة".. فوائد ممارسة العادة السرية للرجال! - سيف المنشطات مسلط على عنق الصين - جامعة الدول العربية تتدخل في تشكيل الحكومة في ليبيا - شحنات المبيدات كحرب إبادة لليمنيين وكقضية وطنية ؟! - الإفراط في استخدام المبيدات وسوء استخدامها في ورشة عمل بذمار - 200 يوم من العدوان : حرب الإبادة الإسرائيلية تتواصل - المملكة المغربية..أفول مغرب القرن التاسع عشر وبزوغ فجر عهد جديد!! - الأردن قلعة شامخة في الدفاع عن الأمة وفلسطين؛ ودوره لا يقبل المزايدة - كان طريق تحرير فلسطين مرورا بكربلاء شعارا -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - حوار مع شاعر اليمن الدكتور المقالح- تداعيات اللحظة المرعبة: لولا بقية أمل، لأرَحتُ الأقلام والأوراق

الخميس, 07-أبريل-2016
صنعاء نيوز -

حوار مع شاعر اليمن الدكتور المقالح- تداعيات اللحظة المرعبة: لولا بقية أمل، لأرَحتُ الأقلام والأوراق



الواقع المرير والفاجع محليا وعربيا يفرض نوع الخطاب الإبداعي وصيغته.
لا مناص للمبدع من الاصغاء إلى صوت الواقع والانغمار في تفاصيله الجارحة.
من عيوبي البارزة أنني شديد الاهتمام باللحظة الراهنة وبما أحاول انجازه الآن.
نثرت سيرة حياتي في قصائدي الذاتية وفي أعمالي الشعرية.
حياتي لم يكن فيها سوى القليل من الفرح الذي يستحق استعادته مكتوبا.
ما لم أنجزه من مشاريع إبداعية ونقدية هو الأهم وهو ما يلهب طموحاتي.
في حواره الأخير الذي نشرته مجلة عبقر وتعيد وكالة خبر نشره في تعميم الفائدة واتساع الأثر المعرفي المرجى نفعه يقول شاعر اليمن الكبير الأستاذ الدكتور / عبد العزيز المقالح " وجدت نفسي أكتب قصائد بالغة الحزن يمكن اعتبارها مراثي للأحلام الضائعة".

ويضيف قائلا " الصراع اليوم لا يقوم على أساس الفكر والثقافة وإن البندقية والرشاش والمدفع والصاروخ هي أسلحة المتصارعين ولا مكان للقلم والورقة وفي وقت قريب تستفيق العقول المتصارعة من غفلتها وتدرك أن الدم أغلى من كل السياسات ومن كرسي الحكم كذلك "

إلى نص الحوار الذي أجراه الشاعر والصحفي اليمني الشاب زين العابدين الضبيبي

إنه الشاعر الكبير الدكتور. عبد العزيز المقالح, كتاب الإنسانية الشامل والشاعر الذي تعايش مع الجمال ولم يؤمن بسواه. كتب للحب للحياة لصنعاء للأصدقاء للام للوطن للثورة وما يزال يكتب ويعطي ويمثل بحضوره و ما قدمه من انجاز إبداعي فذ بوابة ثقافية لليمن وعلما يستدل عليها من خلاله,كان لمجلة عبقر معه هذا الحوار حول كتابه الجديد كتاب الحب وعدد من القضايا المختلفة والمتصلة بالمرحلة التي نعيشها.

لتكن البداية من "كتاب الحب" وهو الديوان الأخير –أو الأول- كما وصفه أحد النقاد حيث قال إنه الديوان الذي انبثقت منه كل الدواوين السابقة، كيف تنظر إلى ذلك؟ ولماذا كتاب الحب في هذه المرحلة بالذات؟

د. المقالح: الحب، آه ، إنه الحياة، أو بالأصح أجمل ما فيها. وكتابي هو عن هذا الأجمل، كما هو رحيلٌ واقعي وتخييلي في دنياه. وفي المقدمة القصيرة التي قدمت بها كتاب الحب إشارة كافية للرد على السؤالين معاً، فقد تأخر نشر قصائده لأكثر من أربعة عقود، ومعنى ذلك أنها تتقدم تاريخياً ما نشر بعدها من قصائد ودواوين. أما لماذا كتاب الحب الآن، فأزعم أن هذا هو الوقت المناسب جداً للحديث عن الحب في زمن الحروب والقتل ودويّ أصوات المدافع وأزيز الرصاص، وعندما تجد أن الأشقاء وأبناء الأرض الواحدة والدين الواحد يقتلون بعضهم بعضاً بمنتهى القسوة والشراسة فلا بد لك أن ترفع راية الحب لعلها تحرك ما تبقى في الوجدان الميت من خلايا العاطفة النبيلة. ولا أرى أعذب من حديث الحب بمعناه الخاص وبمعناه الكبير، ولن يكفكف من غلواء السيوف المغطاة بالدم سوى كلمة الحب. وأتذكر في هذه اللحظة قول عنترة عندما تراءى له وجه عبلة وهو يخوض غمار حرب طاحنة فود تقبيل السيوف في إشارة لا واعية إلى إدانة الحرب، والحنين إلى الحبيب.

- تصريح من الدكتور عبدالعزيز المقالح

اسمح لي أن أكون مشاكساً في هذا السؤال وهو عن الحب كذلك. تخاطب قصائدك الشعرية قلبَ المحب وروحهُ وعقله بينما يغيب الجسد، ما مردُ ذلك برأيك؟

د. المقالح: هذا السؤال يجعلني أتهمك بأنك لم تقرأ "كتاب الحب"، وربما تكون قرأت بعض قصائده فقط. علماً بأن هناك قصائد أخجل من بعضها لما توغلت فيه من احتفاء بالجسد.

ومن ذلك قصيدة بعنوان "جسد" وقد تُرجمت إلى اللغة الإنجليزية ونُشرت الترجمة في مجلة (بانيبال) التي تصدر في لندن،
ومنها:
جسدٌ مشتعلٌ
مبتلٌ بالنعمةْ
يتماهى فيه الأبيض بالأحمر،
رجراجٌ،
تضحك فيه النشوةُ
والفتنة
ينهض في زهوٍ، فتزيغ عقولٌ،
يمشي، ترتعش الشهقات ، وتورق
إذ يترنح في خيلاء الأفراس.

وفي الحقيقة إنني منذ بداية كتابة الشعر لم أكن أؤمن بما يقال عن ثنائية الروح والجسد، كما لم يكن يهمني مدح الجسد. كنت شغوفاً بالروح، روح الشعب وروح الإنسان وروح الحبيب، وروح الأشياء. الجسد متغير وعرضه للتلف، وهو في كل الحالات جديرٌ بالبكاء والرثاء.

مثلت أعمالك مرجعية معرفية وثقافية في اليمن وخارجها، إلى أي مدى يصل بك الرضا عن هذه الأعمال، أو عن بعضها، ومتى شعرت بعكس ذلك؟

د. المقالح: لا أستطيع الرد على سؤالك هذا بـ نعم أو بـ لا. فليس لدي من الغرور ما يجعلني أعتقد أن كتاباتي الإبداعية والنقدية قد صارت في مكان المرجعية المعرفية والثقافية. كما لا أريد أن أقلل من شأن ما أنجزت على هذين الصعيدين، وفي الوقت ذاته لا أريد أن أكرر ما يقوله كثير من الشعراء من أنهم يتركون أعمالهم للنقاد ليقولوا عنها ما يرونه هم لا ما يراه الكاتب والمبدع، ويتركونها أيضاً للزمن ليشهد بها لهم أو عليهم ولكنني آمل أن أكون قد قدمت ما يرفد تيار المعرفة ولو بالقدر المتواضع الذي استطعت عليه.

لا أدعي أنني صاحب مشروع بل صاحب قضية، تسعى بي وأسعى معها
لا أدعي أنني صاحب مشروع بل صاحب قضية، تسعى بي وأسعى معها
ألا يفكر الدكتور المقالح بكتابة سيرته الذاتية كونه واحداً من الذين ساهموا في صناعة أبرز التحولات الثقافية والفكرية، وواحداً ممن عاصروا أهم الثورات والتحولات السياسية التي مر بها اليمن، والوطن العربي؟

د. المقالح: سؤال سبق أن تلقيته من أكثر من صديق، وفي أكثر من مقابلة. وكان ردي بإيجاز يشير إلى أنني ربما أكون قد نثرت سيرة حياتي في قصائدي الذاتية، وفي أعمالي الشعرية، وخاصة منها تلك التي تحمل اسم "كتاب"، مثل: كتاب صنعاء، كتاب القرية، كتاب الأصدقاء، كتاب المدن... إلخ، فكلها تستمد موضوعاتها المباشرة وغير المباشرة من السيرة الذاتية، وتعكس بصفة سردية تلاحم الذات مع واقعها بما تجسده الخلفية الاجتماعية والثقافية وما يحدث من تداخل الواقع مع الطبيعة بتضاريسها من سهول، وجبال، ووديان، ومدن، وقرى، وبشر. وهذا لا يعني التنصل أو الاستغناء عن كتابة سيرة ذاتية نثرية تكون أقدر على التقاط الجزئيات. إلاّ أن عملاً مثل هذا يتطلب الاعتكاف وتجنب الغرق في الأمور اليومية. ومنذ وقت بعيد وأنا أحن إلى أسابيع أو شهور من العزلة أقوم خلالها بإنجاز أشياء تطاردني إضافة إلى هذا الطلب الملحّ استجابة لدواعٍ ذاتية قبل أن يكون استجابة لفضول الأصدقاء الذين تدفعهم محبتهم لمعرفة المزيد من خفايا الحياة التي لم يكن فيها سوى القليل من الفرح الذي يستحق استعادته مكتوباً.

باعتبارك رائداً وصاحب مشروع ثقافي أسهم في الدفع بعجلة المشهد الثقافي من خلال الجهد الفردي والمؤسسي، ما هي الرؤية التي يقوم عليها مشروعك الثقافي، وما الذي يفرضه عليك؟ وما الذي تمثله جائزة المقالح للمبدعين الشباب في سياق هذا المشروع؟

د. المقالح: لا أدعي أنني صاحب مشروع بل صاحب قضية، تسعى بي وأسعى معها إلى الخروج بالإبداع الأدبي في بلادنا من جموده ومحليته، وإلى الدفع بالمبدعين، الشباب والشابات منهم خاصة، إلى التعرف على أنفسهم أولاً وعلى الإمكانات الدفينة في أعماق هذه النفوس الفتيّة، والإصغاء إلى الطبيعة وتجنب التقليد والمحاكاة وتمثل فعل الإبداع شعراً كان أو قصة أو رواية. لقد كنا حتى قيام الثورة اليمنية (سبتمبر/ أكتوبر) خارج حقول الإبداع الحديث، وفي منأى عن كل ما يبدعه الزمن الجديد في العالم، وباستثناء بعض الأصوات الجادة التي قاومت جاذبية التخلف فقد كانت البلاد مقبرة للإنسان وللإبداع. وهذا ما دفع بي منذ كنت طالباً في جامعة القاهرة وفي فترتيْ إعدادي لرسالتي الماجستير والدكتوراه إلى أن أركز جهودي كلها للكتابة عن الإبداع والمبدعين اليمنيين، وعن البدايات المضيئة بخاصة. ومن يراجع هذه الجهود يدرك كم كنت مخلصاً لهذه القضية، حريصاً على أن يشمل اهتمامي كل المبدعين دون تحيز أو انتقاء. وما يزال هذا هو هدفي المتجدد والوحيد، ومن أجله وطدت نفسي على العمل في جميع الاتجاهات، التدريس، الندوات، الكتب، الدوريات، والمقدمات.

وماذا عن الجائزة؟

د. المقالح: لعلك أدركت أنني تجاوزت الإجابة على هذا الشق من السؤال لأسباب ذاتية كون الجائزة رمزية تهدف إلى تشجيع المبدعين الشبان ومردودها المادي متواضع، وعندي أمل أن تتطور الجائزة ويزداد المردود المالي في المستقبل، وأن يكون للمبدعين الشبان ممثلون في هيئتها الإدارية. وأصدقك القول أنني في حياتي ما تمنيت أن أكون غنياً إلاّ عندما أدركت حالة البؤس التي يعاني منها المبدعون ليس في بلادنا وحدها، وإنما في سائر الأقطار العربية باستثناءات لا تكاد تذكر.
قال حجازي ان المقالح أهم شعراء جيل الحداثة التى بدأت فى ستينيات القرن الماضى
قال حجازي ان المقالح أهم شعراء جيل الحداثة التى بدأت فى ستينيات القرن الماضى
يرى بعضهم أن المعلم الحقيقي هو الذي ينير عقل التلميذ ويمنحه حافزاً للتحليق، وهذا ما تفعله أنت من خلال مقدماتك لأعمال المبدعين الشباب، بينما يرى آخرون في ذلك مأخذاً عليك لغلبة روح التشجيع والرعاية على التقويم المفترض، ماذا تقول في ذلك؟ وما الذي تنتظره من المبدعين الشباب؟

د. المقالح: النقد الحقيقي من وجهة نظري، ومن وجهة نظر النقد الصحيح، هو ريادة في اكتشاف المواهب ومساعدتها على الانفلات من واقع التجاهل والإهمال. وربما أكون قد اخترت هذا المنهج القائم على المحبة من خلال تجربتي القاسية مع عدد من الذين قرأوا محاولاتي الأولى، وكان نقدهم قاسياً ومغرضاً، وأغلبهم شعراء وممن يرون في كل مبدع ناشئ منافساً سيشكل وجوده انتقاصاً من مكانتهم، وأريد أن أسأل: ماذا تستطيع أن تقول لشاب موهوب يأتي إليك وبين يديه باقة من محاولاته الأولى المكتملة الملامح والنابضة بروح الإبداع، هل تصدمه وتدخل معه في حوار جدلي نقدي يخدش رؤيته التلقائية إلى الإبداع ويجعله يخاف من النقد أم تستقبله بحفاوة وحنان؟ وأتذكر بحزن شديد عدداً من الشعراء الموهوبين الذين هجروا كتابة الشعر بعد أن تعرضت محاولاتهم الواعدة لهجوم قاسٍ من أشباه النقاد. كما أود أن أقول إنني بالإضافة إلى المقدمات التي كتبتها لدواوين عدد من الشعراء الكبار فإنني لم أكتب مقدمة إلاّ لكل من لمست أنه يمتلك موهبة حقيقية ويكتب قصائده بلغة سليمة. وكم أنا سعيد بأن بعضاً ممن احتفيت بهم قد صاروا نجوماً لامعة في سماء هذه البلاد وفي سماوات الوطن العربي.

لا يخفى متابعتك الشديدة للرواية قراءةً لها، وكتابةً عنها، هل تعتقد أن الرواية العربية قادرة على تسجيل حضورها عالمياً إذا افترضنا أنها قادرة على الخروج؟ وما الذي ينقصها، أو يميزها، في ظل الطفرة الروائية الحالية؟

د. المقالح: من المؤكد أن الرواية العربية في الفترة الأخيرة بخاصة، قد نجحت في تجاوز واقعها المحلي وأخذت طريقها العالمي نحو الشرق والغرب، من خلال أعمال روائية ذات قيمة استثنائية كما أثبتت أكذوبة ما كان يقال عن الذهنية الرعوية التي لا تنتج إبداعاً روائياً مدنياً وأن هذا المستوى من الإبداع السردي خاص بالشعوب المتقدمة، كون الرواية نصاً مدنياً على حد تعبير أحدهم. صحيح أن الانفتاح على الحداثة والمعاصرة يثري وعي الروائي العربي ويفتح أمامه آفاقاً واسعة في رشاقة الأسلوب وإلتقاط التقنية الفنية إلاّ أن أعمالاً سردية عربية شهيرة كألف ليلة وليلة، مثلاً كانت المثال الذي انطلقت منه وبه حداثة الرواية الأوروبية. وما يبعث على التفاؤل أن أعمالاً روائية تتمتع بتقنية سردية فائقة قد ظهرت في بلادنا، ووصلت بهذا الفن حد الإدهاش.

في الوقت الذي يتصدر فيه الديني، يتراجع فيه دور الثقافي والمثقف في صناعة التحولات السياسية والفكرية وغيرها. وهذا ما يشهده أو يعانيه وطننا العربي. كيف تشخص ذلك؟ وما الدور الذي ينبغي أن يلعبه المثقف العربي في الوقت الراهن؟

د. المقالح: الحق يقال إن الذي يتصدر المشهد الآن، هو السياسي سواء في صيغته الدينية المباشرة أو في صيغته المدنية غير المباشرة. والصراع الدائر بين الطرفين المتنازعين صراع سياسي لا علاقة له لا بالديني ولا بالمدني، وهو ما يجعل المثقف الحر يقف في أغلب الأحيان موقف المتفرج، وقد يدفعه خوفه وربما يأسه إلى اختيار التقاعد المبكر لاسيما حين يدرك بوضوح أن الصراع لا يقوم على أساس من الفكر والثقافة. وأن البندقية والرشاش والمدفع والصاروخ هي أسلحة المتصارعين، ولا مكان للقلم أو الورقة، وهي مرحلة أظنها عابرة، وفي وقت قريب تستفيق العقول المتصارعة من غفلتها وتدرك أن الدم أغلى من كل السياسات ومن كرسي الحكم. فضلاً عن أن الشعوب كانت وما تزال تبحث عن قادة يوفرون لها الأمن والرغيف لا من يضاعفون من معاناتها ويضعونها في مهب الريح، حيث لا تكاد تخرج من مأساة إلا لكي تقع في أسوأ منها.



المتابع لمواقف المثقفين العرب ورؤيتهم لمفهوم الحرية والثورة يجد تناقضاً كبيراً بين ما تبنوه من آراء في السابق، ومواقفهم من الفعل الثوري مؤخراً. ما الأثر الذي ترتب على ذلك ومن المستفيد منه وأين نجد الدكتور المقالح مما يحدث؟

د. المقالح: عندما خرجت بعض الاقطار العربية من صمتها واتجهت صوب الميادين معلنة ثورتها على الفساد والظلم الاجتماعي كنت من أوائل من استجاب لهذا الفعل المفاجئ والمدهش، وفي ظل ذلك الموقف كتبت أولى قصائدي بعنوان "أغنية للتغيير" وتتابعت بعد ذلك القصائد المؤيدة والمساندة للمد الشعبي لكن ما كادت الميادين تخلو من روادها وتبدأ لعبة الكر والفر بين السياسيين حتى وجدت نفسي أكتب قصائد بالغة الحزن يمكن اعتبارها مراثي للأحلام الضائعة، ولا أظن أن هناك مستفيداً واحداً مما جرى، والأسوأ في الأمر أن المثقفين انقسموا الآن بين متصالح مع الواقع ورافض له.

هل صرت تلمس القصيدة الأجد التي بشرت بها من خلال مجموعات الشباب الشعرية؟ وهل ما زالت قصيدة النثر غير قادرة على استقطاب المتلقي؟

د. المقالح: لم يعد هناك أدنى شك في أن قصيدة النثر باتت تمتلك جاذبية خاصة تشد إليها عدداً كبيراً من المبدعين الشباب لكن القليل منهم فقط هم الذين يدركون قيمة هذا النوع من الكتابة الشعرية المختلفة ويمتلكون مفاتيحه التي لا تقف عند المغايرة الشكلية. كما أن هذه القصيدة لم تتمكن حتى الآن من استقطاب الجمهور الواسع الذي اعتاد على الوزن وصوت القافية. وهناك من الشعراء حتى في القديم من لم يكن يثق بذوق الجمهور ويرى أن للشعر الحقيقي جمهـوره الخاص، وأن الشاعر يهبط بشعره ويخسر لغته إذا حاول مداهنة الجمهور واسترضاءه.

هل تعتقد أن "شعر الساحات" الذي يعود بتقاليد الموروث يندرج تحت هذا الإطار؟ أم أن له توصيفاً آخر لديك؟

د. المقالح: لا أعرف شيئاً عما تسميه بشعر الساحات إلا أن يكون ذلك الذي كان يكتب ويقال ارتجالاً في أثناء الثورة، أو يظهر على صفحات " الفيس بوك". وفي هذا الصدد أود الإشارة إلى أن الكتابة الشعرية الجديدة بمستوياتها المختلفة تجمع بين الراقي المتميز جداً وبين الهابط والهابط جداً، وأن الحديث عن القضايا العظيمة ينبغي أن يكون من خلال لغة رائعة وعظيمة أيضاً وإلا فإنه يسيء إلى تلك القضايا ويقلل من أهميتها.

أقصد بشعر الساحات القصائد الثورية والدواوين التي واكبت الفعل الثوري والتي قدمت بعضاً منها؟

د. المقالح: إذا كان ذلك هو القصد من السؤال فإن ما قدمه الشاعر المتميز "يحيى الحمادي"، وما قدمته أنت وعدد من الشعراء الشبان الذين انخرطوا في الساحة منذ الأيام الأولى وتمثلوا مشاعر رفاقهم فإن ذلك الإبداع الشعري لا يوصف بشعر الساحات وإنما بالشعر الثوري الذي يمثل لحظة التجلي الوطني والتلاحم الشعبي الخلاق بين المكونات السياسية والإبداعية ذات منابع متباينة، وهو بكل المواصفات شعر عميق الدلالة صادر عن مواهب عالية واستبطان روح الثورة إبداعاً.

ما الذي لم تقدمه إلى الآن وتسعى لتقديمه... أعمالاً لم تطبع، شعراً، ونثراً، ونقداً؟

د. المقالح: لا أريد أن أستعيد المقولة الشائعة والمنسوبة إلى ناظم حكمت إن أجمل قصائدنا هي التي لم تكتب بعد، لكنني سأكتفي بالإشارة إلى أن ما لم أكتبه شعراً ونثراً وما لم أنجزه من مشاريع إبداعية ونقدية هو الأهم وهو ما يلهب طموحاتي ويشدني دائماً إلى المستقبل ، وينمي حدسي ويجعل نظرتي إلى ماضيّ الأدبي لا يخلو من الشك وعدم الرضا، وأعتقد أن هذا الشعور الناقد والطموح يشكل حافزاً لدى كل المبدعين الجادين ولو كانوا قد أنجزوا ما يحلمون بإنجازه لكان عليهم أن يتوقفوا منذ وقت طويل.

هل هناك أعمال محددة تعكف على إنجازها حالياً؟

د. المقالح: لن أتحدث عن المشاريع المستقبلية، ولا عن تلك المشاريع التي لم تكتمل بعد، وإنما سأكتفي بالإشارة إلى الأعمال الجاهزة، وهي كثيرة، وبعضها معد للطبع منذ سنوات، ومنها دراسات نقدية، وكتاب عن الشاعر الإسلامي المتصوف محمد إقبال، ويتألف من مجموعة محاضرات وكتابات منشورة في عدد من المجلات والصحف. يضاف إلى ذلك كتاب "مع اللغة العربية" ويضم الأبحاث التي شاركت بها في المؤتمرات السنوية لمجمع اللغة العربية في القاهرة. وهناك أكثر من مجموعة شعرية معدة للطبع. ومن عيوبي البارزة أنني شديد الاهتمام باللحظة الراهنة وبما أحاول إنجازه الآن، ولا أهتم كثيراً بما تم إنجازه، كما لا أكاد أجد وقتاً لتجميع هذا الكم المبعثر من الأوراق التي اعتراها الاصفرار واعتلاها ركام من الغبار.

في الآونة الأخيرة يلاحظ أن شعرك تحوّل من نبرة الحزن إلى هيمنة حالة السخط (الخطاب الساخط) هل لذلك دوافع فنية أم دوافع اجتماعية؟

نثرت سيرة حياتي في قصائدي الذاتية
نثرت سيرة حياتي في قصائدي الذاتية

د. المقالح: الواقع المرير والفاجع محلياً وعربياً يفرض نوع الخطاب الإبداعي وصيغته، ولا مناص للمبدع من الإصغاء إلى صوت هذا الواقع، والانغمار في تفاصيله الجارحة، تلك التي تجعل من الصراخ أحياناً وسيلة للتعبير عن أقصى مشاعر الضيق والانفعال. وكم سألت نفسي تجاه ما يحدث: ما الذي تستطيع الكلمة أن تفعله؟ ولولا بقية أمل وإحساس داخلي بأن لا شيء يبقى مكانه وأن لليل آخر لأرحت نفسي وأرحت الأقلام والأوراق.
تشهد الساحة اليمنية والعربية زخماً إبداعياً على صعيد الكتابة النسوية شعرياً وروائياً كيف تقرأ ذلك؟

د. المقالح: أقرأه بإعجاب، وأقرأه بتفاؤل، وأقرأ فيه المستقبل بكل ما يبشر به من إشراقات تقاوم هذا الظلام، وتداعياته المرعبة. لقد صمتت المرأة، أو بالأصح تم إجبارها على الصمت قروناً، وصار من حقها الآن وفي ظل التحولات والمتغيرات المحلية والعربية والعالمية أن تستعيد حقها المسلوب والمسكوت عنه، وأن تقول كلمتها بحرّية ، وأن تثبت وجودها في حقول الفكر والسياسة والإبداع والفن ليتمكن شقيقها الرجل أيضاً من تحقيق وجوده الناقص بغيابها، ولكي يتمكنا معاً من صياغة الغد المنشود.

يلاحظ في الآونة الأخيرة أن مقارباتك النقدية ربما خفت على ما كانت عليه سابقاً، هل لموقف ارتأيته مؤخراً أم أن ذلك يدخل ضمن مراجعاتك لما سبق إنجازه؟

د. المقالح: من قال ذلك! متابعتي النقدية مستمرة ولم تتوقف، وفي كل عام أحاول إنجاز بحث أو أكثر إضافة إلى المقدمات والقراءات النقدية لبعض الإصدارات التي تصلني من أصحابها أو أجدها في المكتبات التي أحرص على زيارتها أسبوعياً لمعرفة الجديد مما تعرضه أو تستقبله. يحدث هذا رغم المنغّصات والعوائق التي تجعل من الصعب الالتزام بالبرنامج الذي كنت وضعته لنفسي منذ عودتي من القاهرة في أوائل ديسمبر ١٩٧٧م.

كيف تقيّم حركة النقد في الوقت الراهن مقارنة بحجم المنـتـج الإبداعي؟

د. المقالح: ما أراه أن حجم الإبداع أوسع وأكبر بما لا يقاس من المنتج النقدي، وأن الأخير لا يعاني من حالة ضمور وحسب؛ وإنما يعاني من صمت معيب أيضاً. يستوي في هذا حال النقد الأدبي في بلادنا أو في بقية الأقطار العربية فقد ضعفت المتابعات النقدية حتى في الصحف والملاحق الأدبية وفي المجلات أيضاً. وربما نجحت الجامعات وكليات الآداب خاصة في استقطابها للنقد الأدبي سواء من خلال الأبحاث التي يكتبها الأساتذة المتخصصون في اللغة والأدب العربي، أو من خلال الدرس الأدبي الذي يلقى على طلاب هذه الكليات أو ما يقدمونه من أطروحات نظرية وتطبيقية.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)