shopify site analytics
المبعوث الأمريكي الخاص لليمن، تيم ليندركينغ - وزير النقل يؤكد جهوزية مطار صنعاء الدولي لتفويج ضيوف الرحمن - ضباط وجنود من لواء المظليين الإسرائيلي يرفضون أوامر الاستعداد لعملية رفح - عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح - إلى الداخلية وبرلمان العراق الابطال، لاشُلت أياديكم… - هل أصبح الرجال يرفضون فكرة الزواج - عمومية الحاضرين توافق على تزكية القاضي خالد هويدي - حكومة الاحتلال تنقل تكتيك حرب غزة للضفة الغربية - صداقات العالم الافتراضي وتأثيرها على الواقع..! - الدكتور قاسم لبوزة ومحافظي المحافظات الجنوبية يتفقدون المراكز الصيفية بمديرية ثلا -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - محمد علي اللوزي

الخميس, 24-يناير-2019
صنعاء نيوز/ محمد علي اللوزي -


بزهو الشاعر، وخيلاء الابداع، وامتلاك ناصية اللغة وجعلها رقراقة صافية كنبع يتدفق، يأتي إلينا "زفاف الحجارة إلى البحر"، ديوان شعري للباحث والناقد والشاعر الكبير عبدالودود سيف.
نقرأه فلا نملك غير الدهشة من هذا العالم الشعري الذي يحتل الذاكرة ويسطو على القلب، وهو رهن توقد المعنى واشتعالاته التي تفصح عن فرح يذهب بقوة إلى البحر ليقيم من الموغل العميق وفي العميق نشيده. فكأنه زفاف "النحن" إلى فضاء واسع مليء بالغامض والحياة اتجاه جمعي إلى مبتدأ الوجود.
هكذا نرى الزفاف عرساً يحرك الجامد ويوقظ معنى:
"ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر"

ولكنه إذ يلامس بشفافية هذا الصدر من البيت، لا يلبث أن يجعلنا جميعاً نمضي معه إلى كل ما يعتمل في ذاكرته من تداعيات نرتلها بمواجد شاعر له روحه الخلاقة التي ترى زفاف الحجارة للبحر منطلقاً للحنين إلى الإبتداء:
"وهيئ نفسك لموعد زفاف الحجارة للبحر. وادخل معي إلى ضفة أمواجي نتلو فيها سوية فاتحة الابتداء".

بهذه الروح التي تعتلي عرس الجمال وتفيض به وتستكنه العالم لتستنطق فلسفياً كل ما يعتمل فيه من متغيرات، يقدم عبدالودود سيف أمنيته في التحول إلى أصل الحياة ومصدرها:
"ألا ليت الفتى ماء فيخلع من يديه جراره... ويسير يهرق بالشمال وباليمين".

إنها صورة من يريد أن يفيض بسخاء على العالم دون عوز أو كفاف، وأمنية شاعر يتبصر الجدب المادي والروحي منتشراً ولا يرغب فيه. لذلك لابد من خلق فرائحية تبدأ من زفاف الحجارة "الجدب" إلى "الماء" الحياة.
بهذا المعنى الخلق الإبداعي لدى عبدالودود سسيف قبضٌ على زمام اللغة، وتطويع لما يعتمل فيها من رؤى ينجزها جمالياً بعد أن مسح عنها غبار االماضي وجعلها في صيرورتها متحركة قادرة على أن تشق عالمها الخاص. هكذا نجد النص الشعري في ديوان "زفاف الحجارة للبحر".
حداثياً كونه يملك لغة التفرد والتميز والتجاوز والتحاور مع الزمن والحياة. لا شيء نقع عليه في الديوان إلا وهو يمدنا بصورة جمالية تحتل الذهن تجعله يقف أمام الكلمة في سياق الجملة الشعرية متسائلاً عن لغزية هذا الجمال الأنيق المرتب، وهذه الشفافية في الخيال وهو يلاحق العالم، يدخل إليه وينسلَّ منه. من هذا التمازج الفريد نرى الفكرة تولد فكرة والمعنى يتجدد.
وعبدالودود سيف مغرم بهذا الانتظام الشعري لدرجة الذهول، ومستقرئ للوجود بكل أبعاده. لذلك تكمن علاقته بالشعر في توقه إلى مكاشفة ما يأتيه ذهنياً وهو يرصد حركة الصورة في حضورها وغيابها، قربها وبعدها عنه:
"فأصبحت لا أرى شيئاً إلا تحدثت عنه، ولا غاب عني شيء إلا أفرطت في التوق إلى رؤيته حتى أصبحت منشقاً إلى هلال وبدر: أهذي بصورة هذا، فيغيب ذاك، وأمتلك ذاك، فيغيب هذا". الديوان، مطلع البحر تهليل، ص 24

وإذ يحاور العالم ويتداخل معه، يدرك أيضاً ارتياد اللغة وجعلها رهن مشيئته قادرة على اختراق تخوم الحلم لتتجاوز أبعاد المعنى، بتناغم يضيء المدى، ويجعله متشكلاً ليرى ذاته جاهزة لأن تفعل فيه رغبة الإشتهاء. إنه بذلك يكون الاتساع، يشكله جمالياً ليأتي إليه راغباً. وإذ يضع نفسه في موقع القادر على الفعل فإنه بذلك يشير إلى أكثر من تحول في سياق النص. وحين تتغير وظائف الأشياء تصبح هي المسكونة بذات الشاعر:
"المدى تفاحة، وأنا سكين، وحيث هويت ثقبت على جلدها باباً". الديوان "3" أسماء للموج، ألقاب للزبد، ص 34

يكمن فعل الرغبة في النفاذ إلى البعيد، وفي إعطاء الرؤية مداها حيث يكون الباب فاتحة الغامض المشتهى، وحيث تكون الإرادة قادرة على الامتلاك:
"وأطلقت العنان للنساء أن يستدرن في خواتم شهوتهن... ويدخلن يتفيأن في فضاء أشجاري وأعضاء هواي". (المصدر نفسه).

لاشك إذاً ونحن نقرأ "زفاف الحجارة للبحر" أننا أمام نصوص تمتلك قدرتها على التجدد، وتستمد جمالياتها من طقوس الكلمة الشعرية المرتبة في مناخات من الولع والفهم العميق لمعطيات النص الحداثي الذي يجب أن يتمثل الزمن بكل إيقاعاته، وبين الفهم والإدراك والقدرة على استلهام التراث وتوظيفه؛ وهذا يشير إلى أن معطيات النص الشعري تقوم على إثراء اللغة ووالصورة، وتناغم الجملة الشعرية والتكنيك الفني الذي يقدمه الشاعر ليكشف لنا عن تميزه في تطويع النص في الاتجاه الذي يريده، مفصحاً عن دلالاته وتحولاته في الزمن:
"لقد آن زفاف قطافي والله لأقيمن مأدبة على خشبة كل لسان، ولأتركن كل عين تلهج بما أرى... فينعى الأسود الأسود"... ويدخل الصغار في حدقات الشفق، ويتزيا بخضاب حنائه: (الديوان 1 - برزخ سهيل، ص7).

هكذا نجد التركيب الشعري لديه معبراً عن فعل حركة اللغة وحيويتها وهي تمضي إلى الأصيل والمعاصر في آن، وتستوحي استلاب الإرادة ماضياً، حاضراً، من خلال السياق نفسه، إضافةً إلى دلالة المعنى.
وضمن هذه التضاريس الشعرية الرائعة تغدو النصوص متآزرة وثرية وفاعلة، وهو لذلك يقسم الديوان إلى فصول، كل فصل يشكل مجموعة قصائد، وكل قصيدة تفضي إلى الأخرى؛ كما أن كل فصل يلد الآخر.
وكأن ثمة خيطاً خفياً يفصل فيما بينها، لذلك نجد معنى عنوان الديوان "زفاف الحجارة للبحر" في الجملة: "لا يكسر الحجر إلا الماء".
والديوان من بدئه حتى الختام يسير في نسق شعري تتام نحو رؤية فسيحة الأرجاء لما يعتمل في الانسان من مخاوف وانكسارات وطموحات وأمانٍ:
"علينا من الدَّين ما لا يطيق الجنون على رده،
وعلينا نذور تطاول أعتى الأغاني، وأبهى النخيل". (الديوان "1" شجرة الجلنار ص 117).

هكذا النص الشعري لديه مسكون بالانسجام والتناغم مليء بالتوتر والقلق والحيرة، وهي حالة إنسان أضناه التعب وهدّه السير والبحث عن شيء ما يعيد له كينونته التي استلبت بفعل حالة القهرية
المستشرية، والتي لا يمكنها أن تقدم غير الثبات الذي يمقته الشاعر ولا يريده حاضراً... ولأجل ذلك فإن أفعال الحركة والتبدل غزيرة مبهمة تشير ولا تفصح.

تُطرح الفكرة لتعلن عن الأخرى. الحضور والغياب أمران متلازمان، كلاهما يحرك الآخر يدفعه إلى إعادة ترتيب العالم. هذه التنويعات الثرية من الصور الجمالية بقدر ما فيها من الإبهام الرائع، تكشف عن عالمها حين نصغي إليها ونناوشها. نقيم معها صبراً
يدفعنا إلى المزيد من التوغل حد "زفاف الحجارة للبحر".
ويمثل هذا التداخل والتنافر المدهش لابد للذهن من الحركة والعقل من الإشتغال بالنص.
وما نريد قوله إن الشاعر عبدالودود سيف موجود في النص بقوة، أحياناً يغامر في التوغل إلى حد الاختفاء ليظهر تجلياً آخر. وحيناً آخر نراه هو المسيطر الآمر القوي الموزع أشجانه وفلسفته وحكمته على أرجاء النص.
فكلمات مثل أنا، رأيت، أمشي،... إلخ نجدها في نصوصه بكثافة. كأن قدر الشاعر أن يظل جوّاباً لعالمه متصلاً معه. وفي كل الأحوال فإن هذا العالم الذي يأتيه ويفعل فيه ما يرغب من الحلم والمكاشفة هو ما نجد ذواتنا فيه؛ كأنه يحط على أوجاعنا ويقرأنا نشيداً، ويختار الوجد منطلقاً للمضي إلى ما يريد. في نصوصه التي نقرأها أيضاً بحث مضنٍ عن الذات وتحسس لأوجاعها، تصل به أحياناً
الرؤية الشعرية إلى درجة الاتقاد والتوهج، فلا يملك غير الريادة والاستعلاء... لذلك تكون اللغة قوية متدفقة عميقة تتحاور مع الزمان والمكان. ونرى الشاعر من خلالها سيد القصيدة آمرها الذي يُطاع.

هكذا تبدو نصوصه... قائمة على الادراك والوعي بما يمكن إنجازه ليضيء جغرافياً االيمن من خلال الشاعر وهو يتفرد بصياغة فصول من رؤاه الشعرية التي بدأت على حد إشارته في السبعينات، واختصرت في منتصف الثمانينات 13 يناير 1986.
وإن كنت أرى أنها قد تكون تاريخياً منذ أن استوعب الشاعر أشجان الوطن والإنسان بشكل عام، وضمن مسار موغل في التراث والتاريخ والعصر. أي أن معايشته نفسياً ومعرفياً للماضي والحاضر قد منحته فرصة الخلق الإبداعي بعد أن استوعب مجمل التحولات حتى انبثاقها كفكرة في إشاراته.

ويقيناً إن عالماً شعرياً كهذا الذي قرأناه لا يمكننا القول عنه إلا أنه إضافة رائعة للمكتبة اليمنية، وأنه أيضاً في احدى مستوياته ابداع صميمي في شعرنا العربي، يقدمنا إلى الآخر جمالياً بثقة واقتدار.

ولعل مشروعاً كهذا أنجزه الشاعر عبدالودود سيف بكل إيقاعاته المتجددة والمتحركة قد كشف عن مدى القدرة على خلق إبداعي متميز، فيه المغامرة شرط الإبداع وحب اللغة منطلق التكوين االشعري، وفرادة الصور وثراء الدلالة جوهر الدهشة التي نقع فيها ونحن نقرأ سفراً شعرياً فيه التجربة موصولة بالإبداع في سياق التاريخ، بحيث يمكن استقراء معالم المفردات في النص وانتظامها في الجملة وتركيبها في القصيدة وكأنها الثمرة الناضحة والفهم الصحيح لمعنى حداثة القصيدة وهي تقدم نفسها وتتأثر بعالمها الإبداعي دونما الوقوع في الغيرية أو الإنجذاب إلى الآخر.
هكذا النصوص لا ترى فيها ما لدى الغير من محاكاة واغتراب أو اجترار وتكرار.

وقد تضمن "زفاف الحجارة للبحر" قصائد مفعلة وأخرى أقرب إلى قصيدة النثر، وإن كانت في كل الأحوال لا تخلو من الترنيمات التي تشبه تراتيل دينية تمتلئ بالاستبصار والتأملات الرائعة.

وكما أن أول القصائد كانت "الميلاد: تخطيطٌ على جسد المهد". كذلك كان ختام الديوان أيضاً معنوناً بقصيدة "البدء... الختام" ولعل القاسم المشترك بينهما "الماء" فهو إذ يقول في مطلع قصيدة الميلاد:
"غيمٌ بكفي أم دخان"
نراه في ختام قصائد الديوان "الابتداء... الختام" يقول: "ورجعت... لا ماء... ولا رملاً".

كأن التساؤل الذي طرحه شعرياً في أول الديوان قدم إجابته في ختام آخر قصيدة وهكذا يحتل "الماء" بكل معانيه ودلالاته موقعه في نصوص الديوان باعتباره المهد، الميلاد كما تقول بعض الأساطير، وحيث يرجع الشاعر من رحلته بقوله:
"لكأن بعض الحلم ظن، أو كأن الغيم أسماء لأحلام"..
فإننا في هذا السياق من الإنكسار والخيبة في الوجوع "بلا ماء ولا رمل" نتساءل: عن مدى ما تحقق من "زفاف الحجارة للبحر". هل تم في طقوس فرائحية أم محزنة؟ هل كان زفاف موت أم حياة؟ هل أفضت هذه الحركة "الزفاف" إلى شيء من التبدل؟ وهل قدمت معنى لتطلع الإنسان وهو يريد لأحلامه أن تكون خالية من الجدب حيث الماء يغطي اليابس "الحجارة"؟ وهل إن أمنية الزفاف قد تمت من أجل التجدد؟ أم أن الرجوع "لا ماء... ولا رمل" قد أخذ منحى الحزن أو ما يشبه رجوع من نفض يديه من التراب بعد الدفن ليبقى اليابس "الحجارة" هو الذي طغى على الأمنية وردم الأحلام. أسئلة تثيرها نصوص الشاعر الكبير عبدالودود سيف فتوقعنا في حيرة المعنى الذي ما إن يهيأ لنا أننا أتيناه حتى يفر من أمامنا، وكأننا في السياق ذاته نعيش زفاف الحجارة للبحر وهي تقسو على الذات أحياناً وتحدها بشيء من الولع والتوق أحياناً أخرى.
هكذا نجد أنفسنا مع الشاعر عبدالودود سيف من أول الديوان وحتى إشارته الأخيرة في رحلة مليئة بالغامض والمدهش، هدفها أن نكون من خلال إدراكنا للمعنى ذاته، وفهم علاقة الذات بالعالم ومدى ما يقدمه لها من أحلام لا تنضب، ثم لا تلبث بعد معايشتها أن تبصر الحقيقة حيث "زفاف الحجارة للبحر" يبدأ من تساؤل الحيرة:
"غيمٌ بكفي أم دخان"
لينتهي بإجابة مليئة بالخيبة:
"ورجعت... لا ماء ولا رملاً".

وأستطيع القول في ختام هذه العجالة إنني في قراءتي المتأملة للديوان والتي تستدعي المجاهدة والصبر قد رجعت إلى نفسي وهي مليئة بالمدهش، وإن الماء والرونق كانت نصوص الشاعر، وإن بين أيدينا نبعاً شعرياً صافياً لا ينضب، سيظل أحد أهم إبداعات الوطن.
كما أن "زفاف الحجارة للبحر" قد استطاع الشاعر أن ينجزه فينا باقتدار، كونه قدم لنا الجمال بسخاء، وأحال القاحل إلى أرض رطبة تهذب الروح وتسمو بالنفس، وذلك انتصار يحسب له.

* من كتاب "زمن الإبداع والتلقي" للكاتب والناقد محمد علي اللوزي- إصدارات وزارة الثقافة اليمنية، 2004
نشر في مجلة نصوص من خارج اللغة العدد13
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)