shopify site analytics
رئيس وزراء إيرلندا يفاجئ بايدن بدعم صريح للقضية الفلسطينية - يأمر بالبدء بالزحف الى الاقصى رسالة صوتية لقائد هيئة أركان الكتائب في غزة - 4 أسئلة عن اسرائيل يجب على اللاجئ العربي إلى ألمانيا الإجابة عنها - دخول سفينتين حربيتين روسيتين البحر الأحمر - نظرة على الدورة الخامسة والخمسون لمجلس حقوق الإنسان - القدوة يكتب: حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية - أياد راضي وعقدة جلد الذات - دولة عربية تتجه لحجب "تيك توك" - منيغ يكتب: ليبيا شَظَايَا نَوَايَا (1من5) - العفو الدولية تطالب بتنفيذ قرار مجلس الأمن لمنع “الإبادة” في غزة -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - سمير الخليل

الأربعاء, 29-يونيو-2016
صنعاء نيوز/سمير الخليل -
تُعد القصة القصيرة من الأجناس النثرية المهمة في عصرنا الحاضر لانطوائها على أنساق تعبيرية مختلفة وهي ترصد معاناة الإنسان بأساليب فنية مكثفةٍ، وتمتلك هويتها الفنية والتجنيسية الآن، فهي تمثل إبداعاً وتطوراً ملحوظاً في تصوير الواقع الاجتماعي والسياسي والحياتي عموماً .

تسعى القاصة (سناء الشعلان) إلى التجريب المقصود فنياً في أغلب كتاباتها القصصية، وقد يعود هذا الاهتمام إلى رغبتها في تجاوز الأطر التقليدية للقص، والبحث عن كل ما يتسم بالحداثة لتكون أكثر ملاءمة لروح العصر، فضلاً عمّا تملكه تقنيات التجريب الجديدة من شد انتباه المتلقي، وجذبهِ نحو الولوج إلى أعماق النص الأدبي؛ وهو ((قريب الإبداع؛ لأنهُ يتمثل في ابتكار طرائق وأساليب جديدة في أنماط التعبير الفني المختلفة، فهو جوهر الإبداع وحقيقته عندما يتجاوز المألوف ويغامر في قلب المستقبل، مما يتطلب الشجاعة والمغامرة واستهداف المجهول…))( ).

في ضوء استقراء المجموعة القصصية (الذي سرق نجمةً) للقاصة سناء الشعلان ، سأقف عند أبرز مظاهر التجريب التي تجلت واضحةً في قصصها منها النهايات المفتوحة، والمفارقة التي تنطوي على السخرية والألم فضلاً عن الحالات الإيهامية، والركون إلى العوالم الصوفية، والاتكاء على تقنية السيرة القصصية وأخيراً اعتماد القاصة على تقنية الاستشراف للمستقبل من خلال عملية القص، وهو أمر تجاوز التقنيات التقليدية لاستشراف المستقبل مما هو متداول ومعروف .

نبدأ من العنوان العتبة (الذي سرق نجمة)، وهو عنوان إحدى القصص من باب إطلاق الجزء على الكل، فمن هذا (الذي) سرق نجمة ؟!

ولماذا اختارت القاصة هذا العنوان من دون غيره من قصص المجموعة ؟

بنية العنوان تتكون من ثلاث مفردات (اسم موصول+ فعل ماضٍ+ مفعول به) فهو عنوان جملة موصولة لا يمكن التعامل معه بدقة إلا بقراءة القصة المرتبطة به، ولكنه يمكن أن يثير قراءات أخرى لا تمت بصلة لمضمون القصة المختارة، فالقاصة أرادت منه تلك الصياغة الشعرية ذات الدلالة السياسية والاجتماعية التي تنم عن مفارقة لاذعة حينما يدفع الإنسان حياته بسبب كذبة بيضاء أراد الشخصية منها إبهار زوجته بقدراته الخارقة وهو يخبرها أنه سرق نجمة من أجلها ليقدمها هدية بمناسبة عيد ميلاد زواجه ، فإذا بالحاكم (السلطان) يطالبه بإعادة النجمة كونها ملك السلطنة أو الشعب أو الدولة ولابدّ من إعادتها إلى الخزينة العامة وبعكسه سيُعدم بسبب خيانته العظمى ، مع أن كل من يحيط بالحاكم وهو أولهم جملة سرّاق لقوت الشعب ولجهده ولثروته ، فالجميع محمي بالفساد المستشري ولكن الرجل البسيط الذي لا يملك شيئاً سوى الكذب والتمني يدفع الثمن غالياً، ومن لم يطلع على القصة سيذهب ذهنه بعيداً إلى أن العنوان يحيل إلى مجازات شعرية وجماليات تلقٍ ولكن استخدام اسم الموصول (الذي) يحيل إلى كل فرد بمفهومه العام أي كل من يصلح أن يكون اسماً موصولاً مشمولاً به غير أن الفعل (سرق) من الأفعال المرفوضة تداولياً وقيمياً، فهو علامة سيميائية على أن الأمر فيه ثغرة أخلاقية ولو كان الفعل (أهدى) مثلاً لاختلف الأمر، ومع أن المفردتين (الذي سرق) لا تسموان إلى الشعرية وهما أقرب إلى التقريرية (النمطية) غير أنَّ (المفعول به) قلب موازين العبارة وحولها إلى مجاز شعري وإيحاءات منفتحة نحو دلالات قرائية متعددة، فمن يستطيع أن (يسرق نجمة) بل من يصل إليها؟

ولعلّ في اختيار هذا العنوان العتبة ما يحيل إلى رغبة القاصة في إدانة الأنظمة الفاسدة والظالمة وإلى طيب الناس الذين يدفعون ثمن أحلامهم المتواضعة موتاً وتشريداً وقتلاً وظلماً.

ففي قصة (حيث البحر لا يصلي) تَسلِّط الساردة الضوء على مسألة غاية في الأهمية ينكشف عبرها التصور الإنساني الخاطئ لمعظم الأفراد الباحثين عن تحقيق أحلامهم عن طريق اللجوء إلى خارج بلدهم، في سياق عرض قصة الشخصية الرئيسة – أم آمال – التي اضطرتها الظروف القاسية إلى ممارسة البغاء في بلاد الغرب، بعدما أحبت رجلاً عاشت معه قصة حب صادقة تمخضت عن حملها ، ومن ثمّ خوفها من سفك دمها من ذويها غسلاً للعار، مما اضطرها إلى اللجوء لحياة الغرب حيث الانفتاح وممارسة الحريات بغية تحقيق أحلامها بسعادة مع من تحب، غير أن سوء الحظ وبسبب تأخر حبيبها في اللحاق بها ما جعلها تعيش حالة ضياع وتشتت تقول الراوية الشخصية بهذا الصدد : ((لازمت البحر لأيام انتظر حضور رجلي، ولكنه لم يحضر، البعض قال إنه غرق مع الذين غرقوا في القارب الآخر الذي داهمته الرياح العاتية في البحر، البعض زعم أنه نجا مع الناجين الذين تعهدهم الصليب الأحمر بالرعاية ثم أعادهم إلى المغرب قهر إرادتهم، وكيل العصابة التي نقلتنا في قاربها أكد لي أنهُ لم يركب البحر في تلك الليلة مع الراكبين، وأنهُ قفل عائداً من حيث أتى بعد أن انطلق قاربنا نحو مبتغاه ، قالوا الكثير، وسمعتُ الكثير، والنتيجة كانت الانتظار الموصول لرجل لا أعرف أهو من خذلني أم أن البحر غرّر به، وابتلعه على حين غرة، ثم طواه في النسيان ليورثني سؤالاً لا يفتر ولا يموت، وهو : أين اختفى الرجل الذي أعشقه ؟)) ( ) .

جعل النص القصصي منفتحاً على عدة احتمالات يثير تساؤلات عدة في ذهن القارئ لعل أهمها يكمن في أن ما لحق بالشخصية الرئيسة من أذى واضطهاد وانحراف لم تنحصر في تخلي حبيبها عنها فحسب، بل أن العادات والتقاليد الاجتماعية القاسية القاتلة لإنسانية الإنسان هي من أسباب انحراف الشخصية المحورية ومأساتها وضياعها وتشتتها، والمرأة هي المتضرر الأكبر من هذه اللعبة ولاسيما في المجتمعات الشرقية التي تلقي بظلال سخطها عليها؛ فشخصية (أم آمال) هي أنموذج للمرأة العربية المضطهدة؛ التي لم ترتكب خطيئة متعمدة سوى أنها عاشت تجربة حب صادقة.

من هنا استطاعت القاصة أن تعري العادات والتقاليد الشرقية الموروثة التي يمارسها الأفراد من دون وعي بآثارها السلبية في المجتمعات ومن غير أن يلتفتوا أنّ الآثار الضارة ستعود عليهم بالخذلان .

لقد استطاعت القاصة أن تنقل قارئها إلى عوالم الشخصية الرئيسة وجعلتنا نعيش همومها وآلامها، فضلاً عن تحسس عمق مأساتها والاقتراب منها عبر النص المنفتح على دلالات متعددة، وهذا ما أدى إلى ((لانهائية النص، ولا محدودية المعنى، فضلاً عن تعدد الحقائق والعوالم بتعدد القراءات))( ).

والنهايات المفتوحة ((تنتصر للنص القصصي؛ فهي تحمل القارئ مهمة الفعل وتحريك الحدث، والمساهمة في انفراج النص، وانفتاحه على كل التأويلات، ومن ثّم انتزاعه من قارئ مستهلك للقوالب التقليدية بخواتيمها الحاسمة إلى قارئ عارف وعالم منتج…))( ).

ومما لا شك فيه أن القصة القصيرة نظراً لما تمتلكه من مساحة محدودة في الزمان والمكان والشخوص فهي لا تحتمل السرد المطول، وإنما تترك المجال إلى القارئ للمشاركة في انتاج النص ، وهذا ما يحقق فنية عالية للنص الأدبي، ويجعل المتلقي طرفاً في لعبة التأويل .

وفي نصوص أُخرى تلجأ القاصة إلى تقنية الإحالات التناصية المتوهمة، إذ تحاول أن تقنعنا الراوية بواقعية قصة (الضياع في عيني رجل الجبل) التي تحكي حالة حب بين الشخصية الرئيسة ورجل الجبل بقولها: ((تحرضني الكتابة على كتابة الرجال والأحداث، ولكنك وحدكَ دون العالمين من يحبني دواراً جميلاً يكتب بأريجه الجبلي حدثاً كونياً فلكياً ووجودياً لقلب ينبض في اسمه أنتَ))( ) .

من ثمَّ تحيل هذه القصة إلى هامش تقول فيه: ((له الخيال أن ينسج لقاءك ولا يمكن أن أقبل بإنكار الذاكرة لذلك، لابد أنني قد قابلتك في زمن ما، وهذه قصة تصلح لهذا اللقاء)) ( ).

حمل النص السابق مفارقةً إيهامية تجسدت في أن الهامش يقوض النص السردي؛ فبعد أن اقنعتنا الساردة بواقعية القصة نجدها في الهامش تستند إلى إحالات تخييلية ما أحدث إرباكاً ملذاً في ذهن القارئ بعد أن وصل إلى مرحلة الاستغراق في واقعية الحكاية وصحتها .

أما في نصوص أخرى؛ فتعمد القاصة إلى الإحالات الوهمية بعد أن تستهل النص بجمل توحي بأنها أسانيد دينية كما في قصة (منامات السهاد) بقولها: ((أفلح من نام، وتعس من استيقظ))( )، بعد ذلك تحيل هذه القصة إلى الهامش الآتي: ((ورد في أسفار المجرّبين والصّالحين المهزومين: النوم باب من أبواب البركة المستجلبة، وهو مندوب مُستحَبٌ عند الخاصّة والعامّة، والاستيقاظ باب من أبواب المنقصة – والمعاذ بالله – وهو مكروه، وفي بعض الأسانيد هو حرام لا خلاف في حرمته. والمستبدون أعلمُ))( ) .

من الملاحظ في النص السابق أن عبارة ((أفلح من نام، وتعس من استيقظ)) تحمل مفارقة مؤسلبة تثير إلى معنى معين يوحي بسخرية ناقدة حيال المجتمعات المستكينة المتخاذلة التي تغرق في مناماتها وتقف مكتوفة الأيدي حيال ظلم الأنظمة السياسية وبطشها، وإن ما يؤكد ذلك هو ما جاء في هامش الصفحة، إذ عزز من سخرية الواقع وأوحى بعدم صحتها، فهي سخرية تنطوي على نقد لاذع حيال المجتمعات الضعيفة التي لا تسجل موقفاً صلباً أمام الحكام المستبدين.

الجدير بالذكر أن النص يقدم فكرة عن الواقع من دون أن ينقله بصورة ميكانيكية إذ ((لا يكتفي بتصوير الواقع أو الدلالة عليه حيثما يكون دالاً، فإنه يشارك في تحريك، وتحويل الواقع يمسك به في لحظة انغلاقه))( ).

وبهذا الشكل استطاعت القاصة أن تنقد قضايا المجتمعات بأسلوب فني تجريبي بعيد عن التقريرية والنمطية الفجة وتلك لعمري قدرة لافتة .

لم يقتصر التجريب على ما سبق ذكره، بل نجد في قصة (جريمة كتابة) أن القاصة اتكأت على تقنية تجريبية جديدة في الزمن تجسدت في الاستشراف للمستقبل الذي يتم عادةً عبر الرسائل أو البرقيات أو قراءة الطالع، أما القاصة فنجدها تتكئ على تقنية زمنية جديدة تجسدت في ما يمكن أن نسميه (الاستباق عن طريق القص)، فهي تتنبأ لابطالها في سياق نسج القصص الخيالية الفانتازية التي تمتزج مع الواقع الحياتي تجسد ذلك في الحوار الدرامي بين الشخصية الرئيسة – الفتاة- وطبيبها النفسي عندما سألها ((منذ متى تكتبين القصة؟

أجابت بسرعة وكأنها تنتظر هذا السؤال ويعَدُّ عدته لها: منذ ولدت، طوال عمري أكتب القصص، ولكنني حديثاً بت أعلن عن كتابتي لها كي أخلق حلمي، وأنا عاكفة على ذلك .

-وما هو حلمك؟ سألها بصوت ثخين كأنهُ قادم من جوف تمثال .

-أن أخلق من أعشقه ! وأن أخلق للآخرين من يعشقونهم .

-وكيف يكون ذلك ؟ سألها بنبرة مخابراتية تحقيقية .

-بالكلمات ، أنا أُجيد أن أضع كل شيء من الكلمات ، والعشق أشد ما أُجيد صناعته، لقد كتبت قصة عشقي الموعودة كاملة، رسمت رجلي الحلم، اخترت ملامحه كما اشتهي ، نظمت تفاصيل هذا الدّفق العظيم من السعادة المنتظرة بقدومه، ركبت أجزاء الفرح التي تصنع روحه ووجوده ، والآن عليّ أن انتظر تحققها، وهذا ما سوف يكون، سأعيش أجمل ما يمكن أن يهدف البشر في حياتهم، سأعيش العشق))( ).

إنَّ لجوء القاصة إلى تقنية الاستباقات الاستشرافية عبر هذه القصة أدت دوراً فاعلاً في خلق ديناميكية السرد، وجذب انتباه القارئ وتشويقه؛ ذلك لأنها تعتمد على حدس القراء بصورة ذكية غير مباشرة مما ساعد على تشويق القارئ ودفعه إلى الولوج في عوالم القصة وسبر أغوارها، فضلاً عمّا تمارسه الأجواء الغرائبية من تأثير آسر على نفس المتلقي، في سياق تحقق أحداث القصة التي تنسجها الشخصية الرئيسة – الفتاة- للشخوص القصصية في ضوء اتكائها على الفانتازيا التي تعتمد على ((اطلاق سراح الخيال يرتع كيف شاء، بشرط تكون النتيجة فاتنة لخيال القُراء))( ).

لم تقتصر الفكرة عند هذا الحد؛ بل تعدت ذلك إلى إيصال فكرة أخرى مفادها أن الإنسان يحيا بالكتابة الواعية التي تغير مجرى حياته بالشكل الصحيح؛ فالرغبة في كتابة القصة في النص أعلاه تقابلها الرغبة في خلق السعادة عن طريق الحب الذي هو أساس الحياة .

وفي موضع آخر من القصص نلاحظ ركون القاصة إلى العوالم الصوفية؛ فهي ممارسة إبداعية ليست بالجديدة على القصة القصيرة أو الأدب بصورة عامة، غير أن القاصة عرضتها بأسلوب جديد، ومشوق مِما جعل قصتها ذات شعرية عالية هذا ما تجسد في قصة (راقصة الطاغية)، التي تغيب فيها الشخصية الرئيسة – الراقصة- في عوالم الصوفية روحانية من خلال الرقص الذي اكتسب صفة مقدسة لديها وليس شيئاً مبتذلاً كما هو معروف، فالراقصة ((تسمح بأن تستباح في أي شيء إلا في رقصها، لا شيء عندها يتصف بالقداسة إلا تلك اللحظات الهنية الشهية التي ترقص فيها جسدها عندئذ يحار في حركات علوية متصلة مع عالم روحي لا يعرف لحظة حزن أو خذلان أو مذلة أو تواطؤ إلا مع موسيقى خفيضة تخضعه بحنان غنج سرعان ما يرخي قبضته المتشبثة بها ليجري مرحاً نحو رياض وزهور ونشوة لا تنقضي تظل تتلوى كجنية في باطن كف عفريت عاشق لها، ويظل من حولها من حضور يتحرقون في سعار فتنتها ووهج شبقها… ثم تنقطع الموسيقى وتتنهد بعمق ، وكأنها استيقظت من دروشة صوفية فجرية ندية، تغادر حلبة الرقص كحصان بري فتي يجري دون تعب…))( ).

من الملاحظ أن الموسيقى تملك تأثيراً طاغياً على الشخصية الرئيسة؛ فهي تنقلها إلى عوالم صوفية خيالية تجعلها تذوب في عالم روحاني جميل يعكس تأثيره الساحر على ذاتها ويتجسد بالحركات الممشوقة التي تسرق قلوب من يشاهدها، ونظراً لما تحمله الراقصة من عشق وقدسية لمهنتها، فقد استطاعت بذلك أن تؤثر على جميع من حولها بالشكل الذي يصبح مقدار تأثيرها على جمهورها موازياً لما تحمله من حبٍ وعشق واحترام لمهنتها؛ وهذا ما يتضح جلياً في تأثيرها الخارق في الحاكم المتمادي في ظلمه وجوره وسحبه إلى عوالمها الصوفية التي يجسدها النص الآتي: ((أما هو فلا يزال مريضاً في قصره، تغزوه حمى مجهولة السبب، ويغلبه ضعف سري يعطله حتى عن أحلامه التوسعية لا طبيب يعرف له علة، ولا دواء يعرف له شفاء، ولا صديق يملك له دعاء مستجاباً شافياً، وهي تنتظر دون توقف أمراً لا يكون)) ( ) .

الجدير بالذكر أن هذا التأثير الصوفي الذي جرى في شخصية الحاكم الطاغية لا يتحقق إلا للنفس المؤثرة التي يمتلئ قلبها وروحها وجوارحها بالعشق الإلهي فتفيض به على الموجودات ويكون تأثيرها أشد وأعمق.

تطلّ علينا القاصة في آخر مجموعتها بقصة سيريّة تجريدية عنوانها (تقاسيم) تروي فيها الساردة العليمة حكايات عن الطفلة (سناء) التي صارت قاصة بأسلوب شائق ولغة مكثفة والتقاطات طفولية جميلة ونباهة تنم عن ذكاء حاد لدى الطفلة التي أسمت نفسها (سونة) نكاية بالجميع، وأجمل ما في تلك القصة مجموعة الحكايات البالغة (ست عشرة حكاية) والمرتبة ترتيباً مونتاجياً باهراً ضمت مراحل حياة القاصة سيرياً بعيداً عن (ضمير الأنا) المتوافر في الرواية السيرية أو السيرة الذاتية الروائية، فما بين أيدينا قصة ذات إيحاءات عن سيرة ذاتية بضمير الغائب لتشد المتلقي وتبعد شبح تمجيد الذات، وقد وقفت الساردة عند أهم محطات الطفولة في حياة القاصة ومجملها يبدأ بعبارة ((الطفلة الصغيرة)) مما استغرق اثنتي عشرة حكاية وأبقت ثلاث حكايات مكثفة عن تجربتها القصصية تبدأ من الحكاية الثالثة عشرة التي بدأت ((حكايتها الجديدة أنها خلعت جسد الطفلة ولبست جسد المرأة كل شيء غدا فيها أكبر، إلا عينيها..))، ولعلّ في وقوفها عند حكاية سردها القصصي ما يشي بأنّ تلك الموهبة لم تكن وليدة اللحظة ولا ثقافة القراءة ، إنما هي موهبة إلهية انبعثت من لحظة ولادتها وهي تقلب عينيها فيمن حولها، بقي أن نشير إلى أنَّ كتابة السيرة عن طريق القصة القصيرة يحتاج إلى قدم ثابتة وقدرة هائلة في تكثيف الأحداث والمواقف واللغة وقد أجادت القاصة في ذلك أيما إجادة وهي تكتب عن سيرتها في عشر صفحات فقط وبلغة تجريد ضمير (الأنا) تذكرنا بأيام طه حسين وهو يجرد من ذاته ضميراً آخر يمتع القارئ ويستثير فيه جمال الأداء ، ولهذا عددت ذلك شيئاً من رؤية تجريبية موفقة في مجموعتها القصصية المهمة والدالة على رومانسية (تداولية) ذات مفارقة في عنوانها (الذي سرق نجمة).
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)