الإثنين, 02-يوليو-2018
صنعاء نيوز - الدكتور عادل عامر



انفجر الحديث عن ضرورة إعادة هيكلة وتطوير وتحرير الإعلام المصري بشقيه المملوك للدولة والخاص وفي ظل كل تلك التغيُّرات صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر -
الدكتور عادل عامر



انفجر الحديث عن ضرورة إعادة هيكلة وتطوير وتحرير الإعلام المصري بشقيه المملوك للدولة والخاص وفي ظل كل تلك التغيُّرات التي طرأت على المشهد الإعلامي والصحفي المصري بعد يناير 2011، إلا أن القوانين الناظمة للمشهد الصحفي والإعلامي ظلت عاجزة عن مواكبة هذه التطورات والتعامل معها أو حتى ضبطها، وهو ما أدى إلى جانب حالة عدم الاستقرار السياسي التي شهدتها البلاد خلال السنوات الخمس الماضية –

وخاصة التوترات التي لحقت أحداث 30 يونيو 2013م- إلى حالة فوضى إعلامية عارمة، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأصوات مجددًا مطالبة بالتدخل الفوري لوقف تلك الفوضى وإعادة ترتيب بيئة العمل الصحفي والإعلامي واحترام قواعد وآداب المهنة. وسرعة إصدار القوانين المنظمة للشأن الصحفي والإعلامي تلبية للاستحقاق الدستوري باعتباره طوق النجاة للخروج من نفق الفوضى والعشوائية.

لذلك جاء مشروع القانون الجديد واستمد مواده من نصوص دستورية صريحة غير مسبوقة في أي وثيقة دستورية مصرية سابقة وتقدم رؤية شاملة تحافظ على ريادة الاعلام المصري؛ وأكدت على حرية الرأي والتعبير؛ وإنشاء مؤسسات مستقلة لإدارة شئون الاعلام؛ وضمان استقلالية التنظيمات النقابية، ومنها النقابات الصحفية والاعلامية، وهي "نقابة الصحفيين" و"نقابة الاعلاميين"

فقد عكس القانون إرادة وطموحات الجماعة الصحفية والاعلامية في مصر لمستقبل الاعلام وحدود علاقته بالدولة والمجتمع؛ وبعد إطلاع على تقييم جاد للتجارب الدولية الرائدة في مجال الاعلام، لأعداد قانون متوازن ينظم عمل وسائل الاعلام ويكفل حيادها وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية في المجتمع، ويسهم في إعادة تنظيم قطاع الاعلام وفق قواعد الادارة الحديثة والمحاسبة.

ورغم اقرار الدستور الجديد بأغلبية كبيرة في مطلع العام 2014م؛ إلا أننا -وحتى اليوم- ما زالنا في انتظار إقرار تلك القوانين، حيث مرت عملية إعداد وإقرار القانون بمراحل عدة قد تكون مؤشر على الدوافع وراء التأخير الكبير في إصداره.

ألزم الدستور من خلال مواده (211،212،213)، السلطة التنفيذية بتقديم مقترح قانون يشمل تنظيم الهيئة الوطنية للصحافة، الهيئة الوطنية للإعلام، والمجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام، إلى جانب المواد التي تُنظِّم مسألة العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية وكذلك مقترح لميثاق شرف إعلامي توافقي يهدف ضبط عشوائية المشهد الإعلامي ووقف تجاوزاته ومحاسبة المسئولين عنها طبقًا للقواعد المهنية. منذ إقرار الدستور أصاب عملية إعداد تلك التشريعات حالة من العشوائية والتخبُّط الشديدين كانت السبب في تأجيل خروج القانون لفترة طويلة والدعم والترحيب الذي حظت به بين مختلف فئات المجتمع الصحفي والإعلامي، وقد قسَّمت العمل فيما بينها على خمس لجان، لإعداد مشروع قانون موَّحد لتنظيم المشهد الصحفي والإعلامي، يطوي بين نصوصه مواد تنظيم الهيئات التي أقرَّها الدستور. إلى جانب ميثاق للشرف الصحفي وتعديل على المواد المتعلقة بالحبس في قضايا النشر والعلانية.

ففي مادته "72"، نص على "التزام الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها"؛ وهى المرة الأولى التي يلزم فيها الدستور الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها وحيادها وتعبيرها عن كل المصريين.

وفي المادتين "212" و"213"، ينص الدستور على إنشاء هيئات إعلامية مستقلة لإدارة شئون الاعلام والصحافة بعيدا عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وعن جميع الأحزاب، بما يتيح للأعلام القيام بدوره المنوط به، كمنبر للحوار الوطني الحر بين كل الآراء والاتجاهات.

وفي المادة "77"، حرص الدستور على ضمان استقلالية التنظيمات النقابية ومنها نقابة الصحفيين؛ واختصاصها بطريقة قيد أعضائها ومساءلتهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقاً لمواثيق الشرف، وعدم جواز فرض الحراسة عليها أو تدخل الجهة الإدارية في شؤونها، أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي،

وأخذ رأي التنظيم النقابي في مشروعات القوانين المتعلقة به. أن القانون تضمن مزايا وضمانات عديدة لحماية حرية الاعلام واستقلاليته؛ وإعادة تنظيم المهنة وتقنيين اوضاع الاعلام الرقمي...الخ؛ وضمانات مماثلة لاحترام مواثيق الشرف وتحقيق التوازن بين الحق في الرأي والتعبير وحق المجتمع في إعلام مهني ومحايد

وهو ما يتضح في الاتي:

اولا: الغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر؛ باستثناء جرائم السب والقذف وازدراء الاديان؛ والغاء 11 مادة في قوانيين أخرى تخص حرية النشر والتعبير؛ لعدم وضوحها وتعارضها مع حق النقد الموضوعي؛ وحظر فصل الصحفيين، وحل النزاعات الصحفية عبر النقابة، واعتبار أي إجراء ضد الصحفي والاعلامي بالمخالفة لهذا القانون باطلة، اضافة الى ضمان الرعاية الصحية والاجتماعية للصحفيين والاعلاميين، وتجريم الاعتداء عليهم أثناء ممارسة عملهم، وضمان حريتهم الكاملة أثناء أداء مهامهم.

ثانيا: الحرص على ضمان استقلالية المؤسسات الصحفية والاعلامية عبر تشكيل عدد من الهيئات المستقلة تتولى ادارة شئونها، وهي "المجلس الوطني للأعلام"؛ ويختص بإدارة المنظومة الاعلامية الوطنية؛ و"الهيئة الوطنية للأعلام"؛ وتختص بإدارة الاعلام المرئي والمسموع؛ و"الهيئة الوطنية للصحافة"، وتختص بإدارة الاعلام المقروء والرقمي؛ إضافة الى إنشاء مجلس إدارة منتخب لكل مؤسسة مملوكة للدولة، وهو ما يعني رفع يد الدولة عن المؤسسات الاعلامية والصحفية العامة، وإدارتها ذاتيا تحت رقابة مؤسسات منتخبة.

وحرص القانون كذلك على التجديد المستمر لمجالس ادارة تلك المؤسسات؛ باشتراطه ألا تزيد مدة المجلس عن ثلاثة سنوات، وعدم جواز اعادة الانتخاب والتعيين للعضو الا لمرة واحد، كما الغى الديون المستحقة للحكومة على المؤسسات الصحفية، والتي كانت تمثل عبئا ماليا كبيرا عليها. وللهدف ذاته؛ راعى القانون ان يكون تشكيل المؤسسات الاعلامية الوطنية الثلاث متوازنا ويحقق تمثيلا لكافة أطراف العملية الاعلامية والمجتمع.

المجلس الأعلى لتنظيم الاعلام

وفي هذا الاطار نص القانون على تشكيل "المجلس الوطني للإعلام"، من خمسة عشر عضوا، منهم عضوين يختارهما رئيس الجمهورية؛ وعضوين يختارهما مجلس النواب من غير اعضائه، وثلاثة أعضاء من الصحفيين ذوي الخبرة يختارهم مجلس "نقابة الصحفيين" من غير أعضائه، وثلاثة أعضاء من الإعلاميين يختارهم مجلس "نقابة الاعلاميين"،

ومستشار عن "مجلس الدولة" يختاره المجلس؛ وعضو عن "الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات"، وممثل للرأي العام يختاره مجلس إدارة "اتحاد كتاب مصر" من غير أعضائه، وأستاذ للصحافة وآخر من أساتذة الإذاعة والتليفزيون يختارهما "المجلس الأعلى للجامعات".

الهيئة الوطنية للإعلام

وبالنسبة لـ "الهيئة الوطنية للإعلام"، نص القانون على تشكيلها من خمسة عشر عضوا أيضا؛ منهم عضو عن "مجلس الدولة"، وأخر عن "وزارة المالية"، وعضو عن "الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات"، واستاذ للأعلام يختاره "المجلس الاعلى للجامعات"، وعضو يختاره "الاتحاد العام للنقابات الفنية" من غير اعضائه، وعضو يختاره مجلس "نقابة الصحفيين" من غير اعضائه، واربعة اعضاء يرشحهم مجلس "نقابة الاعلاميين"، اثنان منهم على الاقل من الاعلاميين في وسائل الاعلام المملوكة للدولة، وثلاثة أعضاء يختارهم رئيس الجمهورية، وثلاثة أعضاء يختارهم "مجلس النواب" من غير أعضائه.

ونص القانون على ان يكون لكل مؤسسة إعلامية عامة مجلس ادارة يكون هو السلطة المهيمنة علي شئونها، ويصدر قرار بتشكيله من "الهيئة الوطنية للإعلام"، ويتشكل هذا المجلس من ستة أعضاء منتخبين، وأربعة أعضاء تختارهم الهيئة؛ اثنان منهم من الاعلاميين العاملين بالمؤسسة.

الهيئة الوطنية للصحافة

وبشأن "الهيئة الوطنية للصحافة"؛ نص القانون على عدم جواز عزل أعضاء الهيئة من عضويتها طوال مدة عضويتهم؛ وهي ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحد فقط؛ لضمان الاستقلالية التامة للهيئة، على أن تتشكل من ثلاثة عشر عضوًا، منهم عضوين يختارهما رئيس الجمهورية، وعضوين يختارهما "مجلس النواب" من غير أعضائه، وأربعة أعضاء من الصحفيين ذوي الخبرة ممثلين للصحف، وعضوين من العاملين بالمؤسسات الصحفية القومية؛ واثنان من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات يختار همها "المجلس الاعلى للجامعات"، وممثل لمنظمات المجتمع المدني المهتمة بشئون الصحافة، يختاره "المجلس القومي لحقوق الانسان" من غير أعضائه.

الضوابط الموضوعية

وضع ضوابط وشروط موضوعية لمنح تراخيص القناة التليفزيونية والاذاعية وشروط الإخطار لإصدار الصحيفة، وتنظيم عمل المواقع الإلكترونية، باشتراطه لحصولها على الترخيص، صدورها عن مؤسسة إعلامية برأسمال لا يقل عن نصف مليون جنيه؛ "نحو 56 الف دولار". وضع ضوابط لتنظيم المهنة واحترام مواثيق الشرف، وتجريم بث او نشر الدعوات العنصرية وامتهان الاديان والتعرض للحياة الخاصة للمواطنين، وحظر قبول الصحفي والإعلامي تبرعات او إعانات أو مزايا خاصة بسبب عمله، وعدم جواز عمله في جلب الاعلانات، وفي حالة المخالفة تختص النقابات الصحفية والإعلامية بمحاسبة أعضائها.

رغم أن التشريع الخاص -تحديدًا- بالهيئة الوطنية للإعلام، والمنوطة -طبقًا للدستور- بتنظيم شئون الإعلام المملوك للدولة كانت من المفترض أن تُمثِّل المُنطلَق لأي رؤية قد تستهدف تطوير وإعادة هيكلة منظومة الإعلام الرسمي.

فعلى سبيل المثال؛ يشهد المجتمع المصري في الشهور الماضية عملية متكاملة ومنهجية -تتدخل فيها أطراف عدة- تستهدف إعادة تشكيل المشهد الصحفي والإعلامي بالكامل، وقد برزت خلال الشهور الماضية بعض الملامح التي تشير لطبيعة هذا التحوُّل الذي يشهده الإعلام المصري، حيث تناولت تقارير صحافية ظهور كيانات وتحالفات جديدة ودمج مجموعة من القنوات والمؤسسات تحت مظلة واحدة، وأخرى في طريقها إلى الظهور في السوق الإعلامي، فيما يمكن أن نطلق عليه عملية لإعادة ترسيم الخريطة الإعلامية التي شهدتها السنوات الخمس الماضية

رغم التخوفات الكثيرة التي أثارتها عملية إعادة تشكيل المشهد الإعلامي الجارية في مصر اليوم حول إمكانية ظهور احتكارات جديدة لسوق الإعلام واضحة التوجهات؛ إلا أن القانون الجديد لم يقدم الكثير على هذا المستوى، بل أنه حقق تراجعًا عن قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996 والذي نصَّ على عدم جواز زيادة ملكية الشخص وأفراد أسرته وأقاربه حتى الدرجة الثانية في رأس مال الشركة على 10% من رأس مالها، ويقصد بالأسرة الزوج والزوجة والأولاد القصّر”. حيث نصَّ القانون الجديد على “ولا يجوز للفرد الواحد وزوجته و أولاده القصر الجمع بين ملكية أكثر من صحيفة أسبوعية أو شهرية أو إلكترونية، كما لا يجوز للفرد الواحد ملكية أكثر من 10 % من رأس مال الصحيفة اليومية. كما لا يجوز للفرد الواحد وزوجته وأولاده القصر ملكية أو المساهمة في ملكية أكثر من صحيفة”.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 26-أبريل-2024 الساعة: 11:52 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-61539.htm