shopify site analytics
اغتيال رجل الأعمال الإسرائيلي في مصر - ما وراء قانون "مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي" ( 3-4) - هانم داود: بنات وبنين وسن المراهقه - القدوة يكتب: توحيد الجهود الدولية الهادفة لمحاكمة الاحتلال - المؤامرة الشریرة تحت عنوان "حج البراءة"! - الأخصائية النفسية منى شطا تُحذّر - لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه! - صديقي بن مساعد بن حسين سجل تاريخه الوطني بأحرف من نور في اليمن العظيم - الصناعة تعلن عن اطلاق خدمات جديدة عبر البوابة الالكترونية للوزارة - مفاجأة سارّة بشأن سد النهض -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - الإعدام هو الحل!

الإثنين, 09-يناير-2017
صنعاء نيوز/ بقلم : عبد الحليم قنديل -

قلناها مرارا، ولم يستمع أحد بما يكفي، قلنا إن الفساد أخطر من الإرهاب في مصر، وأن هزيمة الإرهاب محتومة لا محالة، بينما قصة الفساد أعقد بكثير، وسوءاته أفدح، وتدميره للدولة والمجتمع أكبر بما لا يقاس، وقد صار كالإيدز في بدن الدولة، يحطم مناعة جهازها الإداري والقضائي والعقابي، ويسري بالعطب ودواعي التحلل في جنباتها كافة، يضرب كل كفاءة محتملة يمكن إيقاظها، ويعيق أي جهد للإصلاح والتطوير مهما حسنت النيات.
ونخطئ لو تصورنا أن الفساد ظاهرة جانبية، أو أنها حالات انحراف وظيفي وأخلاقي متناثرة، على طريقة ضبط موظف صغير أو كبير، وتحصيل رشاوى تصغر أو تكبر، من عشرات الجنيهات إلى عشرات الملايين، فكل هذه الحالات مجرد عينات عشوائية، بعضها أقرب إلى حواديت «ألف ليلة وليلة»، وقد تفسر مظاهر ثراء متضخم مفاجئ، لكن مطاردتها بالقطعة قد لا تعني شيئا كثيرا، فوراء كل فاسد يسقط متلبسا برشوة، يوجد ألف فاسد أكبر، وربما في ذات الجهة، والمعنى ظاهر بغير التباس، فالدودة في أصل الشجرة، وسقوط بعض الأوراق المعطوبة لا يعني خلع الشجرة، فالفساد في مصر نظام حكم وجهاز إدارة وأسلوب حياة، وضبط أكباش فداء صغيرة لا ينهي المسألة، ولا يحد من خطورتها، ولا يوقف نزيفها، والمطلوب ضربات قاتلة لا مناوشات صغيرة، فالضربة التي لا تقتل الفساد تقويه، وتساعده على تنويع أساليبه، وضمان الإفلات من الحساب والعقاب الباتر.
وقد لا يبدو تعبير «الفساد» كافيا في وصف الحالة المصرية، صحيح أنه توجد انحرافات في كل الدنيا، وربما في ظل كل النظم، وهو ما نسمع عنه ونقرأه من هنا أو هناك، ففى النظم الديمقراطية ذاتها، توجد حالات فساد، وتحايلات ووجوه كسب غير مشروع، يجرى كشفها وحصارها، بل ذهاب رؤوس حكم ضحية للانكشاف، وعلى طريقة ما جرى ويجري شرق العالم وغربه، وعلى نحو ما جرى في الإطاحة برئيسة البرازيل المنتخبة، واتخاذ تدابير عزل رئيسة كوريا الجنوبية المنتخبة أيضا، فلم تمنع الديمقراطية وجود حالات فساد وسوء استغلال للسلطة، لكنها ـ أي الديمقراطية ـ تصفي حساب الفساد أولا بأول، وتؤكد معنى أنه لا أحد فوق الحساب، ولم يقل أحد في البرازيل أو في كوريا الجنوبية، أن أحاديث مطاردة الفساد تعكر صفو الاستثمار، فلا أحد يجادل في تقدم البلدين، وفي كونهما من عناوين التطور الاقتصادي والصناعي الباهر، وتصفية الفساد هي التي تجلب استثمارا حقيقيا، ليس فقط في النظم الديمقراطية، بل في النظم التي لا توصف بالديمقراطية أيضا، ففي الصين التي يحكمها حزب واحد وحيد، يجري إعدام الفاسدين على رؤوس الأشهاد، ولا يجرؤ أحد على ترديد ادعاء سخيف، من نوع اصطناع تناقض بين إعدام الفساد وتشجيع الاستثمار، فلا يوجد في الدنيا الحاضرة، ما هو أكثر إبهارا من مثال الصين الاقتصادي، وهي أكبر جاذب للاستثمارات في الدنيا كلها، بينما لا يأتي إلى مصر استثمار صناعي حقيقي خارج قطاع البترول والغاز، وقد توجد استثناءات متفرقة، تؤكد القاعدة العامة، وهي أن الفساد عدو للاستثمار، وجاذب حقيقي لما يسمونه خطأ بالاستثمار، وهو في غالبه «استعمار» و»استحمار»، وانتهاز فرص لنهب وشفط ما تبقى من الموارد والأصول، وعلى طريقة «الخصخصة» التي تتحول إلى «مصمصة»، وتقويض لركائز وأصول الإنتاج الكبرى، وتجريف لطاقة البلد المنكوب على البقاء والتطور، فما جرى في مصر ليس فسادا مفرقا، بل فساد منتظم ونظامي جدا، ونهب كامل الأوصاف، صنعته سياسات انحطاط شامل عبر أربعين سنة مضت، تكدست فيها الثروات بأيدي القلة المعدودة، وبما خلق طبقة الواحد بالمئة من المصريين، التي أخذت إلى بطونها وجيوبها نصف إجمالي الثروة المصرية بالتمام والكمال، وصار بوسعها أن تؤلف مجالس التشريع، وأن تصوغ القوانين على مقاسها، وأن تولي أبناءها وبناتها مفاصل الحكم والتأثير الكبرى، وأن تجعل الجهاز الإداري للدولة في خدمتها، مقابل فتات ملايين تمنحها كرشاوى للموظفين المستعدين، وهؤلاء هم الذين يسقطون أحيانا في شباك المطاردات، بينما تبقى أصول الفساد في خير وعافية.
خذ عندك مثالا من تحقيقات واحدة من قضايا حسين سالم، كان سالم هو ظل المخلوع مبارك وموضعا لسره، وقد أراد مرة أن يقيم فندقا على جزيرة في نيل الصعيد، وجادله الموظف المختص، وأخبره أن القوانين واللوائح لا تجيز ما يريده، فما كان من سالم إلا أن تصرف بهدوء وبرود، وقدم للموظف ورقة بيضاء، وطلب منه أن يكتب فيها أسماء وأرقام القوانين واللوائح المعيقة، حتى يطلب إلغاءها، وهو ما جرى بالضبط، وقس على القصة الطريفة المؤسية التي رواها الزميل كارم يحيى في كتابه المميز عن حسين سالم «رجل من رأسمالية المحاسيب»، ما جرى ويجري من أي ملياردير ناهب آخر، خاصة أن سالم نفسه نجا بفعلته، وجرى إبراء ذمته والتصالح معه، وعاد إلى مصر معززا مكرما، ببركة تشريع آخر، صدر حديثا، كان عنوانه «المصالحات» في قانون الكسب غير المشروع، الذي يسمح بدهس القانون وإلغاء الأحكام القضائية النهائية الباتة، مقابل ملايين معدودة تدفع ذرا للرماد في العيون، وهو ما يقدم دعما وتحصينا غير مسبوق للفساد والنهب، فدفع مبلغ ينهي الاتهامات ويوقف الملاحقات، وكأنه يشتري تذكرة أو رخصة تجديد صلاحية، وما أسهل وأرخص الغرم على الغانمين السارقين، خاصة أن الملاحقات لا تطال عادة سوى الأطراف، ولا تصل إلى الرؤوس إلا نادرا، وهو ما يشجع مماليك الفساد على مواصلة الشوط في أمان، بل والطمع في شراء الدولة نفسها، وعلى طريقة عرض «شعبة المستوردين» لشراء قرارات الدولة في بيان رسمي، ودفع ما يزيد على مئة مليار جنيه مقابل إلغاء قرارات تقييد الاستيراد، ولك أن تتخيل حجم ثروات أصحاب العرض الفاجر، فقد شفطوا ـ مع غيرهم ـ تريليونات وليس مليارات الجنيهات، وجعلوا الحكومة لعبة في أيديهم، وصاروا أصحاب الأمر والنهي، بدليل عجز الدولة الفادح الفاضح عن وقف احتكارات السلع، ثم وقوف الدولة متفرجة على نزح مئات مليارات الدولارات إلى خارج مصر.
ولا شك عندنا في الجهد المقدر لجهاز الرقابة الإدارية، وضبطه لموظفين صغار وكبار في حالة تلبس بتلقي رشاوى، وصلت إلى ذروتها في كشف فضائح جرت في جهاز قضائي، زادت التباساتها بعد ما قيل عن انتحار الأمين العام لمجلس الدولة في محبسه، ثم تضاعفت الريب بعد قرار النائب العام بحظر النشر، وقد درج النائب العام على الحظر، وجعله في مقام العادة والسنة المتبعة، بما يصادر الحرية وحق الناس في المعرفة، وقد لا ننوي خرق قرار حظر النشر، فبقية القصة صارت معروفة من فرط التكرار، تحقيقات فمحاكمات ثم إعادة للمحاكمات، وربما «مصالحات» تنهي السيرة كلها، وبعد أن يكون الناس قد أصابهم الملل من القصص المعادة، وهذا كله لن يؤدي إلى شيء نافع، ولا لإقناع الناس بجدية الدولة في تصفية الفساد وذبح أهله، فالمطلوب شيء آخر تماما، المطلوب: مذبحة شاملة لمماليك الفساد الكبار قبل الصغار، وهذه تحتاج إلى إرادة سياسية حازمة، وإلى قرار بإعلان حرب شاملة، تلغى فيها تشوهات الفساد التي لحقت بالتشريعات، وإقرار عقوبة الإعدام للفاسدين، والتطهير الكامل لجهاز الدولة، والتغيير الشامل للمسؤولين، وإحالة طواقم المحليات بكاملها للتقاعد، وإنشاء «مفوضية مكافحة للفساد» التي نص عليها الدستور، وجعلها مرجعا واحدا لكافة أجهزة الرقابة، وإحالة تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات إلى النيابة وجهات التحقيق، وإعلان تقارير الذمة المالية للمسؤولين على الرأي العام، وأيا كانت مواقعهم، بدءا من مؤسسة الرئاسة إلى الحكومة والبرلمان ووكلاء الوزارات ومديري العموم، وفتح الباب لتلقي أي معلومات مخالفة لما ورد بالتقارير، ومصادرة ممتلكات وثروات وأراضي وأصول من تضخمت ثرواتهم، وإنزال العقاب الفوري الرادع بمهربي الأموال إلى الخارج، ورد المصانع والشركات المحكوم بعودتها إلى الدولة، وإعادة فحص كل صفقات الخصخصة الفاسدة، وإحالة المسؤولين عنها إلى محاكمات عاجلة، وإلغاء كل تحصين لعقود الدولة من حق التقاضي المكفول لآحاد الناس، وتجريس المسؤولين عن جرائم نهب أو إهدار المال العام، فالذبح ـ بالمعنى الحرفي والمجازي ـ هو الحل الباتر للمفسدين في الأرض، واستعادة الثقة المنعدمة في جهاز الدولة، وتصفية سيطرة المماليك على الإدارة والاقتصاد، وقد تكونت هذه السيطرة عبر عقود، وسدت أبواب الأمل في وجوه أغلبية المصريين الساحقة، وجعلت الإدارة العامة مطية للفاسدين والمحتكرين ومليارديرات النهب العام، وصارت سلطة فعلية مهيمنة، تشكلت فيها تحالفات «العروة الوثقى» بين اللصوص والبيروقراطية اللعينة، وحولت الدولة المصرية إلى «شبه دولة» باعتراف الرئيس السيسي نفسه، تراجعت هيبتها وقوة وعدالة قرارها، وصارت التراجعات عن القرارات عادة شائعة، والتخبط هو سيد الموقف، والاختلاط المميت بين مراكز الثروة والسلطة والأمن والإعلام هو الداء القاتل، ولا حل سوى بإعادة بناء الدولة، وفك القيود على الحريات العامة، وتفكيك الاحتقان السياسي، فمشاعل الحرية وحدها هي التي تضيء الطريق، وتكفل التعبئة الشعبية اللازمة لضمان الفوز في الحرب الأخطر ضد الفساد، وتصفية سيطرة جماعات المماليك.
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)