shopify site analytics
القدوة يكتب: حرب الإبادة أكبر مثال على العدوانية والوحشية الإسرائيلية - ضرورة التطلع للمستقبل والديمومة في تاريخ إيران! - تجنيد مرتزقة لوحدات فيلق القدس المنشأة حديثًا - الحرية فردية في دولة إسلامية - الساعدي يكتب : السياسية الامريكية في المنطقة فقاعة ضارة - التحدي الأخلاقي في غزة! - الشايف: مغادرة 740 حاجا من مجموع ٨٢٠٠ حاج عبر مطار صنعاء - هجوم إسرائيلي على جندي مصري في رفح - مسؤول إسرائيلي: يجب إغلاق الحدود بين مصر وغزة - استقالة المسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية بسبب حرب غزة -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - د. باسل مولود يوسف

الجمعة, 17-مارس-2017
صنعاء نيوز/ د. باسل مولود يوسف -
المدينة هي الوطن، والوطن هو المدينة، ورموزها هي هواجس الحب والذكريات والتأريخ والطفولة والصبى... وفرج ياسين مشغول بها على القرب وعلى البعد يرى ملامحها في الكون أَنّى أتجه، مسكون بها متّحدّ معها الى حد الأنصهار فيها.
فهو يقدم العديد من تجارب الحب والحنين... للبيت العتيق للحارة، للنهر، لرموز المدينة الدينية في أغلب مجاميعهُ القصصية وقصائده النثرية وبقية أعماله الاّخرى وتكاد تشكل الجزء المهم في أعماله،... بل تأتي عنده مرتبطة أرتباطاً وثيقاً،... وهي قضيتهُ التي يعيش معها ولها كل لحظة من حياته، وأتحاد الشاعر بالمكان هو سرّ صلابتهُ أمام متاعب الحياة ومشاقها أمام الزمن، مثلما هو في الوقت نفسه سبب الوجد والوفاء، وحبهُ ليس ضرباً من الدّعة والترف، وليس ضرباً من رومانسية الحالمين، إنهُ حب المكافحين، المجاهدين الصادقين، الذين يجدون في حبهم للأرض (المدينة) ملاذاً وخلاصاً، ويتخذون من حبهم لها حافزاً الى مزيد من التحدي والصبر، وعين الشاعر هنا ترصد كل جميل ومؤثر في المدينة ومن هنا وجه الشاعر نظره الى رمز من رموز المدينة وهو مزار الأربعين وجعلها مادة القصيدة وموضوعها.
الجدات القديسات
اللاتي غدن من معارج السنين
يحملن البخور
والحناء والشموع
ألقين نظرة حزينة
على أشلاء مزار الأربعين

وكلما أزدادت السنين، وعصفت رياح الشر، ولاحة طلائع المحن، أزداد الشاعر التمسك بالأرض، ويشتعل الحبّ اكثر في قلب فرج ياسين، وحينئذ يصبح الحرمان والعذاب مطلباً للشاعر، وضمانة لديمومة توهج مشاعره وألتهابها.
فأنكسرت قلوبهن ونصبن مناحة حول الركام... ثم هرعن مسرعات فجبلنَّ البخور والحناء بدم الحجارة ،وأضأن الشموع حولها... ثم عدن لكي يبلغن الملائكة الحارسة... بأن المكان مازال كنفا للأولياء... والحب... والفرح... والسلام.

انظر إليه كيف يصور علاقة الأرض بالأبناء، مهما نأوا عنها، وتفاذفتهم موانيء الرحيل والغربة... فالحبل السري بينها لم ينقطع، وحضورهم الدائم.. على البعد في وجدانهم وفكرهم هو سر الحياة وعذوبتها ويصور الكاتب (مزار الأربعين) بوصفه شاخصا حضاريا ورمزا دينيا، لما لهذه الصورة من دلالة الخصب والديمومة... وقد كثف في وصف الطقوس والممارسات العقائدية بغض النظر عن الجوانب الشرعية وقدم جملة من تلك الطقوس المرتبطة بتلك المعتقدات المتأصلة باالمرأَة التكريتية في ذاكرة تراثنا الصوفي، وفي وجدان المتلقي... ولكنها عندهُ ليس من وحيّ الخيال... بل من ناموس الحياة... ومع ذلك فهي طقوس لأغلب النساء في المدينة وبالتحديد الجدات القديسات.
لعل الشاعر يحاول في هذه الصورة أن يكون من صورة الأرض، الجدات القديسات، مزار الأربعين ويرسم مشهدا رائعا ومؤثرا وحزينا، فقد تقاطعت فيها خطوط الألم والأًمل... والوطن... وظلال الدمار، والحناء... والشموع.
يعد فرج ياسين أسبق أدباء المدينة وأبرزهم في الربط بين الحب والحياة والوطن وقضيتهُ الأنسانية، وتجسدت في أغلب أعماله بشكل جلي وواضح أَي بتلقائية.
ويمكن القول إنهُ حين أصدر مجموعته (قصص الخميس) ؛ ثم أتبعها بنشر عدد من قصائده الإخبارية ؛ فأنه قد قدم تفسيراً رائعاً لحلقة كانت مفقودة خلال هذه الفترة العصيبة من تأريخ معشوقته تكريت. إذ يصور لنا عن طريقها ؛ علاقة الأنسان بالرموز وكأن لسان حال نصوصه يردد ثيماتها الرمزية ؛ فصلوا في محرابها، وألتصقوا بها، وأتحدوا معها على طريقة الصوفيين في طقس الحلول...، لحظة وصولهم إلى نيرفانا الفناء الثنائية بين العاشق والمعشوق ؛ ضمن أجواء متسامية توصلهم إلى حالة من الانتشاء والسعادة الشاملة . وعلى هذا النحو يتحول الحب عندهم الى أصالة تأريخية، لاضرباً من الرومانسية السلبية، التي يلوذ بها الشاعر من هجير الغربة ومتاهات الشتات
ثم عدن لكي يبلغن الملائكة الحارسة بأن المكان مازال كنفاً للأولياء... والحب والفرح والسلام
ويعد هذا المزج والالتحام بين الخاص والعام في تجربة فرج ياسين... نقلة نوعية لتجربة القصيدة في المحافظة، حملها من مضمونها الوجداني الضيق الى آفاق انسانية، تجعلها أكثر رحابة، وانسانية، وخصباً فشعر القضية العصري الرفيع يتوحد في ارتباطاته الدينية الوطنية، وفي ذلك الجهد المبذول نصوغ التقدم والرقي والرفعة والمحافظة على القيم العليا.
تميز الوصف والتصوير في هذه القصيدة بخصائص عدة إذ كان الشاعر لا يتجشم عناء الوصف والتصوير، وإنما كان يجريها في ثنايا كلامهُ وقد حرص على أن يرهف لغته ويشحذها ويفجر فيها من الطاقات التعبيرية ما يمكنها من إستيعاب رؤيتهُ الشعرية مستعيناً في ذلك كلهُ بلغة الحياة ولغة أهل العصر ومفهومهم وتصوير الواقع الأجتماعي الحقيقي في ثنابا النص.
فالوصف والتصوير في هذه القصيدة جاء واضحاً ومعتاداً عليه ولم يخرج عن المألوف، وهي صور تحولت لشيوعها في الزمن القريب الى صور جميلة ونحس بوجودها، أو نشعر بأثرها في نفوسنا وأستخدم بعض الصور الذهبية التي تربط بين أطراف متناقضة ربطاً لا يحدث في واقع الحياة...
(ثم هرعن مسرعات .. فجبلن البخور والحناء بدم الحجارة... وأضأن الشموع حولها ثم عدن لكي يبلغن الملائكة الحارسة... بأن المكان مازال كنفاً للأولياء)
وهي تشبه صور اللوحات الفنية التشكليية (السريالية) تلك التي تتراسل فيها الحواس والمدركات فتتبادل الأشياء المختلفة ببعضها صفات بعضها الأخر، هكذا تتوالد الصور في قصيدة الأربعين وتتعاقب ويرجع بعضها صدى بعض في قضاء مصنوع من الكلمات رحيب، وكأنهُ أستعارة واحدة موسعة أو بنية تسجيلية للصور الكبيرة
أما السرد في القصيدة فهو من المقومات الجمالية ، ولا سيما وإن الشاعر وظف الأشياء توظيفاً منتجاً مع الوصف، وقدم سرداً دقيقاً ووصفاً جميلاً للمكان وللأشخاص بشكل مميز، وبمعنى أدق أن البنية السردية من الحدث، المكان، الزمان، الشخصيات، كانت سبيلهُ الدقيق الى تقصي الوصف، وكانت تلك الممارسات الوصفية هي التي أنتجت بعداً تصويرياً وأرهصت بأحداث لاحقة، وبالتالي مهد لردود أفعال الجدات القديسات بشكل يتماشى مع أحداث النص.
قد تبين لنا إن القصيدة في هذا النص تتنازل عن شيء من بهاء لغتها، وزخم مجازاتها حين دخل تخوم القصة متنازلاً للسرد
(اللاتي عدن من معارج السنين... يحملن البخور والحناء والشموع... ألقين نظرة حزينة... على أشلاء مزار الأَربعين)
هذا المقطع معظمهُ يقوم على الوصف، وإيقاع سردهُ جاء هادئا بسبب بنيتهُ الوصفية، وجاء مطابقاً لرأي المهتمين في مجال الدراسات النقدية فهم يرون ان إيقاع أسلوب السرد، ووصف الأمكنة لابد أن يكون أَكثر ميلاً الى الهدوء والبطء.
إن إحساسنا بهدوء إيقاع السرد في القصيدة كاملة وليس من هذا المقطع، فقط ولهُ مايسوغهُ في بنية النص، وفيما تشي به من مشاعر الراوي، حيث تتالى في المقاطع والأفعال ويندر أن نقرأ سطراً يخلو من فعل، والأفعال كما نعلم تجعل بنية النص متحركة بينما تبعث الجمل الأسمية على السكون اذ انه استعاض بالجمل الفعلية لتقوم بهذا الدور
(عدن... يحملن... ألفين... ونصبن... هرعن... فجبلن)
ولم تكن ساكنة وهادئة الى درجة التي يتصورها البعض... ولكن فيها من السرعة البسيطة في بعض الجمل.
كما إن جمل هذه القصيدة كانت تبتعد عن الأستطراد والأسهاب، وكل هذا أضفى على المقاطع إيقاعاً معتدلاً. عكس بصورة أو بأخرى حالة الشاعر
وقد تمكن الشاعر من بناء الصورة هنا، عن طريق مجموعة من العناصر المتناثرة التي قد لا يكون لأي منها دلالة واضحة منفردة ولكن تجميعها في شعرية واحدة جعلها قادرة على إحداث تأثير يترك في النفس قدسية المكان وأهميتهُ الدينية في نفوس أهل المدينة ويزداد هذا الهدوء في الأيقاع في المقطع التالي ، لايقيد بموضوع محدد، ولا تحكم أستعماله نظرياً قواعد مخصوصة، فهو من المرونة بحيث يبدو مؤهلاً للأندساس في جميع أضعاف الأثر وثنيانه، قابلاً لأن يكون في كل جزء من أجزائهُ محطة يتسع فيها الخطاب ويتضخم.
إن أهم الموصوفات في قصيدة الأربعين.
لقد كان الوصف مكوناً أساسياً في هذه القصيدة الشعرية ولذلك كون الوصف أهمية خاصة في بناء هذه القصيدة، وكانت مؤثرة على المتلقي بأعتباره أداة إبهام بالواقعية وقد ركز الشاعر في موضوعه الوصفي على تقنية الوصف الواقعي المتقابل في منظوراته الجدلية و التعبيرية والسردية فجاء الوصف في هذه القصيدة منصباً على الاشخاص والأمكنة والأشياء، والوسائل فوصف الشاعر مجموعة من الشخصيات منها الجدات القديسات، الملائكة. معتمداً على المعطى الخارجي/ السايكلوجي ، حيث يختلط الوصف بالسرد في جدلية فنية.
نجد في الأبيات صور لملامح الشخصية (الجدات القديسات) المادية والنفسية، وتتوالى الى تلك الصورة عضوية بسيطة، وهن يمارسنّ طقوسهنّ الدينية والعقائدية، وقدرتها وجسدها الشاعر ببساطة ودقة وحرفية.
(فجبلن البخور والحناء بدم الحجارة، وأضأن الشموع حولها...)
تمثل القصيدة في حالات عديدة بناء قصصياً، لقدرة الحكي على التأثير في قدرات المتلقي على الأستقبال وفي حالات أخرى محاكاة تعكس انبهار الشاعر بالحكايات ودلالاتها المثيرة وصورة أحداثها في عينهُ ونفسهُ والسرد هو طريقة المبدع في قص الحدث بأستثمار جماليات الأسلوب، ولا يشترط السرد – هنا - أن يكون بؤرة الحدث الواقعية أو الخيالية ؛ ويرى المهتمين بإن السرد هو القص الذي يستوعب الجملة المسرودة؛ التي تمهد لرسم الشخصية وبناء الحدث فتغني حلبة الحوار وتزود أَفاق الفضاء الزماني والمهاد المكاني .
ويرى الآخر إن السرد هو نقل الحادثة من صورتها الواقعية الى صورة لغوية فحين نقرأ في هذا النص الأفعال
(عدن، يحملن، ألقين، ونصبن، هرعن، فجبلن)
نجد ان هذه الأفعال شيء من الواقع، ولكن السرد الفني يكتفي عادة بالأفعال كما يحدث في كتابة التأريخ بل نلاحظ أن السرد الفني يستخدم العنصر النفسي الذي يصور به هذه الأفعال
لقد سعت هذه القصيدة الى الأفادة مما تمتلكهُ آنية النصوص السردية ؛ من مشاهد حركية، وقدرة على أستقطاب القارئ أذ تميزت بالتشويق وبحضور الشخصيات وفاعليتها ، والتفنن في رسمها، ورسم المكان الذي تتحرك فيه وتخترقهُا بالأحداث التي صنعها السارد، لا يخفى على المتلقي من كون عناصر الادهاش السردية في قصيدة الأربعين محركا اساسيا للغوص فيها،
من خلال كشفها لزيارة نساء المدينة مزار الأربعين "المقدس "، لتتجلى عن طريقها افصاحا لثلة من الطقوس الموروثة الطقوس لهن.
وكانت متوسلة بالايقاع والصورة لتصفح عن خبىء معانيها، إذ إن المتأمل في هذا النص يلاحظ أن السرد بسط جناحية على شطر مهم من مقاطعها، وقد أستخدم شيئاً من معطيات السرد.
فالشاعر بدأ بما يمكن أن نسمية اليوم بالعرض... فهو يصف الشخصية الرئيسة في العمل أو المكان (مزار الأربعين) الذي تتحرك فيه،
(الجدات القديسات... اللاتي غدن من معارج السنين... يحملن البخور... والحناء والشموع... ألقين نظرة حزينة على أشلاء مزار الأربعين)
ونحن نستعرض هذا النص وجدنا إن طريقة صوغه السردي لمادة حكايتهُ ظلت بسيطة، وخاصة فيما يتعلق ببناء الزمن والشخصية وأنماط السرد ومظاهره وهذا الأمر بديهي ومعتاد في أدبيات فرج ياسين.
كان للشاعر أليات خاصة كان لها الأثر البارز في الكثير من كتابات الشعراء والأدباء المعاصرين، في الشعر والنقد على حد سواء وكان لطريقتهُ الفنية في تغلغل ثيمات ملامح الأسطورة في القصيدة، أو أمتصاص بعض عناصر ورموز التراث الموحية وتضمينها في النصوص الشعرية، بمثابة الشعر الخلاق الذي جذب إليه أَكثر رواد المنهج الأسطوري.
وفي هذا الصدد فإن نهج فرج ياسين في التعاطي مع الأسطورة يعلن صراحة مسايرتها، وكانت تشكل عنصراً فنياً مندمجاً في كيان القصيدة لجمل إيحاءاتها ويعمل على جلاء صورها وكانت وفق أسلوب فني وطريقة فنية مميزة ألتزم بها في معالجة المادة التأريخية وادراجها ضمن قصيدة الأربعين هذه، وقام باستدعاء الشخصيات والرموز التراثية والدينية، وبهذه الطريقة المثلى ساعد المتلقي على النفاذ الى معناها... وأستقبال رسائلة، وهو بذلك أثر... في إخفاء هذه المادة تحت السطح الظاهري للقصيدة بحيث تختفي إلا عند الأعين النافذة الناقدة
وبهذا تم الانتهاء من قراءة قصيدة الأربعين وهذا رأينا ونترك المجال للدارسين للتوسع في دراستها.



أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)