صنعاء نيوز - 
د نانيس عبدالرازق فهمي
في المنطقة العربية تداخلت العوامل  وتشابكت الأسباب المؤدية الى ما حل بها من دمار وفوضي وعدم استقرار مستمر منذ عام2011 عام

الثلاثاء, 15-مايو-2018
صنعاء نيوز/ د نانيس عبدالرازق فهمي -



في المنطقة العربية تداخلت العوامل وتشابكت الأسباب المؤدية الى ما حل بها من دمار وفوضي وعدم استقرار مستمر منذ عام2011 عام الثورات العربية ،وما زال المنحنى يتجه الى الأسفل بوجود أطراف إقليمية استحسنت حالة عدم الاستقرار التي عاشتها المنطقة في السنوات الأخيرة، وعملت على توسيع نفوذها باستغلال قوى محلية تابعة لها داخل أكثر من دولة عربية بل وتورط دول عربية في دعم وتمويل التنظيمات الطائفية والإرهابية .
وتعاني بعض الدول العربية أزمات وتهديدات وجودية غير مسبوقة بشكل يعصف بها كدول وطنية ،ويفقدها القدرة على العودة والنهوض مرة أخرى حتى على المدى البعيد، ولا سيما ليبيا وسوريا واليمن، واستمرت لفترة طويلة واستعصت على الحل رغم كل محاولات التسوية سواء سياسية او عسكرية لهذه الأزمات على المستوى الداخلي او الدولي ،لا شك أن هذه الأزمات تجمع هذه الدول ، وتجمعها أيضا مسببات استمرارها واستعصائها على الحل ، ومن أهمها عمق الخلافات بين الأطراف السياسية الداخلية في الدولة الواحدة ، فهي خلافات ممتدة عبر عقود قد تعود الى بداية تكوين هذه الدول بعد تحررها من الاستعمار التقليدي وحصولها على استقلالها فقد افتقدت وقتها وضع نموذج صريح او محاكي للدولة الوطنية الراسخة التي تقوم على قيم الوطنية والمساواة وتكافؤ الفرص ،وقامت على أسس النظام القبلي وما يستتبعه من ولاءات وانتماءات بدائية للعائلة او العشيرة او القبيلة ، وما ساد فيها كان نموذج غير عادل انحاز لطرف أو أطراف على حساب الأطراف الأخرى ودون مراعاة أي حقوق للآخر بل كان مطالبا بأداء واجباته دون التمتع بالامتيازات الموجودة. الأمر الذي ولد الفرقة والانقسام داخل الدولة الواحدة ، وأدى بعدما سنحت الفرصة والتي تمثلت في الثورات العربية الى حدوث انقسامات عنيفة بين جميع الأطراف بل وداخل الطرف الواحد ، وتعددت الفصائل و الفرق وتشتت مطالبها ،وصعب الاتفاق بينها على صيغة وطنية لشكل الدولة ، فكانت الخلافات بين الأطراف شديدة وعلى قضايا أساسية خاصة بعقيدة الدولة او أيدلوجيتها او أساسها الراسخ ، ورغبة كل فصيل في الحصول على أكبر مزايا وحرمان الآخر منها ، فلم يعتادوا جميعهم على المشاركة سواء السياسية او غيرها ، وهو ما ظهر جليا في الحالة اليمنية بعد سيطرة الحوثيين على مقاليد الأمور بعد انقلابهم وقتلهم للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ،ورفضهم للآخر وكل من يعارضهم وممارسة العنف ضده لإقصائه ، ناهيك عن انطلاقهم من أيدلوجية دينية لها خصائصها المتباينة مع ما حولها وخروجهم على الصيغة الوطنية للدولة اليمنية.
ونفس الحال في دولة ليبيا وتفارق الأشقاء نتيجة اختلاف انتماءاتهم وعدم وجود أساس واحد واضح يجمع مواطني الدولة ، فتباعدوا واختلفوا على تقاسم السلطة ،وأصبح هذا الصراع بين الساسة والعسكر الليبيين بالشرق والغرب غير معترف به دولياً أو أممياً وأدى الى تعمق الأزمة وإغراق ليبيا في مزيد من الصراعات والانقسامات والطائفية والاستبداد وزيادة الجماعات المسلحة العاملة فيها .
كذلك الحال في سوريا وهي الأزمة الأكثر تعقيدا عن غيرها في العالم العربي وانقسام المعارضة وتعقد تعريف المعارضة المعتدلة ،وصعوبة توحد مطالبها رغم عقد العديد من الاجتماعات من أجل الحوار بين الفصائل المعارضة .
فتشتت الانتماءات وغلبت الانتماءات القبلية على الانتماء للدولة صعب اتفاق الأطراف السياسية الداخلية وبناء على ذلك سعي كل فصيل الى تحقيق أهدافه ومصالحه حتى لو تطلب الأمر تفكيك وتقسيم الدولة الوطنية . فضلا عما يثبته مرور الوقت من أن اغلب هذه الفصائل والأطراف تفتقد الوعي بمفهوم ومحددات الدولة والحكم والمؤسسات والدستور.
ويجمع هذه الأزمات أيضا العامل الخارجي ، وتدخل العديد من القوى الإقليمية والدولية في الأزمة ، سواء من خلال ارسال قوات عسكرية مباشرة مثل ايران في الأراضي السورية والتي تحولت الى صراع بين قوي اقليمية ودولية، بل واحتلال تركيا جزء من أراضيها بدعوى محاربة الارهاب ، وتحولها الى ساحة مفتوحة من الصراعات ناهيك عن الضربة العسكرية الثلاثية لمواقع سورية بدعوى باطلة، وكذلك من خلال دعم الفصائل المسلحة عسكريا وماديا وغيره كالدعم الايراني لجماعة الحوثيين في اليمن التي استمرت حتى الآن بسبب هذا الدعم . فارتباط الأطراف الداخلية في أي دولة بأطراف خارجية يصعب تسوية الأزمة على الحل حيث تتداخل أهداف وأجندات الأطراف الخارجية فيها تحقيقا لمصالحها وفرض رؤيتها حتى لو اجتمعت هذه القوى الخارجية دون وجود الطرف صاحب الأزمة مثلما اجتمعت روسيا وايران وتركيا لتقرير مصير سوريا دون مشاركة أي طرف سوري اوعربي، وكأن مصير الشعب السوري ومستقبله، بات رهناً بلعبة الأمم، وتوازنات القوى الإقليمية والدولية .
ورغم استخدام الحل العسكري في بعض الأزمات إلا أنه لم يحقق الأهداف المرجوة منه ، كالأزمة اليمنية ، حيث جاء كخيار أخير وضروري بناء على طلب من رئيس الحكومة الشرعية لدعمها ، الإ أن الحرب على اليمن حتى الآن لم تؤت ثمارها بل خلفت أثارا خطيرة لعل من أهمها زيادة الصراع وامتداده الى الأراضي السعودية واستهدافها بالصورايخ الباليستية وتهديد المنطقة بأسرها ببوادر حرب اقليمية طائفية سنية شيعية بين ايران والسعودية كما توقعتها الدراسات الغربية لمستقبل منطقة الشرق الأوسط. وكذلك في الأزمة السورية وما يثار عن استهداف التحالف الدولي ضد داعش أي تقدم يحققه النظام السوري وقواته على الأرض من أجل استعادة سيطرته على الأراضي السورية وطرد داعش وغيرها ،واستهدافه إحكام سيطرة الموالين له على موارد الدولة السورية ولا سيما البترول ، مما استتبع الشك في مصداقية ما أعلنه التحالف الدولي من أهداف.
وان كنت أرى والكثيرون من المحللين والخبراء بل وحتى المنظمة الأممية الدولية ، الأمم المتحدة ، أنه لا سبيل لحل هذه الأزمات سوى بالحوار والحل السياسي والعودة الى طاولة مفاوضات تجمع الأطراف السياسية الداخلية باعتباره وسيلة لحل الخلافات ولغيرها من القضايا الهامة بالطرق الدبلوماسية السلمية وتجنب التوتر والسعي الي تخفيفه ، رغم أن هذا الحل لم يؤت ثماره حتى الآن خاصة في الثلاث أزمات السابقة حتى مع وجود المبعوث الأممي ،إلا أنه يستلزم في البداية إجراءات لبناء الثقة وتقريب وجهات النظر وصنع السلام قبل العودة لطاولة المفاوضات للاتفاق على شكل الدولة ، وذلك حتى لا يؤدي الحل السياسي الى زيادة الشقاق والانقسام بل والعداء مع صعوبة تحقيق التوافق وتقديم التنازلات من جانب الأطراف السياسية الداخلية.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 24-أبريل-2024 الساعة: 05:01 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-60226.htm