صنعاء نيوز -                        
واقع و تمظهر الفساد السياسي في المغرب يتجلى في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية وهيئات المجتمع المدني

الأحد, 29-أكتوبر-2017
صنعاء نيوز/بقلم: عمر دغوغي الإدريسي صحفي وفاعل جمعوي -

واقع و تمظهر الفساد السياسي في المغرب يتجلى في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية وهيئات المجتمع المدني المنخرط في اللعبة لأسباب متعددة، فالفساد في مفهومه الواسع والشامل فيروس ينخر المجتمع ولم يستثن أي قطاع بالنظر إلى الفضائح المالية والإفلاس الذي تتعرض له مؤسسات عمومية شعبية وإغراق أخرى في الديون، ورغم الأدلة المادية التي تدين مسئولين أسندت لهم مهام الإشراف على المال العام إلا أن تفعيل مبدأ المحاسبة غير فعال، مما زاد من عمليات التربح غير الشرعي وانتشار الرشوة والزبونية والمحسوبية بشكل واسع في الإدارات مما يهدد مستقبل قطاعات منتجة تعد بنية استقبال لليد العاملة.

إن الحديث عن الفساد والبحث عن السبل الكفيلة بمحاربته تحصيل حاصل فاغلب النخب السياسية مصابة بالوباء بشكل متفاوت خصوصا ما تبقى من أحزاب الصف الوطني الديمقراطي التي يتعايش كوادرها ومثقفوها وأطرها مع الفساد بدرجات متفاوتة عبر تكريس مفاهيم التبعية و الاولاء للزعيم والإقصاء وتغييب الديمقراطية الداخلية ومحاربة الأفكار الخلاقة وكذا النقد الهادف الذي يسعى إلى تطوير آليات الاشتغال الجماعي، وتحاول تنظيمات أخرى استثمار الفساد بشكل أو بأخر بحثا عن رضا الطبقة الحاكمة لتسلم السلطة بعيدا عن الخيارات الديمقراطية، معتبرة أن الإصلاح الجذري والشمولي لا يمكن ان يكون من الخارج بل لابد من المشاركة في اللعبة السلطوية لطرح حلول وبدائل لما هو كائن وموجود وهذا التصور معيب وتبرير غير مقبول لان القاعدة الجماهيرية أصيبت بالتفكك والذوبان ولم يعد الحديث عن القوة الاقتراحية بين أقطاب الصراع السياسي التاريخي والمعارضة الفاعلة والمؤثرة في المشهد السياسي وقياديو الصراع الطبقي دفاعا عن المصالح الجماعية المشتركة.

فالمشاركة في السلطة في ظل الأوضاع الفاسدة لا يمكن أن يحقق التطلعات الجماعية التي تصبو إلى تغيير حقيقي لان الفساد السياسي يؤدي بشكل فاضح إلى خلق طبقات اجتماعية فقيرة وأخرى تعيش الثراء الفاحش من خلال نهب المال العام واختلاس المؤسسات العمومية. وإفلاسها أمام غيا ب المحاسبة والمراقبة والتتبع.
الخطير في الصورة العامة إن الفساد لم يعد مقتصرا على قطاع معين بشمل بعض قاده الأحزاب والأجهزة الحاكمة التي تعمل على استغلال النفوذ السياسي لتوجيه القرارات والتشريعات و تصريف السياسة العامة في جميع المجالات وفق أجندات متفق عليها سلفا، للدفاع عن المصالح الخاصة لطبقه معينة تحقيقا ،للإثراء اللآمشروع من السلطة، وزيادة النفوذ المالي والاجتماعي لتوجيه الطبقات الاجتماعية، وتسخيرها بناء على خطط وبرامج معدة سلفا لأحكام السيطرة عليها بحثا عن تمثيلية دائمة في المؤسسات الدستورية للدفاع عن توجه معين للنظام الذي يعمل بدوره على مكافئة خدامه الأوفياء بالضمانات والامتيازات حفاظا على الاستمرارية.

إن التحكم في القرارات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية شكل من أشكال الاستلاب الذي يعاني منه المواطن المغربي الذي ينادي بدمقرطة المؤسسات ومحاربة كل أشكال الفساد لتوزيع الثروة الوطنية بشكل عادل ومسئول، إن استمرار نفس الآليات التي عطلت المشروع الديمقراطي الوطني وأنتجت الأزمات والتطاحن السياسي على السلطة في ظل توجهات وإيديولوجية متنافرة ومتباعدة في المطالب والتصورات والمنهجية المتبعة في تقويم الاعوجاج والأخطاء السياسية التي أدت إلى أزمة بنيوية في التعاطي مع الاستحقاقات من قبل قاعدة جماهيرية عريضة فضلت العزوف عن المشاركة في الشأن السياسي لاستحالة تحقيق تغيير جوهري على مستوى الأداء الحزبي الذي ظل حبيس صراعات هامشية لأقطاب وفصائل الى البحث المضني عن لقمة العيش الذي يعد بدوره احد العوامل الأساسية في مخاصمة العمل السياسي المصاب بالتحريفية والمصلحية وازدواجية الخطاب.
فالفساد في المغرب لا يرتبط بشخص في إدارة معينة وإنما يتعلق الأمر بفساد تنظيمات سياسية ونقابية وحقوقية وجمعوية ومنها العائلة، وهذا المعطى مرده حسب فهمنا إلى ضعف المراقبة والمحاسبة، وأيضا إلى ضعف السلطات التشريعية والقضائية وتهلهل دور المجتمع المدني الذي تم إلهاؤه بحفنة من الإعانات المادية وانخراطه في مشاريع هشة ولدت صراعات على الحصص المستحقة من المال العام بين أعضاء الإطار الواحد.
كما أن انتشار الفساد يمكن إرجاعه أيضا إلى انعدام الثقة بين المواطن ومكونات المجتمع المدني خاصة أحزاب الصف الوطني والديمقراطي التي راهن عليها المواطن طيلة سنوات لتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية الحقوق الفردية والجماعية في إطار دولة الحق والقانون، فالأحزاب التقدمية تنكرت لماضيها وتاريخها النضالي ولصف طويل من التضحيات الجسام واستبدلته بمناصب سياسية مما اشر على نهاية مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب السياسي الذي أنتج الأفكار والمعرفة والممانعة، لقد استبدل النضال الثوري والنضال المجتمعي المبني على تجسير الطبقية والفوارق الاجتماعية بتسويات باهتة نتيجة خيارات عامة بالانخراط في مشروع المهادنة في تعارض فج وعميق مع الإيديولوجية الحزبية بعيدا عن السعي إلى بلورة عقد اجتماعي يحقق للطبقات المسحوقة اجتماعيا ولعموم المواطنين الطموحات المشروعة في الديمقراطية والعيش الكريم وهذه الآمال العراض لا يمكن تحقيقها دون محاربة الفساد في أجهزة الدولة الذي يعد من مبطلات التقدم والتنمية.
إن شروط بناء مؤسسات دستورية قوية لا يمكن أن يمر دون اجتثاث واقتلاع الفساد بجميع تصوراته وتمظهراته في بنية المجتمع لان مخاض الوصول إلى الدولة الديمقراطية وبناء عقد اجتماعي ما يزال مستمرا ويتوخى في المقام الأول تعزيز مفهوم فصل السلطات تمهيدا لمؤسسة الدولة المدنية المعاصرة التي تحتكم إلى القيم الكونية القائمة على أساس نظام قوي للنزاهة يقف حائلا في وجه إنعاش الفساد والإفلات من المعاقبة تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة إلى جانب نظام اقتصادي يقوم على وقف اقتصاد الريع الذي ينتج الاستبداد والفساد والقلاقل الاجتماعية.
[email protected] https://www.facebook.com/Omar.Dghoughi.officiel/

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 24-أبريل-2024 الساعة: 03:21 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-56199.htm