shopify site analytics
نجوى كرم تثير الجدل بـ"رؤيتها" - بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار! - فريق جامعة ذمار يحقق فوزاً جديداً في كرة القدم - الخميسي يكتب: مات ساجداً ..! - رئيس وزراء إيرلندا يفاجئ بايدن بدعم صريح للقضية الفلسطينية - يأمر بالبدء بالزحف الى الاقصى رسالة صوتية لقائد هيئة أركان الكتائب في غزة - 4 أسئلة عن اسرائيل يجب على اللاجئ العربي إلى ألمانيا الإجابة عنها - دخول سفينتين حربيتين روسيتين البحر الأحمر - نظرة على الدورة الخامسة والخمسون لمجلس حقوق الإنسان - القدوة يكتب: حرب الإبادة الجماعية والأزمات الداخلية الإسرائيلية -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - ردّا على السيد نور الدين العلوي : التيّار القومي في محرقة الإستعمار

الثلاثاء, 02-يونيو-2020
صنعاء نيوز/ بقلم د رضا لاغه -
والصهيونية بقلم د رضا لاغه
ردّا على السيد نور الدين العلوي : التيّار القومي في محرقة الإستعمار والصهيونية بقلم د رضا لاغه



أرجو من الإخوة ترويج ونشر المقال.
~~~
حرصا منّا على دعم انفتاح القارئ العربي اتصاليا مع الفكر القومي ،فقد اخترنا موضوعا بالغ الأهمية للتباحث بشأنه.لذلك أعتبر أن هذا المقال يتنزّل في إطار فهم الفلسفة التي يقوم عليها المشروع الوطني الذي ينكره علينا البعض من حيث ارتباطه بالواقع العربي وانصاته الى محيطه القطري واستجابته لحاجيات الانتقال الديمقراطي.وبالتوازي مع حرصنا على تأمين بعد اتصالي توعوي ،أعتقد أنه من المفيد لتحقيق هذه القيمة المضافة في رسم استراتيجية اتصالية للتعريف بالتيار القومي ؛أن نعكف في سياق المسئولية النضالية لتيّار عريق ،على إبانة تهافت المساهمة المتواضعة للسيد نور الدين العلوي ضمن مقال يزعم فيه أنه أنجز مهمة بحثية ذات صلة بتوصيف أنتج في اعتقادنا شكلا هجينا ومشوّها من المعرفة بالتيّار القومي تحت عنوان: التيّار القومي العربي في محرقة الديمقراطية.
وقبل ولوج الموضوع لا بد من التنبّه إلى فخّ المقاربات التلفيقية التي تتمظهر أمامك أيها القارئ الكريم على مسرح الفضاء الافتراضي ،لذوات استسهلوا أو لنقل انجذبوا نحو الإثارة المشهدية ليغدو عندهم الحديث عن التيّار القومي عملا صناعيا في خدمة إيديولوجيا عمياء مبطّنة بالاستقلالية. وإذ نقول ذلك ،فإننا نؤمن بأن الفكر القومي ليس منزّها عن النقد قصد التقويم والتطوير ،شأنه في ذلك شأن كل فكر حرّ وعقلانية منفتحة ونشطة تأبى الانغلاق والتحجّر.
ثمة اذن مسألتان جوهريتان تميّز عملنا .تتعلق الاولى بفكرة تحوم حول سؤال: كيف ترى الفكر القومي من تحت الكلتوسة؟( شجرة الكافور وتسمى الكالتوس)
أما الثانية فتتعلق بالسياق التاريخي والمجتمعي والحضاري الذي تشكّل داخله وبمقتضاه التيار القومي.وهو بدوره يحوم حول سؤال: ما علاقة التيّار القومي بالاستعمار والصهيونية؟
ولعلكم لاحظتم عملية الابدال القصدي لسحب مفهوم المحرقة من كونها ذات صلة بالديمقراطية الى المحرقة في صلة التيار القومي بالاستعمار والصهيونية.وهو عمل منجهي غايته التصحيح ،اي نعم ولكن الأهم من ذلك رسم سياسة اتصالية موضوعية ومنصفة.
لنبدأ الآن من هذا المفهوم العجيب الذي رُمنا إليه لبلورة القسم الاول ألا وهو الكلتوسة.
نعلم جميعنا أن الجلوس تحت الكلتوسة يجعلنا نغنم بظلّها توقّيا من الشمس الحارقة .ولكننا لا نجلس تحتها فحسب ،بل قد نُقْبِلُ على تشمّم أوراقها في الصباح لنغنم بأكسوجين صاف وعذب بعيدا عن الاختناق بالقنابل المُسيلة للدموع .وقد ننام تحتها فنطرد البكتيريات التي تتجسس علينا وقد نغلي أوراقها لتعقيم البيت طردا لوسواس الاعتقال السياسي.لذلك فاننا لو فككنا هذه الكلمة من حيث هي رمز اتصالي يعكس حالة نفسية للمتضلل تحتها ،سنجد أنها عنوان للدفء والراحة .ولكن وبشكل عجيب تجد من يجالسها يستلهم ،رمزيا،خطابا متمردا غير أنه انفعالي ،هوامي .إنه أشبه ما يكون بمدوّنة شعرية تعطي لصاحبها سلطة الكلام فتنتج تكثيفا وجدانيا لما يسميه أصحاب مقاربات الاتصال العمومي باعلام الجماهير.
ففي الوقت الذي نجد فيه السياسي العضوي مشتبك ومتلاحم مع مجتمعه ومستعد لدفع ضريبة إلتزامه وتمرده ضد السلطة الاكراهية للنظام الرسمي ،نجد أصحاب الكلتوسة في مأمن من مخاطر تلك المخاطرة المعانِدة للواقع تماما كحرصهم على التضلل بالكلتوسة هروبا من سياط الشمس الحارقة.
باختصار إن جوهر المشكلة تكمن في منزلقات الكلتوسة .إذ تُستَخدم كقناة لتمرير خطاب مثالي ومتعالي ينآى عن معايير الواقعية والنزاهة والانصاف.لذلك ليس غريبا أن نقرأ للسيد نور الدين العلوي تدوينة صيغت بُعَيْدَ فوز السيد رئيس الجمهورية قيس سعيّد بعنوان: تحت الكلتوسة ...اعلان تطوّع لوساطة سياسية.
لن أسأل هنا عن الخلفية ،فهي بلا أدنى شك عندي وطنية وهذا يُحسبُ للسيد نور الدين العلوي.ولكن أنظر معي : ما هي أداة الإخبار هنا؟
تمعّنوا ،هو يقول:« أحلم بحكومة فيها النهضة والتيار وحركة الشعب والشاهد والعياري والكرامة وتونس أخرى ونواب الاتحاد ومستقلين ،تُشكّل في أسبوعين».
كما تروْن الفعل التواصلي هنا يقوم على اخضاع الواقع للحلم،ليبقى الأفق من باب التمنّي الصرف.
لهذا السبب فإننا نقترح ان يكون المدخل الموضوعي والسليم لتغيير أو احراز هدفية ما ،إنما يبدأ أولا وأخيرا من الفعل والنفاذ الى الممارسة .لطالما استحالت الأحلام كوابيسا لكونها تفتقر الى اجراءات على الأرض.وهذا لعمري أشد وانكى أنواع المحارق.
وما دام أقصى ما يرنو إليه الجالس تحت الكلتوسة أن يلعب دور الوساطة ،فسرعان ما تتأسس لديه أوهام الذود عن الحلم.إذ بدل أن يُسْلِمَ نفسه لفهم حقيقة المشكل ويجهد نفسه في البحث عن الحلول ،يلحّ على اقتناء حلّ جاهز فيستصدر من ذاته قانون تجريم طرف يسدد له حنقه العارم .وهذا ما سرى في منطوق السيد نور الدين العلوي وهو يتحدث عن التيّار القومي الذي حوّله بطريقته الى وزارة العدل كمتورٌط في جريمة "ذبح الاسلاميين".
وليعلم القارئ الكريم انه لا يهمنا في الواقع محاورة ما يسوقه صاحب الكلتوسة من مبررات ضعيفة لموقفه الحاقد على الفكر القومي.وإن كان من الهيّن علينا أن نفطن لسبب هذا العداء الذي صاغه وهما وزيفا: ذبح الاسلاميين في إشارة خبيثة تفوح منها فتوى ذبح القوميين كسلوك ناجم عن الذود عن النفس .وهذا ليس بالامر المُجانب للحقيقة.إذ يعلم القاصي والداني التهديدات الخطيرة التي تعرّض لها المناضل الشرس أمين عام حركة الشعب السيد زهير المغزاوي وغيره من كوادر الحركة أخصّ بالذكر الدكتور سالم الأبيض.و بالتالي حتى من الناحية البروتوكولية الشكلية اختيار صورة أمين عام حركة الشعب وحشره مع صور لحفتر والسيسي وبشار الأسد بشكل اسقاطي فيه الكثير من التوجيه والحيف.إذ الصورة قامت على دمج مقصود لرؤساء دول في اشتباك مباشر مع تنظيمات اسلاموية و زعيم سياسي حصد مكانته من صناديق الاقتراع ومارس دورا رياديا في تعزيز الانتقال الديمقراطي خصوصا في ضوء سقوط حكومة السيد الحبيب الجملي وتعنّت حركة النهضة للقبول بمآلات التحوّل النوعي الذي طرأ على المشهد السياسي وفق مخرجات انتخابات 2019.
وما دمنا نستند في ردّنا الى مبادئ الفكر القومي ،فإن هذا الإلتزام يضعنا ابتداء عند مسألة جوهرية مفادها :
في التمييز بين التيّار القومي والنظام العربي الرسمي
وبما أن الفكرة القومية ليست حكرا على الوجود العربي وانما هي اتجاه سياسي عالمي ،يتوجّب أن نذكر برقيّا ثلاث محاور أساسية ساهمت في ولادة الفكر القومي ككسب أنساني عالمي:
- مراجعة الفكر الديني مع لوثر وكلفان.
- ظهور العقلانية الانوارية مع هوبز وروسو وهيوم(الفصل بين السلطات وتعزيز نظام الحكم البرلماني).
- ظهور الثورة الصناعية وتآكل بنية المجتمع الزراعي.
وفق هذه الروافد الأساسية انبنى الفكر القومي على نظرتين متباينتين:
الأولى ترتكز على وحدة الإرادة .وهو تنظير فرنسي ظهر مع رينان .
الثانية ترتكز على وحدة اللغة .وهو تنظير ألماني ظهر مع هردر و فيخته.
إن هذا الوعي السياسي ،في مجمل أبعاده،أفضى الى المراهنة على تأسيس الدولة - الأمة كمبحث أصيل في الفلسفة السياسية.وهو موضوع قتلناه بحثا في رسالة الدكتوراه بعنوان: أزمة الدولة - الأمة في الفكر الفلسفي المعاصر(صدر تحت نفس العنوان عن دار اتحاد الكتاب التونسيين).
ولأن الوجود العربي جزء لا يتجزأ من الوجود الإنساني ،فالقومية العربية من حيث هي إيديولوجيا ،أو توجّه سياسي ،نشأت تاريخيا بإنهيار الدولة العثمانية أواخر القرن التاسع عشر. وتعتبر ردة فعل على موجة التتكريك من جهة والتصدي للحركات التبشيرية للاستعمار. هنا يتوجب الحديث عن المحرقة.فقد اُحتلت الجزائر (1830)وتونس(1881)وفُرضت الوصاية على المغرب (1912)من قبل الفرنسيين وأُحتلت مصر (1882)من قبل الانجليز وليبيا (1911)من قبل الايطاليين.
لذلك ليس مبالغة حين نقول بأن الفكر القومي واجه منذ ولادته محرقة جائرة فاندلعت ثورة 1919 بمصر وثورة 1920 بالعراق و سنة 1925 لسوريا وسنة 1934_1936 بتونس و سنة 1920-1929-1930-1933-1936 بفلسطين .
إن الكفاح القومي يعتبر ان الوجود القومي هو إختصاص الشعب بالوطن.لذلك لم نشأ الى غاية الآن الحديث عن التيار القومي ايمانا منّا بأن الحركة الوطنية هي انجاز لكل القوى التي آمنت بالحرية واستقلال الإرادة الوطنية .ويضاف الي ذلك اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور المشؤوم والذي بمقتضاه دخل الفكر القومي في صراع مزدوج مع الحركة الصهيونية .وليس ثمة ما يدعو الى البرهنة على القول بأن محاربة الصهيونية هي في حدّ ذاتها دحر للمشروع الاستعماري.ونكتفي في هذا الصدد بذكر ما نشره ألبير هياوسن في كتابه The Rebith of an Ancien people: «إن البلاد التي نقترح احتلالها سوف تضمّ - وذلك يخضع للترتيبات التي تراها فرنسا وبريطانيا مناسبة- : مصر السُّفلى بالإضافة إلى منطقة تمتدّ حدودها على خطّ يسير من عكّا إلى البحر الميّت ومن الطرف الجنوبي للبحر الميّت إلى البحر الأحمر».
كما يمكن الرجوع الى ما دوّنه شايم وايزمان في مذكراته (قيادي صهيوني من أصل بولوني عمل أستاذ كيمياء في جامعة مانشستر بريطانيا)حيث يعلن صراحة أن «اليهود لم يكن هم الذين أنشئوا وطنهم القومي في فلسطين بل إن السياسة الاستعمارية هي التي تكفّلت بتطويره».لذلك يؤمن أبناء التيار القومي أن الاستعمار تحرّك بضراوة لتحقيق هدف ملموس يعمل على فرض هيمنة الصهيونية في قلب الأمة العربية متّبعا في ذلك أساليب التقسيم لتجزئة الوجود القومي.من هنا ندرك أن عقيدة نضال التيار القومي تقوم على محاربة الاستعمار والصهيونية معا.
وبما أن الشعب العربي هو امتداد من البشر على نحو ما يردد دائما د-عصمت سيف الدولة ،صحّ القول بأن وحدة الوجود القومي تلغي مشروعية لا فقط الصهيونية كحركة عنصرية استوطنت في الأرض العربية ،ولا محاربة الاستعمار الذي فرض واقع التجزئة ،وإنما أيضا فضح الدولة الاقليمية وإن كانت ترفع راية قومية.إن هذه الحقيقة مهمة في فهم بداية تشكّل التيار القومي الذي نشأ خارج ولاء الدولة الاقليمية وهو خلط لاحظناه في طرحكم سيد نور الدين العلوي.هل تدري لماذا؟
أقول لك ،لأننا ندرك أن الطبيعة القومية للمشكلات تتعارض مع امكانات الدولة الاقليمية.وهو ما يفرض استقلاليةمبدئية
للتيار القومي عن النظام العربي الرسمي.ولأن حركة الشعب هي الرافعة الموضوعية لهذا التيار العريق في تونس ،فإني أسألك ،وهذا موثّق منذ التأسيس: هل لك أن تذكر ولو بيانا سياسيا واحدا ساندت فيه حركة الشعب حفتر أو السيسي؟
أمرّ لإعادة صياغة معطى أساسي في حديثك عن التيار القومي.فإن كنت لا تعرف فٱعلم أنه نتاج ثلاثة روافد:
- رافد فكري وديني ،فلسنا يسار دون انتقاص لمقامهم إذ نحن نؤمن بالاختلاف وهذا ما لم ألمسه في حديثك .وهو نزوع مخيف لفكر يكفر بالديمقراطية. وإلا كيف تُفسّر الانقسام القاتل الذي كاد يعصف بحركة الشعب حين إلتحق أمينها العام المؤسس الشهيد محمد البراهمي بالجبهة الشعبية وأبت الهياكل المركزية ديمقراطيا السير في ذلك الطريق.لقد كانت تلك أوّل ارهاصات البناء الديمقراطي لحركة الشعب.هل تذكر لي حراك راق مثيل ذلك عند الاسلاميين مقارنة بحزب في طور التأسيس كحركة الشعب لتتهمها بعد ذلك بحرق المنجز الديمقراطي.هل سارت حركة الشعب في درب اعتصام الرحيل حين حُميت الدفوف لاسقاط الترويكا!ألم يخرج الأمين العام السيد زهير المغزاوي معلنا بجسارة: نحن وان كنّا نميز بين شرعية الصندوق ومشروعية أهداف الثورة ،فإننا نرفض أن نسلك طريق الفوضى .
- رافد سياسي إيديولوجي يتطور ويعدّل بحسب السياق والظروف .ولعل حركة الشعب اجتهاد فكري لتيار غاص في جدل لا نظير له لشرعنة التحزب.فتآلفت أجيال تفصلها حقب وحقب فعملت الكوادر التاريخية مع الطلبة العرب مع طلبة قوميون وانصهر الجميع في خيار التعايش الديمقراطي وفق مقاربات على تنوعها فهي تحتكم الى قرار الهياكل .
- رافد مقاوم وجهته الجهاد في فلسطين و كنس للاستعمار بشتى عناوينه لعل آخرها معركة تجريم التطبيع التي خاضتها حرائر واحرار حركة الشعب.أذكر منها فقط إن كنت تنسى إيقاف الشريط السنمائي الصهيوني بقاعات العرض التونسية وربح القضية أمام القضاء التونسي .

في خاتمة هذا القسم الاول وقبل أن نشرع في القسم الثاني نقول: لن تتحوّل الدولة الاقليمية الى مؤسسة قومية لمجرد أنها تشارك في القضايا القومية دعائيا أو سياسيا أو عسكريا.و التيار القومي لا يستجيب إلا لمتطلبات النضال القومي الذي يقوم على قاعدة التمييز بين التنظيم القومي والنظام العربي الرسمي وإن تعددت ألوانه وشعاراته .
نأتي الآن الى فحوى المقال لنذكّركم سيد نور الدين العلوي بأن الكتابة عادة ما تقوم على ملكة خلق علاقات تفاهم بين مبنى النص والرسالة النصية.فليس مصادفة أن تتحوّل الحجة إلى ما يشبه المعركة التي تُبعِدُ الثغرات المحتملة فيما نقول.
انطلاقا من هذه القاعدة النصية افتتحتم سيد نور الدين العلوي مقالكم بما يلي:«المختبر السياسي التونسي يُفرز نتائج في كل فصل ومرحلة».
طيّب ،وماذا بعد؟
انطلاقا من هذا الاكتشاف المُعجِز خلصتم الى كونكم ستعتمدون هذه التجربة «كنموذج يُقاس أو يُقرأ بواسطته الواقع السياسي العربي الشامل».وفي هذا الصدد أيضا نقول: لكم ذلك .غير أنّ هذا الإختيار يقابله تساؤل لا مهرب منه: ألا يردد الأكادميون مقولة الاستثناء التونسي؟ألسنا إزاء خصوصية لتجربة تونسية متفرّدة لا يجوز سحبها على سائر الأقطار العربية التي تحوّل فيها الانتقال الديمقراطي الى اشتباك دموي ؟
بناء على ذلك لا أذيع سرّا لو قلت لكم سيد نور الدين العلوي أنني من الوهلة الأولى لقراءة المقال أدركت أن أعمدته واهنة .فأنتم تجدّفون في الوجهة النقيض للأكادميين .أكتفي هنا فقط بالإشارة إلى ما حذّر منه الدكتور هشام جعيّط. فما ينقص التجارب العربية هو الديمقراطية.وان كان لا بد من الايديولوجيا لتكن الديمقراطية هي الايديولوجيا الجديدة.وهذا ما يميز في نظره التجربة التونسية كاستثناء في المنطقة العربية .وها أنت ذا سيد نور الدين العلوي تتوسّل التجربة التونسية كنموذج تقيس به غيرها من التجارب.وهذا لعمري نسميه نحن في الفلسفة الخلف المنطقي .و الغريب أنكم سرعان ما تنسون ما عقدتم العزم عليه لتتشظى منهجيتكم بوضعكم عناونا فرعيا أسميتموه: الحالة التونسية فشل إضافي.لتتحوّلوا دون وعي من المختبر التونسي كنموذج تقيس به ما سواه من تجارب الى نتيجة تحاججون بها .وهو ما يحيل مرة أخرى الى مبنى مرتبك لا يتماهى مع المنطق.
وإزاء القرار الذي اتخذتموه في مطلع المقال بكون التجربة التونسية تصلح كنموذج خاص نقيس به ما هو عام وقعتم في زلل أكثر تعقيدا مما سبق فاقتبستم مفهوم دولة -إقليم القاعدة المنسوب للموقع الجيو- سياسي لمصر و أسقطتموه على تونس بضرب من التمييع المُخلّ.ومضمون القيادة المنسوب للتيار القومي هنا من تونس الثورة ليس المقصد منه قيادة الأمة نحو وحدتها وإنما والقول قولك نحو«الديمقراطية الحارقة»و بالتالي الاجهاز على الانتقال الديمقراطي.
المضحك في هذا الخبط العشوائي أن ما يحدث في الأقطار العربية : مصر ،ليبيا و سوريا يغدو هو النموذج أو المعيار الذي نقيس به سلامة هذا الانتقال من انحرافه.
في خاتمة هذا القسم الاول أريد أن أقول بأكبر قدر من الوضوح بأن التمشّي الذي اتّبعتموه سيد نور الدين العلوي لبسط نظرتكم للتيار القومي لا تليق بكم كأكاديمي أحمل عنه صورة طيبة ومساهم في انضاج الحياة السياسية والثقافية الوطنية . صحيح قد تحصل احتكاكات سياسية موالية لكل مثقف ولكن أن تنزل الى مستوى الحشد الايديولوجي الذي يستولي على العواطف فذاك مآل غير محمود.
الفكر الإنساني ليس بمنآى عن الخطأ والنقد والتعديل وكذا الشأن للفكر القومي ،فأنا نفسي كمنتسب للتيار القومي اختلفت مع قياداته ولكن الواقعية الحقة البعيدة عن الأحقاد تنتهي دوما الى بناء علاقة شراكة بين أفراد العائلة السياسية من جهة وشراكة مع مكوّنات المشهد السياسي ضمن ما نسميه نحن أبناء التيار القومي بالمشروع الوطني الجامع الذي جزمت أنه معدوم .وهو ما يستحثّنا لنفرد له حيزا إضافيا رغم حرصنا على عدم أن نشقّ على القارئ الكريم بكثرة الإطالة.
التيار القومي والمشروع الوطني ضمن ثورة 17 ديسمبر
ثقافة بدئية لفهم التيار القومي بتونس
لأن الوطن العربي هو البيئة الطبيعية التي نشأ بمقتضاها الفكر القومي المتولّد عن رفض التجزئة التي نالت من سيادة الأمة العربية ،فأن المحدد الأساسي الأول في فهم الطرح السياسي للتيار القومي يخرج بنا عن معنى الخضوع لتأويلات تاريخية أو سلالية أو دينية من شأنها أن تضع مصالح الأمة العربية الحيوية في خطر. و لأن الاعتراف بوحدة الانتماء لا يلغي مبدأ التنوع ، فإنه يفضي بذات القدر، إلى رسم الغايات الإستراتيجية التي تنشد بناء أمة عربية ذات سيادة. و لأن المقاربات التاريخية أثبتت لنا أن التجارب القومية لا يمكن أن تبنى من خلال الأهداف التوسعية للدولة الإقليمية ، فإن المسئولية المناطة على عهدة الشباب الطليعي العربي تصبح ابتداء كيف ننخرط في مهمة تطوير الفكر القومي؟
للإجابة عن هذا التساؤل يجب أن يتجه البحث إلى رسم برامج عمل نخطط على أساسه لبناء سياسي و اجتماعي واقتصادي وثقافي.
لا بد هنا من ملاحظات استهلالية:
أولا ، كيف نخطط في واقع سياسي عربي يرزح تحت وطأة المصالح الاستعمارية التي تكاد تكون مهمتها الوحيدة مزيد تفتيت الأمة العربية إلى كيانات عنصرية طائفية ومذهبية مصطنعة لا غاية لها سوى تبرير المشروع الصهيوني.
ثانيا،عندما يقال أن مهمة تطوير الخطاب القومي تبدأ من تجذير مفهوم الديمقراطية كركيزة و آلية للتنظم السياسي يحضرنا اعتراض أساسي السيد نور الدين العلوي الذي صادر حقنا في أن نكون ديمقراطيين.
يجدر التفكير مليّا في هذا الاعتراض القائم على فرضية إدانة التيّار القومي الذي رسّخ عوامل المقاومة وتصدى لعوامل التفكك التي فرضها الاستعمار وأعوانه و الصهيونية .
اللافت ، و نحن نتحدث عن حصيلة الربيع العربي نزوع إلى تجزئة كيانية أبعد مما كرسته اتفاقية سايكس بيكو.إن المصالح الجيوستراتيجية للدوائر الامبريالية ترنو إلى تفكيك المقدرات الاقتصادية للدول العربية.ولكن ماذا عن مسئولية التيار القومي؟ إذ لا يجب أن نكتفي بتوضيح مشكلة الربيع العربي ونتوقف في المقابل ، عن ضبط مهام موجّهة نحو إثبات الوجود السياسي للأمة العربية ، ولكن بعيدا عن الخيارات الشعاراتية.

كان يبدو عندئذ أن الاعتراف بفشل الربيع العربي ، هو في الوقت نفسه اندفاع نحو الديمقراطية. بمعنى آخر إن مقولة الفشل لا يجب أن تتحول إلى ذريعة لاستذكار الماضي المشحون بالانقلابات العسكرية كما يحلو للسيد نور الدين العلوي قول ذلك.ليس لنا إذن مدخل نحو هذه الأنا العربية ذات السيادة غير الممارسة الديمقراطية .

ما نودّ قوله ضمن هذه الرؤية التجديدية للعمل السياسي لدى حركة الشعب كرافعة للتيار القومي ، ليس صحيحا أن الديمقراطية هي علّة فشل الربيع العربي. فهناك تمفصل دقيق بين الوعي بمستلزمات الممارسة الديمقراطية و الفعل الجماهيري الهش الذي اشتمل على أخطاء.وهو التباس يحصل حتى لدى بعض الأكادميين الذين سيطر عليهم الإحباط من مآلات الربيع العربي على نحو ما لاحظنا ذلك عند السيد نور الدين العلوي. و كوننا لا زلنا في السنوات الأولى لمباشرة الديمقراطية بعد حقب من الاستبداد ، فهذا صحيح ،وهذا ما يدعو القوى القومية إلى الإحاطة بالجماهير ، و لكن أن نمهّد بذلك إلى تضخيم الخلاف مع الديمقراطية و كأن الشعب العربي غير جدير بها، فهذا هو المشكل.إذ بدل أن نتوجه إلى التفكير في سبل إنضاج الممارسة الديمقراطية ، نتوجه نحو التشكيك فيها كمقدمة لتصفية الخصوم بمسمّى الاستقلالية الزائفة.

إذا كان السيد نور الدين العلوي يشير صراحة ضمن إحالة المقال إلى لا ديمقراطية القوى القومية ، فإننا نقول له أن وظيفة المشروع السياسي لحركة الشعب ستكون فتح أفق المستقبل لمزيد الاهتمام بشروط الممارسة الديمقراطية لا نسفها.
هنا يطرح على حركة الشعب ، علاوة على مسلمة الديمقراطية كأداة للتغيير السياسي ، مفهوم الدولة الوطنية. و يتطلب الحديث عن الدولة الوطنية كما سنبين في إشارة سريعة ارتباط الدولة الوطنية بالديمقراطية من جهة و بمبدأ السيادة و الهوية و العدالة الاجتماعية من جهة أخرى.

في خاتمة ما تقدّم نقول للسيد نور الدين العلوي ومقامه محفوظ عندنا أن الهدف من هذه المساجلة التأكيد على نخبتنا للاحتكام إلى مفاهيم ومطارحات موضوعية.

انسجاما مع فكرة التشديد على أنه يتعين على القوى القومية في تونس أن يشتبكوا مع الواقع من أجل قضية مصيرية تستند إلى التزام مسئول بتجسيد المشروع الوطني. وفي الحديث عن مستلزمات هذا المشروع من المفيد التنبيه على أبناء التيّار القومي بقبول الرأي و الرأي المخالف لأن حركة الشعب وهي تصوغ المشروع الوطني الشعبي كوثيقة عمل ، فيتعيّن أن تطرحها لا فقط على عموم الشعب دون تمييز بل و أيضا على الأحزاب السياسية و مكونات المجتمع المدني لأنها تدرك إدراكا عميقا أنه لا قيمة لأي مشروع وطني لا يثمّن وحدة الشعب التونسي في علاقته بذاته كقطر عربي مسلم و في علاقته بالأمة العربية المقسمة بقرار استعماري صهيوني وتواطأ داخلي متستر أحيانا ومفضوح أحيانا أخرى.
د- رضا لاغه
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)