صنعاء نيوز - كتب/ عبدالله ناصر بجنف

الأحد, 01-سبتمبر-2019
صنعاء نيوز/ كتب/ عبدالله ناصر بجنف -
عند تجولي للموقع الأثري لمدينة الزهراء والتي تبعد عن قرطبة مسافة 8 كم , أمر بتشييده الخليفة الأموي عبدالرحمن الناصر لدين الله في عام 936 , المعروف في إسبانيا باسم عبدالرحمن الثالث , هي عبارة عن مجمع ملكي متكامل احتوت على مسجد , مدرسة , حدائق , نافورات المياه وأَفْنِيَةٌ اي ساحات واسعة وصالون ملكي فخم لاستقبال السفراء والضيوف , في الوقت الراهن يتم ترميمة وتجهيزة لكي يتمكن الزوار من زيارته . مدينة الزهراء كان عبارة عن قصر أسطوري مازال الحديث عنه الى يومنا هذا بالرغم من مرور 1083 عاما. ولد في هذه المدينة الطبيب العربي أبو القاسم الزهراوي أبرز العلماء في عصره , حسب ما اشارت اليه الباحثة الإسبانية ماريسا بوينو من جامعة كمبلوتنسي في مدريد. تم تدمير مدينة الزهراء في عام 1010م نتيجة فتنة الأندلس ( الفتنة الكبرى ) بين المسلمين .

لم اتصور بانني اشاهد مكان كان يوما ما يمثل أيقونة الفخامة والمجد في عهد الدولة الأموية في الأندلس وإحدى أبرز مصادر العلم والمعرفة حيث احتوت بين جدرانها على مكتبة ضخمة أسسها الخليفة الحكم المستنصر بالله وصل عددها إلى 40000 كتاب وُضعت لها فهرسٌ دقيقة وتصانيف عديدة أغلبها من الكتب النادرة والمخطوطات ومجموعة من الأعمال الهامة في علوم الرياضيات , الطب , الفلسفة , الفلك والآداب بالاضافة إلى مجلدات المعرفة عن الحضارتين الإغريقية والرومانية باللغتين العربية والإغريقية لابرز عباقرة الحضارة اليونانية منهم أَرِسْطُو , أفلاطون , جالينوس , كلوديوس بطليموس كما كانت تحتوي على نسخ من كتب قيمة وثمينة منها كتاب تحت عنوان تاريخ روما لمؤلفه أبيان وكتاب المواد الطبية لمؤلفة دِيُسقُورِيدُوس وتعليقات الكندي والفارابي وابن سيناء . جاء ذكرها في مقالة مستفيضة عن مكتبة مدينة الزهراء نشرتها صحيفة لاراسون الاسبانية في عددها الصادر في 21 أغسطس 2019 . سخر الخليفة الحكم المستنصر بالله الذي حكم الأندلس في الفترة من عام 961 م إلى عام 976 م الأموال والجهود لانشاء مكتبة الزهراء حيث تم اقتناء الكتب او عبر استنساخها وكانت بعدة لغات , اراد بذلك تحويل قرطبة ومدينة الزهراء الجديدة إلى منارة العلم والمعرفة الإنسانية , لعبت المكتبة دور هام في اعداد وتأهيل الخلفاء والأمراء والفقهاء والعلماء , كانت أهم مكتبة في الأندلس . تعاقد الخليفة 200 من النساء من بين أفضل الخطاطات لنسخ المخطوطات القديمة , أبرزها لبنى بنت عبدالمولى المعروفة باسم لبنى القرطبية , وهي كاتبة ( أي ناسخة ) الخليفة الحكم المستنصر بالله , امتلكت خط جميل , وهي نحوية وشاعرة , تحملت مسؤلة قسم المسرح والكتابة وترجمة العديد من المخطوطات , تولت ايضا عدة مهام من بينها شراء الكتب , كما كانت سكرتيرة الخليفة. ساهمت بدور رئيسي في انشاء المكتبة في مدينة الزهراء الى جانب حسداي بن شيروط رئيس الطائفة اليهودية في الأندلس المولود في جيان في إسبانيا , أحد أبرز رجال الفكر والعلوم والطبيب الخاص للخليفة. مكتبة الزهراء نافست من حيث أهميتها العلمية مكتبة الحكمة العباسية في بغداد ومكتبة دار العلم الفاطمية في القاهرة .احتفظت بالعديد من المعارف الطبية أكثر تطورا في شبه الجزيرة الإيبيرية ( إسبانيا والبرتغال ) .

في عام 979 م أمر محمد ابي عامر الحاجب المنصور باحراق المكتبة ومحتوياتها تحت ضغط بعض الفقهاء المتشددين كما استغل ضعف الخليفة الحكم المستنصر بالله وتحول إلى حاكم فعلي في الأندلس , وبهذا استطاع محو أي أثر يمجد لعصر الخلافة الأموية في الأندلس , حسب المعلومات المتداولة تم انقاذ ثلاث نماذج من كتب تلك المكتبة وهي موجودة في مكتبة جامع القرويين في مدينة فاس المغربية . خلال السنوات الماضية بداء الاكاديميين الإسبان في الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات الاهتمام بتاريخ الأندلس والكشف عن بعض اسرارها وخفاياها, أخذت حيزاً كبيراً في دراساتهم وتحليلاتهم تمخضت عنها اصدار مجموعة من الكتب والمراجع تتطرق لتلك المرحلة الهامة بالرغم من مرور عدة قرون , تاريخ الأندلس مازالت حاضرة إلى يومنا هذا وهي إنعكاس لتلك الروابط بين الشرق والغرب بكل إيجابيتها وسلبياتها وهذا يبرهن بان البشرية وان تنوعت لغاتها وجنسياتها وحدودها , تجمع بينهما العديد من القواسم في عالم تجدد فيه آمال وطموحات البشرية بان يعم السلام والصداقة بين الدول والشعوب .


الصورة من بقايا آثار مدينة الزهراء , قرطبة. إسبانيا . تصوير عبدالله ناصر بجنف
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 16-أبريل-2024 الساعة: 01:29 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-67223.htm