shopify site analytics
نجوى كرم تثير الجدل بـ"رؤيتها" - بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار! - فريق جامعة ذمار يحقق فوزاً جديداً في كرة القدم - الخميسي يكتب: مات ساجداً ..! - رئيس وزراء إيرلندا يفاجئ بايدن بدعم صريح للقضية الفلسطينية - يأمر بالبدء بالزحف الى الاقصى رسالة صوتية لقائد هيئة أركان الكتائب في غزة - 4 أسئلة عن اسرائيل يجب على اللاجئ العربي إلى ألمانيا الإجابة عنها - دخول سفينتين حربيتين روسيتين البحر الأحمر - نظرة على الدورة الخامسة والخمسون لمجلس حقوق الإنسان - القدوة يكتب: حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - المصدر: صنعاء نيوز

الأربعاء, 11-مارس-2020
صنعاء نيوز/ وائل شرحة -


صنعاء - وائل شرحة
9 مارس 2020
ينتظر السجين اليمني حسن سالم منذ عشر سنوات نداء اسمه عبر مكبرات الصوت المثبّتة في ردهات السجن المركزي بمحافظة الحُديدة الساحلية، إذ يحلم بإذاعة قوائم "المبشّرين" بالإحالة إلى المحاكم، منذ أودِع السجن بتهمة "خيانة الأمانة" عام 2009، حين كان في الثانية والثلاثين من العمر.

بعد عام، أصدرت محكمة جنوب الحُديدة (226 كيلومترا غرب العاصمة) حكما ابتدائيا بحبس سالم، سنة مع إعادة الأمانة لأخيه؛ جنبية ثمينة (خنجر يمني) ونقود، قدّرت المحكمة قيمتها بثلاثة ملايين ريال يمني (5 آلاف دولار).

قدّم سالم استئنافا في 20 يونيو/حزيران 2010 عبر نيابة السجون التابعة للنيابة العامّة، والتي أحالت مذكرته إلى رئيس النيابة العامّة. على أن الأخيرة لم تتخذ أي إجراء بذلك، ما دفع نيابة السجون إلى تقديم مذكرة ثانية في 4 مايو/أيار 2013، ثم أعقبتها بثالثة بعد خمس سنوات في 25 مارس/آذار 2018.

ويقبع سالم، الذي عجز عن رد الأمانة، خلف القضبان منذ عشر سنوات في انتظار استئناف حكم مدتّه عام واحد، رغم تقديمه ثلاث مذكرات لنقض قرار المحكمة الابتدائية.



انتقائية التقاضي

يتشارك سالم المصير ذاته مع مئات اليمنيين المتهمين بجنح وجنايات مختلفة بسبب انتقائية التقاضي وتأخر إجراءاته، حسب ما يوثق التحقيق، في غياب تشريعات تحدّد سقوفاً زمنية لمدد التقاضي ومحطّاته. ويتبادل جهازا العدل والأمن الاتهامات بالمسؤولية عن معاناة المنتظرين فيما تعجز وزارة العدل وهيئاتها التفتيشية والقضائية عن حل هذه المشكلة المزمنة، العابرة للحكومات، وسط ظروف احتجاز غير إنسانية.

وضمت السجون اليمنية 11429 نزيلا حتى تاريخ آخر إحصائية معلنة عام 2016، وثقت عدد النزلاء في سجون 14 من محافظات اليمن الاثنتين والعشرين. من بينهم 2075 موقوفاً وسجيناً ينتظرون المحاكمة أو الاستئناف؛ أي اثنان من كل عشرة نزلاء. ويشكّل الرجال 96 % من هذا العدد بواقع 1994 موقوفا وسجينا، بحسب مؤسسة السجين الوطنية؛ وهي هيئة أهلية تأسست في 8 يوليو/تموز 2013.

"
يقبع سالم، خلف القضبان منذ عشر سنوات في انتظار استئناف حكم مدتّه عام واحد
"وتضم السجون أيضا 4311 موقوفا لا يزالون رهن تحقيقات النيابة لم تحل ملفاتهم بعد إلى المحاكم؛ أي أربعة من كل عشرة نزلاء. كما أن 23 أجنبيا ينتظرون المحاكمة، منهم امرأتان، فضلا عن 40 حدثا واثنتي عشرة امرأة. وأحيل 29 سجيناً إلى المصحة النفسية، بحسب الإحصائية ذاتها. ويتوزع النزلاء على 14 سجنا مركزيا وتسعة احتياط (مخصّصة لإيواء المتهمين أثناء فترة التحقيق) في 14 محافظة، 11 منها تخضع لسلطة الحوثي.

وصدرت الإحصائية السابقة، بعد عام على اندلاع الحرب، التي غيّرت أنظمة الإدارة والسيطرة في معظم محافظات اليمن،ما أدى إلى تعذّر الحصول على بيانات في المحافظات الثماني المتبقية، الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا.



"في انتظار غودو"

إلى جوار حسن سالم، يجلس الثلاثيني عبده الضبيبي والذي انتظر ستة أعوام قبل أن يصدر حكم بحقه في عام 2019، بعد أن تعاقب أربعة قضاة على ملفه، إذ كان يُستدعى للمحاكمة مرّة كل ثلاثة أشهر، ثم يبلّغ بتعذر عقد الجلسة إما لغياب القاضي أو ممثل عن النيابة العامّة.

وينص قانون الإجراءات الجزائية لسنة 1994 ، في المادة 316/ الفقرة الأولى، على "وجوب حضور ممثل النيابة العامّة جلسات المحاكمة في جميع الدعاوى الجزائية (..) وعلى المحكمة أن تسمع أقواله وأن تفصل في طلباته". ويبطل أي إجراء قضائي يتم في غياب ممثل النيابة، بحسب الفقرة الثانية من ذات القانون.

ويحمل مصلح البدجي محامي الضبيبي، إدارة السجن، بالدرجة الأولى، مسؤولية عرقلة قضية موكله بسبب عدم نقل النزلاء إلى المحاكم.



اكتظاظ السجون

يشكو نائب مدير السجن المركزي في الحُديدة الرائد عبد اللطيف الشرفي، من اكتظاظ السجن الذي يضم 1400 نزيل، موزعين على أربعة عنابر لا تزيد سعتها مجتمعة عن 300 شخص.

اعتماداً على الصور الجوية لـ"غوغل إيرث" وبالاستعانة بتقني متخصص، يتبين أن المساحة الإجمالية للعنابر تقدر بـ 960 متراً مربعاً، بطاقة قصوى 370 سريراً، إلى جانب ألف متر مربع من الممرات وساحة تتوسط العنابر.



أحزان إبراهيم

توفيت والدة السجين فتيني يحيى إبراهيم (65 عاماً) وأخوه وابن عمته، وشُيعت جنازاتهم من منزلهم، كما فقد جزءاً من بصره بينما ما يزال خلف قضبان السجن المركزي بمدينة الحُديدة ينتظر صوت مطرقة القضاء للفصل في قضيته.

أوقف إبراهيم في 23 مايو 2015 مع ولديه حازم (19 عاماً) وحسين (21 عاماً) بتهمة القتل العمد، بحسب وثائق قضيته التي حصل عليها معد التحقيق.

في البدء أمضى الأب وابناه عاماً في سجن مديرية بيت الفقيه التابعة لمحافظة الحُديدة (احتياطي) قبل نقلهم إلى السجن المركزي لمدّة أربع سنوات، تاركين خلفهم أمّاً وخمس بنات أكبرهن 14 عاماً وأصغرهن سبع سنوات. وفي إبريل/نيسان 2019، أعيد المتهمون الثلاثة إلى سجن مديرية بيت الفقيه لاستكمال التقاضي أمام محكمتها الابتدائية.

وانقضت أربع سنوات من دون أن تعقد المحكمة جلسة واحدة بسبب عدم وجود قاضٍ، حسب ما تبلغه إدارة السجن.



اتهامات متبادلة

وثّق معد التحقيق خلال زيارته إلى سجن الحُديدة المركزي في 13 مايو/أيار 2018، وجود ثمانية نزلاء في فنائه ينتظرون نقلهم إلى المحاكم والنيابات. ورغم مرور ثلاث ساعات كانوا لا يزالون ينتظرون عربات النقل والحراسات المرافقة لها، حتى ساعة مغادرته السجن الساعة الحادية عشرة ظهراً.

ويحمل نائب مدير السجن المركزي بالحُديدة، النيابات والمحاكم مسؤولية بطء البت في قضايا السجناء كما يشكو من نقص التجهيزات؛ من عربات نقل وأصفاد (كلبشات) وعناصر أمنية مرافقة أثناء النقل.

"اثنتان فقط من عربات السجن الأربع صالحة للنقل، سعة كل منهما 20 سجيناً، مقابل أوامر بنقل بين 50 و60 نزيلا يوميا"، حسب ما أوضح.

وتتشابه الظروف والأسباب التي تحول دون عقد جلسات منتظمة لمحاكمة الموقوفين والسجناء في سجني العاصمة والحُديدة، اللذين زارهما معدّ التحقيق.

"في سجني الحُديدة المركزي والاحتياطي، ينتظر عدد يصل إلى 350 نزيلا إجراءات المحاكمة لفترات تصل إلى أربع سنوات، بواقع واحد إلى أربعة من نزلاء السجن البالغ عددهم 1400"، بحسب الرائد الشرفي.

وحاول معد التحقيق مقابلة وكيل نيابة سجن الحُديدة القاضي فؤاد المقطري خلال الزيارات الأربع التي قام بها إلى السجن في الفترة ما بين 11مايو/أيار وحتى 14 مايو 2018. إلا أنّ القاضي لم يحضر فلجأ إلى الاتصال به مراراً عبر الهاتف لكن من دون جدوى أيضاً.



نيابة السجن ترد

يرفض الوكيل السابق لنيابة السجن المركزي بأمانة العاصمة القاضي صارم الدين عبد الولي مفضل اتهام القضاء بتأخير عقد الجلسات ويحمّل "الجهات الأمنية ممثلة بإدارات السجون نسبة 90% من تأخر فصل قضايا المساجين مقابل 10% تتحملها النيابات والمحاكم"، على حد قوله.

"تغيّب القضاة أو أعضاء النيابات يعود إلى تكرار عدم إحضار المتهمين"، حسب ما يضيف مفضل، واصفا تغيب القضاة بأنه "حدث نادر لا حكم له". كما ينفي اتهام الجهات الأمنية لنيابة السجون بعدم متابعة قضايا المحتجزين.

"
تكرار تغيير القضاة قبل مرور خمس سنوات من تعيينهم أحد أسباب معاناة الموقوفين على ذمة القضايا
"ويؤكد القاضي مفضل أن "نيابة السجون، التابعة للنيابة العامة، هي المخولة بمتابعة قضايا السجناء الذين هم رهن المحاكمة". كما يناط بهذه النيابة "كل ما يتصل بعقد الجلسات وجدولتها واختيار تاريخها". ويؤكد أن هذه "المشكلة ليست حديثة، وإنما متوارثة منذ سنوات"، مرجعا أسباب التأخير إلى "قلة عدد قضاة المحاكم والنيابات مقابل عدد القضايا المطروحة أمامهم".

على أن القاضي مفضل يشاطر الرائد الشرفي شكواه من "عدم توفر عربات وقوات حماية أمنية مرافقة بشكلٍ كافٍ لنقل السجناء والموقوفين".

لكن مصدرا رفيعا في هيئة التفتيش القضائي، اشترط عدم الإفصاح عن هويته لأنه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام، يتهم النيابات ممثلةً بأعضائها بالتسبب في تأخير الفصل في قضايا السجناء. ويقدّر بأن النيابات تتحمل بين 70% و80 % من أسباب التأخير، بالاستناد إلى "شكاوى المواطنين والسجناء التي تتلقاها الهيئة، بينما بقية الشكاوى تتوزع بين المحاكم والجهات الأمنية".

ولم يحدد المصدر عدد الشكاوى أو الإجراءات التي تتخذها هيئة التفتيش، لكنّه يوضح أنها "توجه القضاة بسرعة فصل القضايا التي على ذمتها سجناء". ويحدّد القانون "مدة معينة للفصل في القضايا، لأن لكل قضية ملابساتها وإجراءاتها"، حسب ما يشرح.

وحول تكرار تغيير القضاة قبل مرور خمس سنوات من تعيينهم، يقرّ المصدر بتأثير ذلك على سير الفصل في القضايا، لكنّه يردف أنه "بسيط". كما يبرر النقل بـ "حاجة مجلس القضاء الأعلى للقاضي في مكان أهم أو عدم ملاءمة القاضي وكفاءته في المكان المعيّن فيه".

وتستقبل نيابة السجون بصنعاء بين 8 طلبات و16 طلب إحضار سجناء يوميا من النيابات والمحاكم، بحسب إحصائية نيابة السجون التي يضطر وكيلها أحياناً إلى تأجيل نقل النزلاء إلى حين توافر التجهيزات. وتشير إحصائيات وزارة العدل بصنعاء إلى وجود 48 قاضياً في محافظة الحُديدة موزعين على 22 محكمة، بمعدل قاضيين لمعظم المحاكم.



مذكرات وتهم

ترفض إدارة السجن المركزي في أمانة العاصمة الإدلاء بأي تصريحات أو بيانات إلا من خلال مذكرة من رئاسة مصلحة السجون بصنعاء، التي أحالت طلب معد التحقيق إلى مدير عام الرعاية والتأهيل في المصلحة.

غير أنه وبعد ستة أشهر من المحاولة أحجمت المصلحة وإدارة السجن عن ذكر عدد من هم قيد المحاكمة، والفترات التي قضوها في السجن أو التهم المسندة إليهم، وذلك بدعوى أن هذا العمل "استخباراتي في ظل الوضع الذي يعيشه اليمن".

ثلاث من الحالات الأربع التي سُمح لمعد التحقيق بمقابلتها في السجن المركزي كانت لسجناء قضاياهم منظورة أمام محكمة "بلاد الروس وبني بهلول" الابتدائية التابعة لمحافظة صنعاء. هذه المحكمة أقفلت لخمسة أشهر نتيجة غياب القضاة (من يونيو/حزيران إلى أكتوبر/تشرين الأول) عام 2017.

ومنذ أودع محمد الحميضة السجن المركزي بصنعاء في 17 فبراير/شباط 2009، تعاقب على قضيته خمسة قضاة في محكمة بلاد الروس وبني بهلول الابتدائية. بعد تسع سنوات، صدر بحق الأربعيني الحميضة حكم ابتدائي بالإعدام عقب إدانته بتهمة القتل، لتبدأ بعدها رحلة الاستئناف، التي لم يعد السجين يتذكر كم مرّة نقل خلالها إلى المحكمة.

أما السجين إسماعيل الحدّي (36 عاماً)، فأكمل في أغسطس/آب 2019 أحد عشر عاما داخل السجن بتهمة القتل. خلال تلك الفترة، نظر في قضيته أربعة قضاة في المحكمة ذاتها، ليصدر بحقه في فبراير/شباط 2019 حكما ابتدائيا بالإعدام. مذذاك، تستمر معاناته في محكمة الاستئناف في رحلة انتظار جديدة.

ويعمل في محافظة صنعاء 32 قاضياً موزعون على تسع محاكم، تستقبل كل منها بين 20 قضية و30 قضية يوميا. وهو ما يعني أن القاضي الواحد يجب أن ينظر في 10 إلى 15 قضية يومياً بحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة العدل.



قاعتان وقاض

"قاعتان في مبنى غير مهيأ لنشاط وعمل المحكمة"، هكذا يصف المبنى رئيس محكمة بلاد الروس وبني بهلول القاضي محمد يحيى البرغشي. ويقول البرغشي إن "هناك محاكم أعدت قبل سنوات عديدة لقاضٍ واحد، والآن يعمل فيها أكثر من عشرين قاضياً".

القاضي البرغشي المعيّن في نوفمبر 2017 يتفق مع القاضي صارم الدين مفضل حول أسباب تأخر الفصل في القضايا. ويؤشر القاضيان إلى قلّة عدد الكادر الإداري للمحاكم والبحث الجنائي، وعدم وجود مبان مؤهلة وتغيب أعضاء النيابة. "عدم قيام الجهات الأمنية ممثلةً بالمباحث، بجمع الأدلة وقت وقوع الجريمة، وضبط الآثار والدلائل يؤثر على مجريات سير القضية وإطالة مدّة البحث والتقاضي"، حسب ما يشرح.

ويبرر القاضي البرغشي تأخر الفصل بالقضايا إلى ارتفاع عددها: "قضايا القتل المنظورة لدينا تصل إلى 86 قضية حتى أكتوبر 2019، يقابلها خمسة قضاة وقاعتان غير مؤهلتين للمحاكمة". كما ينفي البرغشي أي تغيّب للقضاة: "لا يمكن أن يغيب القاضي عن عقد جلسات السجناء وهو من يطلب إحضارهم، إنما يكون التغيّب من عضو النيابة"، ويدعّم رأيه بمثال: "طالبت لمدة عام كامل بإحضار سجين للمحاكمة ولم تحضره الجهات الأمنية". وينص قانون السلطة القضائية الصادر عام 1991 والمعدل سنة 2013 على أنه "لا يجوز أن يبقى أحد القضاة في محكمة واحدة بغير نقل لأكثر من خمس سنوات" كما يمنع القانون، نقل القاضي من محكمة إلى أخرى قبل مرور ثلاث سنوات على تعيينه.

ويؤكد البرغشي أن نقل القضاة من محكمة إلى أخرى قبل مرور خمس سنوات على تعيينهم "يؤثر على سير إجراءات التقاضي وتداولها، كون القاضي الجديد بحاجة إلى الوقت للاطلاع على ملف القضية".

وبينما يتبادل القضاء وإدارة السجون الاتهامات بالمسؤولية عن معاناة السجناء والموقوفين، تضيع سنوات من عمر النزيل في انتظار تهيئة المحاكم وتأمين "كلبشة" وعربة نقل.

*تم إعداد التحقيق بدعم من شبكة (أريج) "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية"
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)