صنعاء نيوز - بقلم: عمر دغوغي الإدريسي

الثلاثاء, 30-يناير-2018
صنعاء نيوز/ بقلم: عمر دغوغي الإدريسي -

النظريـــة الإصلاحيــة السلفيــة:
ترتبط هذه النظرية بالسلطان محمد بن عبد الله الذي أدخل إصلاحا على التعليم ، فركز على العلوم النقلية والتوجه العقائدي السلفي، والعناية بنشر كتب السنة تعويضا لكتب الفقه ، ومنع تدريس الفروع والعلوم العقلية، كعلم الكلام والفلسفة والمنطق وتصوف الغلاة والقصص الإخبارية.
لذا، أصدر السلطان نصا إصلاحيا موجها إلى عموم المجتمع لتنفيذه في تنظيم القضاء وإمامة المساجد والتعليم سنة 1203هـ، وإليكم نصه:
" ليعلم الواقف على هذه الفصول، أننا أمرنا باتباعها والاقتصار عليها ولا يتعداها إلى ما سواها:
الفصل الأول: في أحكام القضاة، فإن القاضي الذي ظهر في أحكامه جور وزور وما يقرب من ذلك من الفتاوى الواهية مثل كونها من كتب الأجهورية ولم يبلغ سندها إلى كتب المتقدمين فإن الفقهاء يجتمعون عليه ويعزلونه عن خطة القضاء ولا يحكم على أحد أبدا.
الفصل الثاني: في أئمة المساجد، فكل إمام لم يرضه أهل الفضل والدين من أهل حومته يعزلونه في الحين ويأتون بغيره ممن يرضون إمامته.
الفصل الثالث: في المدرسين في مساجد فاس، فإنا نأمرهم أن لا يدرسوا إلا كتاب الله تعالى بتفسيره وكتاب دلائل الخيرات في الصلاة على رسول الله (ص)، ومن كتب الحديث المسانيد والكتب المستخرجة منها والبخاري ومسلما من الكتب الصحاح، ومن كتب الفقه المدونة والبيان والتحصيل، ومقدمة ابن رشد والجواهر لابن شاش والنوادر والرسالة لابن أبي زيد وغير تلك من كتب المتقدمين، ومن أراد تدريس مختصر خليل فإنما يدرسه بشرح بهرام الكبير والمواق والحطاب والشيخ علي الأجهوري والخرشي الكبير لا غير.
فهذه الشروح الخمسة بها يدرس خليل مقصورا عليها، وفيها كفاية، وما عداها من الشراح كلها ينبذ ولا يدرس به، ومن ترك الشراح المذكورين، واشتغل بالزرقاني وأمثاله من شراح خليل يكون كمن أهرق الماء واتبع السراب.
وكذلك قراءة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم كالكلاعي وابن سيد الناس اليعمري، وكذا كتب النحو كالتسهيل والألفية وغيرهما من كتب هذا الفن، والبيان بالإيضاح والمطول، وكتب التصريف، وديوان الشعراء الستة، ومقامات الحريري، والقاموس ولسان العرب وأمثالهما مما يعين على فهم كلام العرب لأنها وسيلة على فهم كتاب الله وحديث رسول الله (ص) وناهيك بها نتيجة.
ومن أراد علم الكلام فعقيدة ابن أبي زيد رضي الله عنه كافية شافية يستغني بها جميع المسلمين.
وكذلك الفقهاء الذين يقرأون الإسطرلاب وعلم الحساب فيأخذون حظهم من الأحباس لما في تلك من المنفعة العظيمة والفائدة الكبيرة لأوقات الصلاة والميراث، وعلى هذا يكون العمل إن شاء الله.
ومن أراد أن يخوض في علم الكلام والمنطق وعلوم الفلاسفة وكتب غلاة الصوفية وكتب القصص فليتعاط ذلك في داره مع أصحابه الذين لايدرون بأنهم لايدرون، ومن تعاطى ماذكرنا في المساجد ونالته عقوبة فلايلومن إلا نفسه، وهؤلاء الطلبة الذين يتعاطون العلوم التي نهينا عن قراءتها مامرادهم بتعاطيها إلا الظهور والرياء والسمعة، وأن يضلوا طلبة البادية فإنهم يأتون من بلدهم بنية خالصة في التفقه في الدين وحديث رسول الله (صلعم)، فحين يسمعونهم يدرسون هذه العلوم التي نهينا عنها يظنون أنهم يحصلون على فائدة بها فيتركون مجالس التفقه في الدين واستماع حديث رسول الله (صلعم ) وإصلاح ألسنتهم بالعربية فيكون ذلك سببا في ضلالهم".
بيد أن هذا المنشور الإصلاحي السلفي قد توقف مع ابنه مولاي سليمان الذي طالب العلماء بالعودة إلى ماكانوا عليه من كتب ومؤلفات ومصنفات سابقة، بله عن تجديد هذا النص القانوني الإصلاحي مرة أخرى مع المولى عبد الرحمن بن هشام ، إلا أن العلماء لم يأخذوا بهذا المنشور، ماداموا يفضلون كتبهم التي تعودوا عليها في التدريس والإقراء.
التعليـــم الطائفــي:
ارتبط هذا التعليم بالمستعمر الفرنسي الذي حاول أن يجعل التعليم المغربي تعليما طائفيا متنوعا.
وفي هذا الصدد، يقول السيد هاردي مدير التعليم مخاطبا المراقبين المدنيين بمكناس عام 1920م، ومزودا إياهم بمجموعة من التوجيهات لتمثلها، بغية السيطرة على المناطق التي كانوا يتولون قيادتها:"منذ سنة 1912م دخل المغرب في حماية فرنسا، وقد أصبح في الواقع أرضا فرنسية، وعلى الرغم من استمرار بعض المقاومة في تخومه، تلك المقاومة التي تعرفون أنتم وإخوانكم في السلاح مدى ضراوتها ، فإنه يمكن القول: إن الاحتلال العسكري لمجموع البلاد قد تم. ولكننا نعرف نحن الفرنسيين إن انتصار السلاح لا يعني النصر الكامل: إن القوة تبني الإمبراطوريات، ولكنها ليست هي التي تضمن الاستمرار والدوام،إن الرؤوس تنحني أمام المدافع، في حين تظل القلوب تغذي نار الحقد والرغبة في الانتقام، يجب إخضاع النفوس بعد أن تم إخضاع الأبدان، وإذا كانت هذه المهمة أقل صخبا من الأولى ، فإنها صعبة مثلها، وهي تتطلب في الغالب وقتا أطول.
ومن هنا، فقد سعت فرنسا إلى الأخذ بالنظرية الطائفية في مجال التعليم، فقد قسم التعليم المغربي إبان فترة الحماية تقسيما طائفيا بين المسلمين، والإسرائيليين، والأوروبيين.
ولكل طائفة ثقافتها الخاصة، وتعليمها الخاص، مع مراعاة وضعية كل فئة على حدة، ومن ثم، يرتبط تعليم المسلمين بثلاث فئات: تعليم النخبة، وهي فئة مثقفة نسبيا، وتتكون من رجال المخزن والعلماء وكبار التجار والأعيان، وطبقة جماهير المدن الجاهلة المحرومة، وطبقة جماهير البادية المنعزلة والمبعثرة.
وفي هذا السياق، يقول السيد هاردي:" وهكذا، فنحن ملزمون بالفصل بين تعليم خاص بالنخبة الاجتماعية، وتعليم لعموم الشعب.
الأول يفتح في وجه أرستقراطية مثقفة في الجملة، توقفت عن النمو الفكري بسبب تأثير العلوم الوسطية،إن التعليم الذي سيقدم لبناء هذه النخبة الاجتماعية تعليم طبقي يهدف إلى تكوينها تكوينا منظما في ميادين الإدارة والتجارة، وهي الميادين التي اختص بها الأعيان المغاربة.
أما النوع الثاني، وهو التعليم الشعبي الخاص بالجماهير الفقيرة والجاهلة جهلا عميقا، فيتنوع بتنوع الوسط الاقتصادي،في المدن يوجه التعليم نحو المهن اليدوية، خاصة مهن البناء، وإلى الحرف الخاصة بالفن الأهلي.
أما في البادية، فيوجه التعليم نحو الفلاحة وأما في المدن الشاطئية، فسيوجه نحو الصيد البحري والملاحة." أما عن المواد العامة التي ستتخلل هذا التعليم التطبيقي، فهي اللغة الفرنسية التي بواسطتها ستتمكن من ربط تلامذتنا بفرنسا.
إن أكثر ما يجب أن نهتم به هو الحرص على ألا تصنع لنا المدارس الأهلية رجالا صالحين لكل شيء، ولا يصلحون لشيء.
يجب أن يجد التلميذ بمجرد خروجه من المدرسة عملا يناسب التكوين الذي تلقاه، حتى لا يكون من جملة أولئك العارفين المزيفين، أولئك الآل منتمين طبقيا، العاجزين عن القيام بعمل مفيد، والذين تنحصر مهمتهم في المطالبة، هؤلاء الذين عملوا في المستعمرات الفرنسية الأخرى، وفي غيرها من المستعمرات على جعل التعليم الأهلي مصدرا للاضطراب الاجتماعي.
أما التعليم العتيق والأصيل المقترن بجامع القرويين، فقد اهتمت به فرنسا اهتماما خاصا، بإصلاحه وتجديده ومراقبته، لكيلا يهاجر المغاربة إلى مصر لنقل الأفكار السلفية الثورية التي كان ينادي بها جمال الدين الأفغاني، و محمد عبده، ورشيد رضا، وفي هذا الإطار، يقول المستر بيكي في كتابه (المغرب) سنة 1920م: " لقد احتفظت الحماية دون تردد بالتعليم القائم في هذه المساجد، وعملت على ترميمه، وعلى إعادة جامعة فاس إلى سابق إشراقها، ومن المؤكد أنه من مصلحتنا ألا يذهب المغاربة للبحث عن هذا النوع من التعليم الإسلامي العالي في الخارج، كالجامع المشهور، جمع الأزهر بالقاهرة."
وقد حدد السيد مارتي موقف فرنسا من التعليم الأصيل بالمغرب في كتابه (مغرب الغد) الصادر عام 1925م" إنه على الرغم من أن القرويين تجتاز أزمة خانقة ، فإنها لن تموت، بل لابد أن تتطور ذاتيا بتأثير الأفكار الواردة من الشرق، وفي هذه الحالة سينقلب الأمر ضد الحماية، وتصبح عاجزة عن التحكم في الأحداث.
ولذلك، يجب أن نعمل على تجديد القرويين؛ لأنه إذا لم نفعل ذلك نحن، فإن هذا التجديد الذي تفرضه الظروف سيتم بدوننا وضدنا،" ثم، يضيف:" إن تجديد القرويين سيمكننا من الاحتفاظ في المغرب بأولئك الشبان النازحين من عائلات مرموقة، بدل تركهم يذهبون إلى الشرق لتلقي العلم الذي ستحرمهم منه القرويين في حالة عدم تجديدها"، ثم يتساءل:" ماذا يمكن أن يأتي به هؤلاء الشبان من الشرق؟ " ألا يعودون بميول إنجليزية أو بروح النهضة الإسلامية والتعصب الوطني.
ومن هنا، يتضح أن هذه التدابير المختلفة المقترحة من أجل تجديد القرويين، والخاضعة لمراقبة فرنسية دقيقة، ليست أبدا تدابير ثورية، إنها لا تستهدف غير بعث الحياة القديمة نفسها التي كانت لجامعة القرويين، ولكن بصيغة جديدة، إنها تدابير ستمكننا من توجيه التطور الداخلي لهذه الجامعة، وهو التطور الذي بدأ يعلن عن نفسه منذ الآن. إن المثل القائل: "لا تحرك من لا يحرك ساكنا"، هو بكل تأكيد من أحسن المبادئ السياسية،ولكن عندما يتململ النائم، ويهدد بالاستيقاظ ، فإن الحكمة تقتضي، ولاشك، ألا يترك الإنسان نفسه يفاجأ بالأحداث.
"
يتبين لنا من خلال هذا النص بأن الإقامة الفرنسية كانت تخاف من ترك جامع القرويين بدون إصلاح شكلي؛ لأنها كانت تتخوف من الآثار الثورية الوافدة من الشرق؛ مما سيكون له تأثير سلبي على وضعية فرنسا بالمغرب بانتشار الوعي بين الشعب المغربي.
في حين، ما يهم فرنسا هو الحفاظ على أوضاع البلد كما هي، ولا يعني التجديد هنا عصرنة المواد وتحديثها وتجديدها، بل مجرد إصلاح سطحي، يهدف إلى إعادة جامع القرويين إلى فترتها المعهودة في الماضي، بتلقين المواد الدينية والشرعية واللغوية ليس إلا، وهي مواد لاتحرك الواقع السياسي، ولا تخدمه لا من قريب ولا من بعيد.
ومن هنا، كانت سياسية فرنسا في المغرب أن يسعى التعليم إلى المحافظة على القيم الموروثة نفسها لدى المغاربة.
وفي هذا النطاق، يقول السيد مارتي:" إنه لمن واجبنا، ومن أجل مصلحتنا معا، عندما نوجه مجهوداتنا لإدخال إصلاحات ثقافية في المجتمع المغربي، ألا نعمل على زعزعة هذا المجتمع، وألا نمس تقاليده.
يجب أن نعطي لجميع الطبقات " خبز الحياة" (يقصد التعليم) الذي يناسبها والذي هي في حاجة إليه، كما يجب أن نوجه تطور كل من هذه الطبقات في الإطار الخاص بها.
هنا كما في بلدان أخرى توجد بروليتاريا يدوية،ولكن ليس لدينا في المغرب بروليتاريا فكرية. فهل هناك أية فائدة في خلق مثل هذه البروليتاريا الفكرية، سواء بالنسبة لمصلحة المجتمع المغربي أم بالنسبة للسيطرة الفرنسية؟ يقينا، لا إن عملنا العظيم الذي نقوم به من أجل التجديد الثقافي يجب أن ينحصر فقط ضمن الأطر التقليدية لهذا المجتمع. وسيتوجه نحو البورجوازية التجارية والقروية، نحو موظفي المخزن، نحو رجال الدين ورجال العلم، وبكلمة واحدة النخبة يجب ألا نخلق- بواسطة التعليم- جماعة من الساخطين المستاءين اللا منتمين طبقيا،لنبق أسياد المستقبل، لنجمع بين الصفوة الاجتماعية والنخبة الفكرية، وذلك بمنح التربية الفكرية الرفيعة لأطر المجتمع المغربي وحدها، أولئك الذين يستطيعون استيعابها واستعمالها.
يتبع...


بقلم: عمر دغوغي الإدريسي صحفي وفاعل جمعوي [email protected] https://www.facebook.com/dghoughi.idrissi.officiel/
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 16-أبريل-2024 الساعة: 04:22 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-57773.htm