shopify site analytics
كان طريق تحرير فلسطين مرورا بكربلاء شعارا - رسالة الله إلى العالم أن الثورة الايرانية جاءت لتبقى - بعد إشرافه على إيصال المساعدات إلى غزة - ترشيح مسؤول جديد للأمم المتحدة في صنعا - وصول 19 ضابطا إماراتيا وإسرائيليا إلى جزيرة عبدالكوري - اليمن تحتل المرتبة 6 بقائمة أكثر دول العالم معاناة من انعدام الأمن الغذائي - نقابة المحامين اليمنيين تدين تهديد المحامية نسيم حسين ملقاط - مئتا يوم على “طوفان الأقصى” وحرب غزة.. معادلات ترسم مستقبلاً جديداً للمنطقة - السراج رئيس المجلس الرئاسي السابق يظهر من جديد - ياهؤﻻء حب اليمن.. ليست شعارات ومهرجانات -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - العقلانية والإيمان

       إن من أسوأ السوء الذي دخل على العقول، الفصل بين طريقي الإيمان والعقل؛ وكأن الإيمان مرادف دائما للخرافة.

الثلاثاء, 05-يونيو-2018
صنعاء نيوز/بقلم الشيخ عبد الغني العمري الحسني -
العقلانية والإيمان

إن من أسوأ السوء الذي دخل على العقول، الفصل بين طريقي الإيمان والعقل؛ وكأن الإيمان مرادف دائما للخرافة. والحقيقة هي أن الإيمان بالحق، دليل على كمال العقل؛ لأن الإيمان في نفسه علم مجمل. وهو من هذا الوجه، يشبه الحدس الذي يقول به العقلاء؛ وإن كان الإيمان أقوى في المرتبة لربانيته. والفرق بين الإيمان والعلم بحسب العرف، هو أن المؤمن يجد الشيء في قلبه (عقله)، ولا يتمكن من البرهنة عليه برهنة تلزم العقول المجردة. وعلى هذا، فإن العقل المعادي للإيمان، والذي يراه مخالفا للأصول العقلية، إنما يدل على قصوره، وعلى عدم ضبطه للمعاني التي يخوض فيها فحسب.

وأما إن كان القائل ماديا، لا يقبل إلا ما تشهد له التجربة ويضبطه الحس؛ فإنا نقول له: ليس كل العالم مادة، ولا كله خاضعا للحس. وإن لم تكن تدرك هذا، فاعلم أنك تعيش في عالم وهمي، تظنه العالم الأصلي. وهذا يشبه ما يحدث لبعض المرضى العقليين، الذين يُمضون عمرهم كله داخل عالمهم الخاص الوهمي، والناس ينظرون إليهم من الخارج على أنهم أسوياء. ولن ندلل على ما نقول هنا بالأمثلة، لأن المقال لا يتسع لذلك.

إن الإيمان، يفتح الباب للعقل، من أجل تحصيل العلم الذي يخرج عن الماديات (ظاهرها)، بما هي مشتركة بين المؤمنين والكافرين؛ وعن التفكير، بما هو عمل بشري قاصر. إن العلم الناتج عن الإيمان، يتدرج بصاحبه في مراتب التطهير، لتنتفي عنه الشوائب المانعة من تلقي العلم، عن العليم الخبير سبحانه. ثم بعد ذلك، يهجم عليه العلم من كل جهة، ليعلم به حقيقة كل معلوم، ويعلم مرتبة هذا المعلوم، والحكمة من ظهوره في عالمه، سواء أكان العالم ماديا، أم معنويا روحيا، أم برزخيا. ولكل صنف من هذه الأصناف فروع، منها ما يدخل في عالم الشهادة، ومنها ما هو غيبي، ومنها ما هو بين ذلك.

وأما الذي حدث خصوصا بعد مرحلة الاستعمار، فهو نكوص العقل العربي عند المقلدين للمستعمر، من مستوى العقل المسلم (المؤمن في أولى المراتب)، إلى العقل المجرد؛ مع الزعم بالترقي عن العقل الخرافي (الديني)، إلى مرتبة العقل الحر. وقد أثر هذا التصور على كثير من أصحاب العقل المعاشي، عندما ظنوا أنهم بفعل التعليم العمومي، قد أصبحوا من جملة المفكرين. وقد أدى هذا الخلط، إلى ما يشبه ما أدى إليه دخول العقل المعاشي مجال الفقه؛ ولسنا نعني إلا النزول عن المرتبة إلى ما دونها.

وإن العقل المعاشي المؤمن، رغم كل المحاولات، لم تستطع موجة التغريب صرفه عن الدين، وإن كانت قد أثرت فيه بنوعين من التأثير: أحدهما الإضعاف الناتج عن التشكيك في كثير من المسائل؛ والثاني التسبب في ظهور تيار مواجه، يعتمد العنف المادي، حيث أعوزه الحجاج العقلي. وهذا الوضع هو الماثل اليوم للأنظار، وإن كان الأفرقاء الوطنيون في الدول العربية يريدون إخفاءه، ليتسنى لكلّ منهم زعم الريادة والقيادة معه، عن طريق المغالطة السياسية، التي يراها المتخلفون وسيلة لغلبة الخصوم.

لا بد لنا أن نعترف أن الدين لدى غالبية العرب، لا يعدو أن يكون ثقافة، تجتر معها المجتمعات بعض مظاهر التدين، من دون أن تحاسب أنفسها على النتائج التي ثبت تحققها للمؤمنين الأولين. ولا يخفى تلفيق علماء الدين للأجوبة عند الأزمات والإخفاقات والهزائم والتناقضات. فهم -بعكس المطلوب- يعتمدون أسلوب التسويغ، بدل النقد المنهجي الذي لا يقبل العلم سبيلا سواه.

ومما أعمى أعين النخبة المثقفة العربية عن حقيقة الوضع، صدورهم عن النموذج الغربي فكرا وتاريخا. وهذا جلي، بما أن الفكر الغربي، لا يمكن أن ينفصل عن تاريخه. ولكن أصحابنا، لم يعلموا أنهم بانسياقهم خلف الفكر الغربي بإخلاص، قد انسلخوا من سياقهم التاريخي الخاص، وعادوا لاجئين بالمعنى العقلي، قبل أن يكون شطر منهم لاجئين سياسيين في البلدان الغربية، بعد أن فقدوا الرابط ببلدانهم الأصلية، بسبب الاستبداد السياسي الأعمى.

إن طبقة العلمانيين من مجتمعاتنا، هي جزء لا يتجزأ من هويتنا حاضرا ومستقبلا. وإذا كانت مجتمعاتنا قد أصيبت بالفصام الثقافي، الناتج عن الاختلاف على الدين، فإن المثقفين المستغربين وجه من هذه الشخصية المرضية، التي لا بد لها من تصالح مع نفسها، إن كانت تبغي بلوغ العافية. وهذا يعني أن اتخاذ الإسلاميين (من التياريْن السلفي والإخواني) العلمانيين هدفا لسهامهم -بغية نفيهم من بلدانهم معنويا على الأقل- ليس أمرا مفيدا للمجتمعات العربية، ولا خادما لها محليا وعالميا. ذلك لأن الأعداء الخارجيين، يراهنون دائما على الانقسامات الداخلية التي يغذونها لوجستيا على الدوام. لكن هذا من جهة أخرى، لا يعني أن نختلق وحدة زائفة بين الأفرقاء والمختلفين داخليا، كما هي عادتنا عند إرادة تجاوز الأزمات، التي ما تلبث أن تتعاظم وتتراكم.

إن المطلوب من الطبقة التي تزعم العقلانية عندنا، أن توطن نفسها على منازلة علمية بينها وبين الخصوم؛ لأن هذا هو الحل الوحيد لما نحن فيه. وأما التمادي في تبني خطاب ما يسمى عصر النهضة عند الأوروبيين، في مجتمعات عربية مسلمة، تنطلق في تصوراتها من حضارة مختلفة، وتنفرد بسياق تاريخي مستقل، فإنه لن يكشف إلا عن ضعف مدعي العقلانية، إن لم يكن دالا على انخراط محتمل، في تنفيذ مخططات أجنبية. هذا بالإضافة إلى أن عدم قبول المنازلة الفكرية، سيعطي صدقية للخصوم المتحاملين، الذين لا يريدون خوض غمار النزال، بسبب ضعفهم في أنفسهم هم أيضا، لما هم عليه من جهل جزئي بالدين، ومن مخالفة لبعض أحكامه.

إن الاستمرار على ما نحن عليه، لا يخدم مصلحة شعوبنا من أي وجه من الوجوه؛ بل يخدم المتطرفين من العلمانيين ومن الإسلاميين على السواء، الذين يخدمون بدورهم -بتجافي بعضهم عن بعض- المشروع الدجالي العالمي دون خفاء. وعلى هذا، فإن على العقلاء من أبناء الأمة، المسارعة إلى الخروج من هذا الوضع بأسرع ما يمكن؛ من أجل اختصار الوقت والإعداد لما هو قادم من مواجهات على الصعيد العالمي؛ وإلا خسرنا خسرانا عظيما، تحاسبنا عليه الأجيال السابقة واللاحقة عند ربنا.

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)