shopify site analytics
8240 معتقلا بالضفة المحتلة منذ “طوفان الأقصى” - توجيهات مصرية هامة لكافة اليمنيين المقيمين لديها - سمير عادل يكتب : للبلطجة عناوين أخرى حول ضربة إيران لإسرائيل - قيادات السلطة المحلية لمحافظة شبوة يتفقدون أحوال المرابطين في مديرية الجوبة - سناء كجك تكتب : يا أمي في غزة ... - القدوة يكتب: المجتمع الدولي وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني - منيغ يكتب: لإسرائيل الوَسَائِل وللعرب المَوَاوِيل / الجزء الخامس - رسائل عابرة على مشارف الإختبارات الوزارية - ١٠٠ سنة على جريمة اغتيال البقيع… - الهاشمي الذي حمى إسرائيل… -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - بقلم الشيخ: عبد الغني العمري الحسني.

       من أهم العوائق العقلية لدى العرب المسلمين، عدم تمييزهم للأيديولوجيا الدينية، التي يرونها دينا. وإذا دخلت الأيديولوجيا

السبت, 16-يونيو-2018
صنعاء نيوز/ بقلم الشيخ: عبد الغني العمري الحسني. -


من أهم العوائق العقلية لدى العرب المسلمين، عدم تمييزهم للأيديولوجيا الدينية، التي يرونها دينا. وإذا دخلت الأيديولوجيا على الدين، فإنها تصير مانعا عن تحصيل الاتساع العقلي، الذي يكون مع ورود النور عقب الأعمال الشرعية. ولقد تأدلج الدين مرتين: الأولى، عندما انغلقت الجماعات (الشعوب) داخل مذاهب فقهية؛ وكأنها الشريعة ذاتها. وهذا قد أغلق باب الاجتهاد الفقهي، الذي كان لزاما أن يبقى مفتوحا؛ حتى يساير تطور مظاهر العيش في كل زمان. والثانية، عندما دخلت الجماعات أقفاص المذاهب العقدية، لتبقى فيها منعزلة عن عموم الأمة، التي كان ينبغي أن يجمعها معها الإسلام بشموليته وسعته.

إن المرء عندما يتلقى دينه بالتقليد، فإنه يكون قد استبدل نسخة من الدين وضعية، بتلك الأصلية الربانية. وهذا التدين المستحدث، هو ما يجعل الشعوب لا تبلغ ثمار التدين التي عرفها المؤمنون الأولون. وإن التزام التدين، ولو جزئيا، مع فقد صورته الأصلية وحلول الأيديولوجيا محلها، هو ما يؤدي إلى عيش حالة الفصام العقلي الجمعي، الذي يجعل الحياة الاجتماعية في بلداننا، ركاما من المتناقضات التي تكاد تكون في النهاية معضلة لا حل لها.

والحال العامة، التي قد بلغت من غير شك مرحلة المرض، لا يمكن الخروج منها ببعض مساحيق العصرنة التي نعمل على إخفاء الواقع المرير بها؛ لأن هذا يشبه إغفال المرض العقلي لدى الفرد، إن رأيناه يتقن عمله مثلا، أو يعيش حياة أسرية وفق العادة، من حيث الظاهر. وإن كان المرض العقلي لدى الفرد، قد يبلغ من التعقيد، ما يخفى عن أعين المعالجين أحيانا؛ فإن المرض الجمعي أشد خفاء، لكون المعالجين أنفسهم في الغالب، لا يخرجون عن السمات العامة للمجتمع المريض.

إن مكانة العقل من الدين، كانت منذ عصر تابعي التابعين وإلى الآن محور الأزمة، على ما حفها من خلاف بين علماء الأمة ومفكريها. وإن ميل البعض إلى العقل، وجعله حكما على النقل، كما فعل الفلاسفة الإسلاميون من أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد؛ وميل أهل السلوك من الصوفية الذين على رأسهم الشيخ محيي الدين ابن العربي رضي الله عنه، إلى التلقي، لم يُجْد الناظرين إلى الأمر من الدارسين المتأخرين؛ لأنهم ظنوا الأمر عائدا إلى اختلاف داخل الدين، بما قد يعني أن كل واحد من الفريقين، قد اختار ما يجوز له اختياره؛ من دون إدراك لحقيقة الدين نفسها. والحقيقة هي أن من تفلسفوا من داخل الدين، قد أدخلوا عليه ما ليس منه؛ لظنهم أن الدين طريق إلى الجنة، إذا عمل العبد الحسنات الجالبة للأجر؛ وليس طريقا إلى تحصيل المعرفة، التي توهموا أنها عقلية ولا بد. ولو أنهم رجعوا إلى القرآن، لوجدوا الله تعالى يقول: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد: 19]؛ فدل سبحانه على أن العبد يحصل بالتدين الأجر الذي به ينال الجنة، ويحصل النور الذي يعرّفه بربه (الحقيقة). وإن هذا القصور في إدراك الدين، الذي وقع فيه الفقهاء منذ القرن الأول، دليل على كون عقولهم لم تتجاوز الفكر الفقهي، الذي هو مجاور في المرتبة للعقل المعاشي، الذي يعود إلى المقلدين من العامة.

إن الدين منظومة معرفية قائمة بذاتها؛ وإن كل من يظن أن العبد في تدينه محتاج إلى إعمال عقله، بما يجاوز القدر المباح للفقهاء في عملية استنباط الأحكام، أو يتعدى الضروري من الفكر لغاية الاعتبار، فإنه يكون جاهلا بحقيقة الدين، غير مدرك لكماله الذي ذكره الله في قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]. والكامل هو من استغنى عن التكميل من خارجه؛ وإلا فلا. وعلى هذا، فإن كل تفكر فوق ما أباح الشارع، هو نقص في التدين، وإن كانت صورته الزيادة.

إن الدين يعمل على ترقية العقل، من العقل الحسي المعاشي، والعقل المفكر في مرتبة الإسلام، إلى العقل المعنوي الإيماني، الذي يقابل العقل المعنوي الفلسفي؛ ثم إلى العقل الروحاني العرفاني، وبعده إلى العقل الرباني الكامل. والعقل الفلسفي الذي لا يجاوز العقل المعنوي، هو أقل درجة من العقل الإيماني؛ لأن الأول لا يتمكن من الخروج عن ظلمة الأكوان، في حين أن الثاني متقرب إلى رب الكون بالتنوّر (تحصيل النور). وأما العقل الروحاني النوراني، فيقابله -ولا يدانيه- العقل الروحاني الظلماني، الذي يكون لأصحاب الرياضات، ممن يستمدون من أرواح الكواكب. وأما العقل الرباني، فلا مقابل له، لأنه حاكم على جميع العقول.

ولما دخلت الأيديولوجيا الكفرية، من اشتراكية في وقتها، إلى ليبرالية، فإن العقل العربي زاد بها تشتتا وبعدا عن الصراط المستقيم. وأصبح التقسيم الجديد منضافا إلى التقسيم الفقهي العقدي الأول. وزاد الأمر استفحالا، عندما دخلت الأيديولوجيا السياسية التي للحركات الإسلامية، والتي أتت على ما كان متبقيا من عقل. كل هذا والناس غافلون عن حقيقة الدين المغني عن كل ما ذُكر. وإذا أردنا أن نضرب مثلا للدين مع التفكر الزائد، فإننا سنجعل الدين مشفى تخصصيا مجهزا بأحدث الوسائل؛ والعقل كالتطبيب البدائي الذي يمارسه الناس في الأماكن النائية للضرورة؛ والعبد الذي يتفلسف داخل الدين، هو كمن دخل إلى المشفى العصري، لكنه مواصل للتطبُّب بما اعتاده في بيته. فهو من جهة قد دخل المشفى، لكنه من الجهة الثانية لم يخضع للعلاج الخاص فيه. فإن هو لم يصح، فعليه أن يعلم أنه ما تطبب حقيقة؛ لأنه ما فارق ما كان عليه قبل دخوله. والمفكرون المسلمون عندما لم يصلوا إلى المعرفة الحق، فإن عليهم أن يعلموا أنهم ما تديّنوا بالطريقة السليمة التي تبلغهم ذلك.

إن الخلط بين ما للعقل من أصول في حال التجرُّد، وما له حال التدين، ما زال مستمرا إلى الآن في جامعاتنا ومجتمعاتنا. وما دام الجهل يُدرس على أنه علم، فلا يُرجى أن تتبدل الحال من اعتقال للعقل، إلى انطلاق تام نحو معرفة يقينية تنفع أصحابها في الدنيا والآخرة.

إن العقل الكامل الذي هو أرقى العقول، لا يبلغ مرتبة الكمال، حتى يخرج من كل الأقفاص التي أُدخلها بفعل التربية الاجتماعية، أو الدينية التقليدية، التي تقطعه عن غايته منذ بداية الطريق. ومن لا يتبيّن الغاية والطريق إليها، فلا مطمع له في الوصول البتة...

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)