صنعاء نيوز - المصدر: صنعاء نيوز

الثلاثاء, 08-يناير-2019
صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر -


إن العامل الاقتصادي يُعدّ قاسماً مشتركاً بين جميع أنواع الجرائم على مستوى الفرد والدولة، ويُظهِرُ البعد الاقتصادي بوصفه دافعاً مهماً وواضحاً للانضمام إلى الجماعات الإرهابية رغبةً للحصول على مكاسب اقتصادية أو مادية فإن انتشار الفقر والبطالة والتضخم والديون وارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية كل ذلك يؤدي إلى العجز عن تلبية حاجات الفرد الضرورية فضلا عن سيطرة طبقة مترفة أثرت بطرق غير مشروعة واستغلت المال العام وهيمنت على الاقتصاد بالنصب والاحتيال عبر المصادر غير المشروعة

(ظاهرة غسل الأموال)؛فكل ذلك يمكن أن يكون دافعاً للثأر من الكادحين والبائسين وطريقاً للانضمام إلى الجماعات الإرهابية للقيام بأعمال إرهابية وهذا سوف يشعرهم بالقوة والقدرة على إشباع حاجاتهم وعيش الحياة بصورة تكون عكس التيار الذي يعيش فيها الأفراد وهم مضطهدون

إن الأمن الفكري الذي يجب أن تستحثه المنهجيات العلمية والشرعية هو الذي يقوم على الفهم الصحيح للكتاب والسنة على منهج أهل السنة والجماعة، ويتأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان خُلُقُه القرآن، وكان يتعامل مع اليهود والنصارى والمجوس والمشركين تعاملاً يكفل للإسلام عزته وقوته ومنعته، ويبعد عن المسلمين التشاحن والتطاحن والتناحر والطائفية النتنة،

ويحمي أمة الإسلام من أن تكون كلأً مباحاً لكل غادٍ ورائح، ويقوم على مبدأ الإتقان الذي يحب الله العمل على أسسه، ويراعي مبدأ الكفاءة في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب لأن الحفاظ على هذه المعايير ينتج عن سلامة الفكر وبالتالي تتمخض عنه عقول سليمة تترفع عن أن تسير إلا في وضح النهار، وتكون منيعة قوية صامدة أمام كل محاولات استغلالها وابتزازها تحت ظل الشعارات البراقة المزيفة المغرضة.

إن الأمن الفكري مقدم ولا شك على الأمن العسكري {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82) سورة الأنعام. فالإيمان المنزه عن الظلم تكفّل الله لأهله بالأمن على مختلف أنواعه في كل زمان وعلى كافة الصُعُد! إن الفكر السليم الذي يتجذر في الأمم والشعوب يعد القاعدة العريضة التي تنشأ عليها خططها الطموحة ورؤيتها المستقبلية. فلا بد من العناية بذلك في معية التنمية البشرية في مختلف التخصصات العلمية والتربوية والتثقيفية والتطويرية وسائر المجالات الحيوية التي يجب أن تكون محل عناية المجتمعات الرائدة أفراداً ومؤسسات.

فالعقل السليم والمنتج السليم والحياة الكريمة في الفكر السليم القائم على عقيدة صافية ومنهجية سليمة وانتماء واضح نقي وتقدم ملموس. من هنا ينبغي على سائر مؤسسات المجتمع أن تلتزم بذلك في خططها التنموية الطموحة، وأن تضع بذوراً نقية يستمد منها الأفراد ثماراً يانعة. فعناية التنمية البشرية بسلامة الفكر خطوة رئيسة لتحقيق رؤية ناجحة فاعلة متجذرة ثابتة وفي رأس القمة بإذن الله دائمة.

عقبات أمام الأمن الفكري وهي تضخيم الزلات والأخطاء التي يقع فيها الشباب و غياب القدوة الحسنة و برامج تغريب الشباب و إلحاح الإعلام الخارجي على طعن الإسلام و ظهور خطباء الفتنة وأدعياء العلم و ضعف دور الرئاسة العامة لرعاية الشباب، واقتصار أنشطة الأندية على كرة القدم و عدم وجود خطة استراتيجية، وغياب التنسيق بين الجهات ذات العلاقة

إن العولمة الاقتصادية والمالية بشكل عام، في ظل استراتيجية الشركات المتعددة الجنسية ومنظّمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وسياستها، جعلت اقتصاد الدول، وبخاصة الفقيرة منها، أقل استقرارًا من خلال التحرر المالي، والتجاري، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، والسياسات الإصلاحية لمعالجة المديونية.

لقد أدَّت قواعد التجارة الدوليّة المتمثِّلة بشكل رئيس بفتح الحدود وتحرير القطاعات الصناعية والخدماتية والزراعية، أمام تدفق السلع والخدمات والأفكار من دون قيود جمركية، إلى الإضرار وأحداث الاضطراب في الصناعات المحلية والمؤسسات التجارية للدول النامية، لأن قطاعاتها ومنتجاتها الوطنية في إطار السوق المفتوحة، غالبًا ما تتصف بحجم صغير ومتوسط، ما لا يسمح لها بالمنافسة الكونية مع الصناعات الأجنبية للدول الصناعية المتطورة، أو مواجهة الاستيراد والمنتجات الرخيصة وفق المعايير الدوليّة. وبالطبع، هذا الوضع سيهدّد الوظائف وسبل عيش الناس المحليين

. أما بالنسبة إلى استراتيجية الشركات القائمة على التحالفات والانصهار والاستملاك عبر الوطني، من خلال الشراكة والاندماج بين الشركات العملاقة في ميدان البحث العلمي والتطوير والتكنولوجيا، ونقل فروع الإنتاج، فلقد أدَّت إلى احتكار السوق العالمية والتمركز وعزل دور الدولة تدريجًا في التنظيم الاقتصادي والاجتماعي،

كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدول النامية، لم تصب بمجملها في تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية، ولكنها يمكن أن تسبب صعوبات اقتصادية خطيرة من شأنها أن تنعكس سلبا على أمنيات التنمية المرتقبة على المدى الطويل. وانطلاقا" من ذلك، لا يمكن اعتبار الاستثمارات المباشرة الأجنبية كافة مساعدة على التنمية، إذ يمكن أن يكون بعض أنواع الاستثمار غير مفيد ويمكن أن يخفي سياسة معينة في طياته من أجل تحقيق مصالح اقتصادية على حساب الاقتصاد الوطني،

والدليل على ذلك، أن نظام الاستثمار العالمي قد سلب حق الدولة في الانتقاء من بين المشاريع الاستثمارية وتنظيمها طبقًا لأهدافها وأولوياتها القومية وبخاصة في قطاع الإنتاج الصناعي الموجّه نحو التصدير، ما أعاق التنمية وعرّض الاستقرار الاقتصادي للخطر.

كما أدى تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الإصلاحية، المتمثلة في خطط التقشف المالي، وفتح الحدود، وعمليات الخصخصة في أكثر من 70 دولة في العالم الثالث وأوروبا الشرقية، إلى فقدان هذه الدول سيادتها الاقتصادية والرقابية والضريبية والمالية، وزعزعة نظمها الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال تزايد الركود الاقتصادي والفقر والعجز والبطالة والتضخم والتفاوت في توزيع الدخل.

وأخيرًا كان من نتيجة سياسة تحرير الأسواق المالية والنقدية التخلِّي عن معظم الضوابط المحلية والتقليدية التي كانت تسيّر العمل المصرفي والنظم النقدية لعهود طويلة، وبروز كتل نقدية ضخمة بمليارات الدولارات توفرها البنوك وشركات التأمين وصناديق الاستثمار الدوليّة وصناديق التأمين والمعاشات غير الخاضعة للسلطة النقدية المحلية، وقد استخدمت في المضاربات بالعملات والأوراق المالية من أجل الربح السريع، وأدت إلى أزمات مالية واقتصادية في الدول النامية والناشئة حيث عجزت السلطات النقدية المحلية (البنوك المركزية) عن الدفاع عن أسعار الصرف وأسعار الفائدة وأسعار الأوراق المالية في البورصات

ا ن الأمن البشري يوفر محيطاَ ملائماَ للتنمية البشرية، بينما العنف أو التهديد بالعنف يجعلان التقدم المفيد في أجندة التنمية غير ممكن، لذا فإن تحسين سلامة الشعوب هو شرط مسبق. كما يمكن أن يشكّل تحسين التنمية البشرية استراتيجية للتوصل إلى الأمن البشري وذلك من خلال معالجة انعدام المساواة التي هي، في أغلب الأحيان، السبب الرئيس للصراع.

وكذلك يبقى تقوية بناء الحكم، تحسين المساعدات الإنسانية، الإنمائية والسياسيّة، تفعيل وتأمين إحترام القوانين، في إطار الأمن البشري. أن تناصر قضية إتاحة جو من الحريّة أفسح بكفالة التحرُّر من الفاقة، والتحرر من الخوف، والتمتع بحريّة العيش في كرامة. وفي هذا العالم الذي يتزايد ترابطًا يتعيَّن أن يتواكب التقدم في مجالات الأمن والتنمية وحقوق الإنسان. فلا تنمية بدون أمن، ولا أمن بدون تنمية. كما أن التنمية والأمن يعتمدان معًا على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون"

. كما تطرَّق إلى المسؤولية المحليّة والدوليّة عن توفير الأمن البشري بشموليته. وما من دولة تملك أن تقف بمفردها تمامًا في عالم اليوم. فنحن جميعًا نتقاسم المسؤولية عن أمن وتنمية بعضنا البعض. وإن كل الدول تحتاج إلى نظام للأمن الجماعي يتسم بالإنصاف والكفاءة والفعالية، وثم التزام الموافقة على استراتيجيات شاملة وتنفيذها من أجل مواجهة التهديدات كلها التي تمتد من الحروب الدوليّة مرورًا بأسلحة الدمار الشامل والإرهاب وسقوط الدول والمنازعات الأهلية إلى الأمراض المعدية المهلكة والفقر المدقع وتدمير البيئة". وقد ميّز بوزان بين خمسة أبعاد أساسية ليعطي نظرة موسعة إلى الأمن لتشمل الجوانب العسكريّة والسياسيّة والاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة.

إذًا أمام هذه المعطيات يمكن تحديد المكونات الأساسية للأمن البشري في إطار المسائل الآتية: الأمن الاقتصادي، الأمن الغذائي، الأمن الصحي، الأمن البيئي، الأمن الشخصي، أمن المجتمع المحلي (الأمن الجماعي)، الأمن السياسي.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 31-أكتوبر-2024 الساعة: 11:56 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-64439.htm