صنعاء نيوز - 
يقدم قطاع الطاقة نموذجا ملموسا لكيفية استجابة الاستثمارات بالفعل لتهيئة بيئة مواتية أفضل. فالطاقة قطاع رئيسي من قطاعات الاقتصاد المصري

الجمعة, 05-يوليو-2019
صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامر -

يقدم قطاع الطاقة نموذجا ملموسا لكيفية استجابة الاستثمارات بالفعل لتهيئة بيئة مواتية أفضل. فالطاقة قطاع رئيسي من قطاعات الاقتصاد المصري إذ يشكل 8.4% من إجمالي الناتج المحلي. وكان خفض أسعار الطاقة لسنوات طويلة وتجاهل التزامات السداد من جانب الجهات التجارية قد خلق نقصا حادا في الغاز عام 2014، مما حوّل مصر من دولة مصدرة إلى مستورد صافٍ للوقود، الأمر الذي أسفر عن الانقطاعات المتواترة في الكهرباء مما خلق اضطرابات في المجتمع.

ومنذ ذلك الحين، تم سداد جزء كبير من المتأخرات المستحقة لشركات البترول العالمية، وأدت إصلاحات دعم الطاقة إلى زيادة تراكمية في أسعار الوقود تراوحت بين 170% و360% وزيادة تعريفة الكهرباء 190% ليتحقق بذلك تقدما ملموسا تجاه استرداد التكلفة. وفي الوقت ذاته، تم التصديق على تشريع حديث لكل من قطاعي الكهرباء والغاز ودعّم بذلك الإطار التنظيمي، ومهد الطريق للمنافسة بالوصول على نحوٍ غير تمييزي لشبكات النقل والتحول في نهاية الأمر إلى أسواق منظمة للطاقة. وارتفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في عمليات التنقيب عن الغاز وإنتاجه،

وكان أبرزها اكتشاف حقل ظهر الضخم للغاز الذي سيتطلب وحده استثمارات تتراوح بين 11 و16 مليار دولار، وسيلغي عند تشغيله الحاجة إلى استيراد منتجات الهيدروكربونات (الغاز الطبيعي المسال وزيت الوقود الثقيل) لتوليد الكهرباء والاستخدام الصناعي. وفي قطاع الكهرباء، ساعد اتفاق رئيسي على اجتذاب التمويل التجاري (حوالي ثمانية مليارات دولار) لتوليد ما يزيد على 14 جيجاوات من الكهرباء من تكنولوجيا التوربينات الغازية عالية الكفاءة التي تعمل بنظام الدورة المركبة.

إن هذا المزيج من استخدام الغاز بكفاءة وتنامي نسبة الطاقة المتجددة يضع قطاع الكهرباء المصري على مسار الخفض التدريجي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وبعد معالجة مسألة إمدادات الطاقة، ينبغي تحويل التركيز الاستراتيجي للقطاع الآن نحو إضفاء الطابع التجاري وضمان الاستدامة المالية في التوسع المستمر لبرنامج الطاقة المتجددة وذلك عن طريق استثمارات القطاع الخاص.

تعتبر الطاقة قطاعًا كبيرًا في الاقتصاد المصري إذ يمثل هذا القطاع 8.4% من إجمالي الناتج المحلي. وتجمعت عدة عوامل تضمنت تسعير الطاقة بأقل من ثمنها بصورة مزمنة، وتدهور الموقف المالي للهيئة العامة للبترول، وتراجع الاستثمارات الجديدة من جانب شركات النفط الدولية ناهيك عن تراكم المتأخرات، وأدت هذه العوامل مجتمعة إلى خلق مشكلات نقص الغاز في 2014،

وبهذا تحولت مصر من دولة مصدرة للغاز بالصافي إلى دولة مستوردة للغاز بالصافي، كما أدى ذلك إلى انقطاع التيار الكهربائي، وما تبع ذلك من اضطرابات اجتماعية. ومنذ ذلك الحين، تم سداد دفعات كبيرة من المستحقات المتأخرة لشركات النفط الدولية، وأدت إصلاحات دعم الطاقة إلى زيادة تراكمية قدرها 170-306% في أسعار الوقود، و190% في تعرفة الكهرباء، وأدى ذلك إلى إحراز تقدم جوهري على صعيد استرداد التكاليف. وفي الوقت نفسه، تمت المصادقة على تشريعات وقوانين لتحديث قطاعي الكهرباء والغاز،

بهدف تعزيز الإطار التنظيمي وتهيئة السبيل من أجل منافسة أقوى. وفي إطار الاستجابة لتحسين البيئة الداعمة، انتعشت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع التنقيب عن الغاز والعمليات الاستكشافية، ومن أبرز ما تحقق اكتشاف حقل غاز ظهر الذي ينطوي وحده على استثمارات بقيمة 11- 16 مليار دولار. وفي قطاع الطاقة الكهربائية، أدى توقيع اتفاقية ثنائية كبرى إلى الحصول على تمويل تجاري (بقيمة 8 مليارات دولار تقريبًا) لتوليد ما يزيد على 14 جيجاوات من خلال محطة توليد كهرباء عالية الكفاءة باستخدام الغاز، وتبعًا لذلك تحول نقص قدرة التوليد إلى هامش احتياطي كبير.

وتواصل الحكومة خطتها الطموحة لإصلاح منظومة الدعم. وأدى تعديل أسعار الكهرباء في يونيو 2017، وهو التعديل الرابع في إطار برنامج الإصلاحات، إلى الوصول بأسعار الطاقة إلى أعلى من المستوى المستهدف وفق مسار التعرفة الأصلي الذي تم الإعلان عنه في السنة المالية 2013/2014. وأدى هذا إلى خفض الدعم بالقيمة الحقيقية، ونتوقع تحقيق ما يلي: (1) خفض دعم الطاقة كنسبة من إجمالي الناتج المحلي من 6.6% في السنة المالية 2013/2014 إلى ما لا يزيد على 3.2% في السنة المالية 2017/2018؛ و(2) زيادة معدلات استرداد التكلفة لتعرفة الكهرباء من 50% في السنة المالية 2013/2014 إلى 70% في السنة المالية 2017/2018. لكن أيًا ما كان الأمر،

وبسبب خفض قيمة الجنيه بأكثر مما هو متوقع، زاد الدعم بالقيمة الاسمية، ولم تعد الحكومة قادرة على الوصول إلى المستهدف الأصلي البالغ 2.5% من إجمالي الناتج المحلي بالنسبة لدعم الطاقة في السنة المالية 2016/2017. وينبغي أن نلاحظ أنه لولا الزيادة الكبيرة في الأسعار، لكان الدعم أعلى بكثير من المستوى الفعلي البالغ 3.9% من إجمالي الناتج المحلي. وعلى ضوء هذه التطورات والمستجدات، قامت الحكومة بمراجعة إطار المالية العامة متوسط المدى الخاص بها بغرض المحاسبة على نحو أفضل على الزيادات في تكاليف الوقود والكهرباء بسبب خفض قيمة الجنيه.

ووافق مجلس الوزراء مؤخرًا على مسار جديد للدعم يستهدف السنة المالية 2021/2022 بدلًا من المستهدف الأصلي للسنة المالية 2018/2019، وهي السنة التي سيتم فيها التخلص نهائيًا من دعم الكهرباء. ووفق السياسة التي اعتمدها المجلس الأعلى للطاقة في 2016، يدور محور التركيز الآن حول وضع أهداف للدعم بدلًا من المسارات السعرية التي تخضع لصدمات خارجية وقد لا تحقق بالضرورة القيود الخاصة بالموازنة. وفي قطاع البترول، تم إنجاز مقترح مشترك بين وزارة المالية ووزارة البترول للربط الآلي بصورة أكثر تواترًا لأسعار الوقود مع الأسعار العالمية بناء على حركات أسعار النفط الدولية وتكاليف النقد الأجنبي.

وستعمل آلية الربط الآلي بالأسعار العالمية التي تمت الإشارة إليها على تقييد تراكم الدعم غير المتوقع على الموازنة العامة للدولة على مدار السنة بسبب التقلبات في قيمة التكاليف التي لا يمكن السيطرة عليها، مع توفير بعض الحماية مقابل التقلبات الشديدة في أسعار المستهلكين. وتمضي الحكومة قدمًا أيضًا في تطبيق قانون الكهرباء لسنة 2015، وتنفيذ الإجراءات والتدابير المهمة لتشجيع الشفافية والمساءلة في قطاع الطاقة. على سبيل المثال، أصدر جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك ضوابط جديدة خاصة بجلسات الاستماع للجمهور لإتاحة قناة للمشاركة وتقديم الآراء التقييمية والملاحظات قبل اتخاذ أي قرارات تنظيمية كبرى بشأن التعرفة والتراخيص. ومع قيام قطاع البترول بتطبيق إصلاحات كبرى في سوق الغاز الطبيعي، يجري حاليًا بذل جهود موازية لتحديث إدارة وحوكمة هذا القطاع من خلال إيجاد كيانات منفصلة ومركزة لضمان تحديد الأدوار والمسؤوليات على نحو أكثر وضوحًا.

وثمة علامة فارقة تتمثل في إصدار القانون الجديد المنظم لأنشطة سوق الغاز وهو معلم على الطريق يمهد السبيل لسوق جملة تنافسي للغاز، ويدعم دخول مستثمرين من القطاع الخاص، ويسمح للغير بدخول هذه الشبكة. وينص هذا القانون على إنشاء مرفق جديد لتنظيم قطاع الغاز، والرقابة على عملية تحول السوق، مع توفير الحماية الكافية للمستهلكين. وعلاوة على ذلك، سيعمل هذا القانون الجديد وإطاره التنظيمي على فتح آفاق لفرص كبرى للتكامل الإقليمي بالنسبة لقطاع الغاز على نحو يسمح للبلدان المجاورة باستخدام شبكة غاز مصر إما لإعادة التصدير أو لتغذية السوق المحلي. ونتيجة لهذه الإجراءات والتدابير، نتوقع تحقيق ما يلي:

(1) خفض الفرق بين الطلب على الكهرباء وقت الذروة والقدرة المتاحة وقت الذروة من عجز مقداره 4.540 ميجاواط في السنة المالية 2014/2015 إلى فائض مقداره ألف ميجاواط في السنة المالية 2017/2018؛

(2) نشر وتفعيل كود إمدادات الكهرباء وتعرفة النقل في السنة المالية 2017/2018؛

(3) نشر تعرفة منفصلة لنقل الغاز، وكود النقل، وقواعد السوق، وإجراءات الموافقة في السنة المالية 2017/2018.

وبعد التحقق من الجدوى وجذب اهتمام المستثمرين من خلال برنامج تعرفة التغذية، اتخذت الحكومة إجراءات وتدابير للمضي نحو المزايدات التنافسية في المرحلة القادمة من مشروعات الطاقة المتجددة على نطاق المرافق. وهذا القرار مهم للغاية نظرًا لأن الخبرات والتجارب العالمية تبين أنه بعد المرحلة الأولى من تطور السوق بناء على برنامج تعرفة التغذية، تتيح المزايدات قناة معتمدة لتحسين فاعلية تكلفة الطاقة المتجددة. ونتيجة لهذه الإجراءات والتدابير، نتوقع إنجاز الترتيبات المالية النهائية بشأن 1500 ميجاواط من مشروعات يملكها القطاع الخاص لتوليد الطاقة المتجددة في نهاية السنة المالية 2017/2018.

وبالتوازي مع ذلك، تتخذ الحكومة حاليًا إجراءات وتدابير لتشجيع كفاءة استخدام الطاقة ومشروعات الطاقة المتجددة الصغيرة من خلال تشجيع الطاقة الشمسية الموزعة للوصول إلى المستهدف البالغ 300 ميجاواط من قدرات الطاقة الشمسية الموزعة المركبة.

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 25-أبريل-2024 الساعة: 10:50 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-66436.htm