shopify site analytics
اجتماع هام لبحث إكمال وتجهيز مبنى كلية الحاسبات بجامعة ذمار - مطالبه باطلاق سراح المهندس المليكي - مصلحة التأهيل تختتم دورة تأهيلية لمختصي الجوانب الثقافية - المشهد الدولي..عالم بلا بريك !! - تركيا تؤكد إنها لم تخفف إجراءات حظر التصدير لإسرائيل - الحوثي: لدينا خيارات مهمة جدا ومؤثرة تجاه الصهاينة - هل فاز ريال مدريد على بايرن ميونخ بقرار متسرع من الحكم؟ - مخاطر تناول الأطعمة النيئة وغير المطبوخة جيدا - دحيّة الفنان سعود أبو سلطان " الثوب الأبيض " يملؤها الغزل والتغنّي - الدكتاتورية في إيران والتصدي لها! -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - شاعرة لبنانية عملت في مجال الصحافة. كتبت في السفير اللبنانية والقدس العربي اللندنية كما لديها العديد من الكتب الشعرية

الجمعة, 06-يناير-2017
صنعاء نيوز/ عناية جابر -
شاعرة لبنانية عملت في مجال الصحافة. كتبت في السفير اللبنانية والقدس العربي اللندنية كما لديها العديد من الكتب الشعرية. عنوان مدونتها الشخصية: http://inayajaber.wixsite.com/inaya
ما يفتقده المشارك الشاب في البرنامج التلفزيوني هو ذلك الجزع الذي تبّدى في صوت عبد الوهاب من مثل ثقل هذا الغياب الغرائبي، في الوقت الذي حسب أن الأمور سائرة على ما يرام، وأن الذي غاب ما كان عليه أن يغيب، والخلاصة أن ثمة ما يستدعي المناجاة والغناء والحسرة.

أستمع باستغراق إلى غناء بعض الأطفال في برامج جُعلت لتقديمهم وتستهويني، بل تبهرني في اكتمالها وإحساسها، سوى أن براعة هؤلاء في الأداء تبقى تُقصّر عن إستلال معنى الكلمة المُغنّاة، وهذا طبيعي وعادل نظراً إلى طراوة أعمارهم التي لمّا تؤهلهم بعد لخوض ثُمالة المشاعر، التي يُرخيها عيش قصة حب والإنتماء لقضية ما تتعدى إدراكهم وطفولتهم.. وبراءة تلك الطفولة.
الغناء الذي يعتمد على اللغة في وجوده أساساً، وفي وسائط تعبيراته ويحمل المعنى والفكر، يجب أن يُقابلهُ الإحساس والصفات الفكرية للكلمات، ما يجعل الغناء الطالع من حناجرهم، متكاملاً في نسيج غنائي موسيقي، وبناء إنفعالي، لتتظهّر الأغنية التي تحمل أفكار المؤلف وأحاسيسه ومضمونه، مستوفية شروطها في عمل بديع متكامل.
على إحدى القنوات الفضائية، وفي برنامج يهتّم بالأصوات الشبابية الصاعدة، كان المشترك/ الطفل إلى حدّ ما (في الخامسة عشرة من عمره) يغني لمحمد عبد الوهاب: لمّا انت ناوي تغيب على طول/ مش كنت آخر مرّة تقول؟ صوت قوي وإطلالة واثقة وإتقان لمخارج الحروف والمدّات وما إلى هنالك سوى أنها النبرة ما تنقص، فلوعة السؤال تكمن في النبرة هذه وليس في كلمات الأغنية.
في الأوقات الصعبة، وهي صعبة غالباً عندنا، ألوذ بالموسيقى لتأثيرها السحري فيّ. أعاود سماع أغنيات أحبها منها: لمّا انت ناوي..، غنّاها عبد الوهاب سنة 1929 تبدأ بالمذهب لتتوالى الكوبليهات على لحن واحد، إلى عودة إلى المذهب إثر كل كوبليه فيما " المذهبجية يرددون المذهب لأن الغرض من مشاركتهم هو ترديدهُ".
أغنية شجية يسأل فيها المغنيّ، حبيباً غادر (ويبدو على طول) من دون أن يعرف سبباً لمغادرته، ومن دون أن نعرف نحن الذين نستمع. أفكرّ بالإنتباه المتأخر للمغني الى الغياب الفادح للحبيب، كما لو أُخذ على حين غرّة، ذلك الغياب المُنهك الذي جعله يداعب أوتار عوده ويروح يغني تحت الإشراف القاسي لفكرة الغياب المُحيّرة. أفكرّ بالفراغ الذي اتسع في فضاء المغنيّ من كون الذي غادر قد غادر.. وعلى طول. كما أن مساءلته الآن عن سبب غيابه لم تعد تجدي، من حقيقة أن المُساءل غائب وغير موجود ما يُفقد المحاسبة و (العتب) مبررهما وتلقائيتهما.
ما يفتقده المشارك الشاب في البرنامج التلفزيوني هو ذلك الجزع الذي تبّدى في صوت عبد الوهاب من مثل ثقل هذا الغياب الغرائبي، في الوقت الذي حسب أن الأمور سائرة على ما يرام، وأن الذي غاب ما كان عليه أن يغيب، والخلاصة أن ثمة ما يستدعي المناجاة والغناء والحسرة.
أفكرّ أن محمد عبد الوهاب وقد شرّع عوده وحنجرته مناشداً، انما من إحساس بالذنب وبالمسؤولية عن ذلك الغياب.
ليست كلمات "لمّا انت ناوي تغيب على طول"، تتفق مع طبائع المحبين الهادرة. كلمات هادئة غير بكاءة، تسأل بحذر متشكك ولائم قليلاً. المحبون غضوبون ونزقون من وفرة هيامهم بينما كلمات الأغنية غير مُهددة ولا تطالب بأجوبة فورية.
من النادر إدراك هذا الحّد الهيّن من المساءلة بين المحبين. في الأغنية الغياب هنا يعادل الموت ويجعلك ترى عذابك الخاص ماثلاً أمامك وتتكشف عن حلول فقد كبير.
لحظة انتباه المغنيّ إلى أن من رحل، قد رحل وعلى طول، قرّر إطلاق لوعة للبعيد الغائب، البعيد والقريب في آن مثل الأشياء الأليفة جداً وغير المفهومة أبداً.
يُغني عبد الوهاب من حنجرة وداخل مجروحين، مناشداً برّقة جواباً ما، كذبة حتى تُداري الهاوية التي فتحت فاها فجأة.
أسمع أغنيات لعبد الوهاب تمتلك النبرة الشاكية ذاتها "ليلة الوداع"، "خايف اقول اللي ف قلبي"، "مضناك جفاه مرقده "، "سهرتُ منه الليالي "، " علمّوه كيف يجفو فجفا"، "حسدوني وباين في عينيهم"، " يا مسافر وحدك". كلمات مهيضة تلزم المغني بأدبيات الدونية في الغرام. كيف أمكن لعبد الوهاب الموسوس المحترس من مصافحة ايّ كائن خوفاً من عدوى الفيروسات، غناء تللك الكلمات المهيضة التي ترتجي مصافحة قلب الحبيب، بل وحتى العيش في ظل غيابه، وغدره، وفيروسات غيابه القاتلة.
طبعاً لا أطلبُ من فتى في الخامسة عشرة من عمره، وأحياناً في العاشرة ودونها حتى، الغناء على النحو الذي يقترفُهُ فينا محمد عبد الوهاب من لوعات فاتنة، فالعمر والخبرة والمُكنة الغنائية، أمور حازها الموسيقار الكبير الراحل نتيجة لمعطيات زمنه المكتملة الأوصاف، كما حازتها كبيرات في الغناء العربي وكبار في حقبة غنية ماضية. لكنني أحاول هنا التأكيد على الإهتمام بالتعبير الغنائي الذي يجب أن يكون متكاملاً وخلاقاً من إشتماله على مكونات وعناصر لازمة.
التذوق يتطلب تفهماً لهذه العناصر، وتدريباً على الإستماع إليها لاكتشاف الملامح الخفية في الأغنية بعد أن يستمع إليها لمرات عديدة.
مع ذلك، لا يسعني سوى الإقرار بأن هذا العالم العربي المُنهك بالقبح والمحن، يزخر أيضاً بالأصوات الجميلة التي تستدعي احتضاننا وتشجيعنا، واستقبالها سمعياً كجزء من الجمال الخفي الذي يستوطن صغارنا المغنين.

المصدر: الميادين نت
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)