صنعاء نيوز - 
عندما تنعجن لقمة العيش بالدم الغالي, وتنغمس بنكهة الخوف والرعب والألم والحرمان, وعندما تجد طفلاً صغيراً لم يتعدى عمره الثمان وردات يستتر خلف عربة كارلو خوفاً من أزيز الرصاص الإسرائيلي,

الأحد, 06-فبراير-2011
صنعاءنيوزغزة "الشرق" من علاء الحلو -
بسبب الإعتداءات الإسرائيلية المتواصلة

لقمة عيش "عمال الحصمة" في غزة معجونة بالدم ومغموسة بنكهة الخوف والحرمان



عندما تنعجن لقمة العيش بالدم الغالي, وتنغمس بنكهة الخوف والرعب والألم والحرمان, وعندما تجد طفلاً صغيراً لم يتعدى عمره الثمان وردات يستتر خلف عربة كارلو خوفاً من أزيز الرصاص الإسرائيلي, وعندما ترى شيخاً هَرماً ينقب الأرض بحثاً عن الحجارة والحصى ليعتاش من دخلها هو وأسرته, ستتأكد حينها أنك داخل قطاع غزة المحاصر منذ عدة سنوات, والمحروم من أدنى مقومات الحياة الإنسانية.

بأنامله الصغيرة يلتقط الطفل محمد سالم الحجارة التي تناسب حجم كفه الصغير, ويلقيها في "دلو" قريب منه, وعند امتلاء الدلو يأتي شقيقه أحمد ويحمله ويفرغه على عربة الكارلو الخاصة بهم, وتتكرر هذه العملية حتى تكتمل العربة بالحجارة, فيترك والدهم التنقيب, ويذهب لإفراغها وبيعها للتاجر المختص, كي يحصل على بعض الشواقل التي تمكنه من سد رمق عائلته التي لا تملك سوى قوت يومها, وفي بعض الأحيان لا تملكه.

"الشرق" تجولت في المناطق الحدودية المحظورة بين قطاع غزة والنقاط العسكرية الإسرائيلية, التي تطلق النار على أي متحرك بجانبها, والتقت العديد من "عمال الحصمى" الذين يخاطروا بأنفسهم من أجل توفير المال الذي يمكنهم من الاستمرار في حياتهم التي يرغب عدوهم الإسرائيلي بتحويلها الى جحيم أو إنهائها بأتفه الطرق.

لا يشكلون خطراً

"إبراهيم السرسك" رجل مسن يجمع الحصمى على الحدود الشرقية لقطاع غزة, وعمله قريب جداً من نقطة عسكرية إسرائيلية تقوم بإطلاق النار بين الفينة والأخرى على المتواجدين بالمنطقة, يقول "نحن نعمل هنا في ظل هذا الخطر الشديد من أجل توفير لقمة العيش فقط, نحن مدنيون ولا نفكر سوى بتوفير المال, ولا نشكل أي خطر على إسرائيل أو على أمنها".

وتابع "كل ما نريده هو أن نَسلَم من الاعتداءات الإسرائيلية بحقنا, وأن تتركنا إسرائيل بهمنا وألا تزيد حياتنا صعوبة, فقلة حيلتنا وفقرنا الشديد ينغص حياتنا, ولا داعي أن يُطلَق علينا الرصاص, يومياً يصاب منا أشخاص, وقبل عدة أيام إستشهد عامل مثلنا وأصيب عاملين بجراح متفاوتة, هل كانوا يشكلوا خطراً على تلك النقاط العسكرية الإسرائيلية؟!".

وأضاف "نأتي منذ الصباح الباكر للعمل في هذه المهنة الشاقة, وننقب عن الحجارة حتى آذان المغرب, نحن نشعر بالخطر المحدق بنا من كل الإتجاهات, فنيران الإحتلال الإسرائيلي موجهة الينا معظم الوقت, كذلك خوفنا من أجواء هذه المنطقة النائية, وخوفنا الأكبر من الألغام الأرضية التي خلفها الإحتلال الإسرائيلي بعد عدوانه الأخير على غزة, واجتياحاته المتكررة لأطرافها".

وأشار السرسك الى أن المخاطرة التي يقوموا بها ليست مجدية بالقدر الكافي, فدخل الفرد في اليوم يكاد لا يتعدى "30" سيقل أي ما يعادل "9 دولار", وقال "عندما أجمع الحجارة أذهب وأبيعها وأشتري بثمنها مستلزمات للبيت, وفي بعض الأحيان لا يكفي المال لشراء جميع ما نحتاج, فالدخل يبقى محدود, ولا يمكنه تغطية النفقات".

واستذكر السرسك يوماً من أيام الألم التي شاهدها وهو يمارس عمله في التنقيب, وقال "ذات يوم أطلقت القوات الإسرائيلية النار تجاهنا دون أي سبب, فانبطحنا جميعاً, وأصيب محمود ابن أخي الصغير, ولم يستطع أحد إنقاذه بسبب كثافة إطلاق النار, فظل يزحف على بطنه لمدة ساعتين حتى وصل الشارع العام, وتم إسعافه بعد ذلك".

واستمر تجولنا في المنطقة الى أن شد انتباهنا مجموعة أطفال يمارسوا ذات المهنة الشاقة, فتوقفنا والتقينا بهم, فقال الطفل فراس الجرو أنه يعمل حتى يوفر مصروف البيت وأنه يوفر يومياً قرابة "15" شيقل لمساعدة والدته, وأضاف "أنا أدرس في الصف الرابع, وأعمل بعد انتهاء الدوام المدرسي, المهنة شاقة جداً ولكنني ان لم أعمل ننام بدون عشاء, فوالدي لا يعمل بسبب مرضه ووضعنا الإقتصادي سيئ للغاية".

"أمي تقول أني لست مذنباً"

وفي ركن آخر من تلك الأرض القاحلة التقينا بطفل صغير كان يجمع الحجارة والحصمة بهدوء, وهو الطفل "سمير عبيد" بالصف الثاني الإبتدائي, فقال "أساعد والدي في تجميع الحجارة, ولا أعرف الثمن الذي يبعها والدي فيه, ولكنه يعطيني مصروفي, وأشتري به الحلويات من البقالة المجاورة لنا, وبالأمس اشتريت لعبة صغيرة".

وتابع الطفل سمير الذي يحوى جيبه على بعض "البنانير", قائلاً "أشعر بالخوف الشديد عندما أسمع إطلاق النار, وأجري نحو بيتنا لأختبئ من الصوت العالي للرصاص, ولكن أمي دائماً تخفف من ذعري, وتقول لي أنهم لن يقتلوني لأنني طفل صغير لم أقترف أي ذنب".

مصائب قوم عند قوم فوائد

وفي الناحية الأخرى التقينا بالعاملين في الكسارات "التي تعيد صناعة الردم وتحوله الى حصمة" على الخط الشرقي, وهم من يتعامل مع التجار الذين يجمعون الردم بطرق مختلفة, وإحدى هذه الطرق شراء الردم من المواطنين الذين ينقبون عليها والذين التقينا بعضهم, حيث أشار راغب أبو لبدة صاحب كسارة كبيرة الى أن كسارته تهتم بتفتيت وطحن الباطون, وقال "العمل لدينا ممتاز والربح وفير, ولكن المواد الخام في هذه الأيام سعرها مرتفع".

وأضاف "سبب ارتفاع أسعار الردم هو بدء نفاذه من غزة, فالمباني التي قصفت ودمرت خلال الحرب الإسرائيلية على غزة تم إزالتها وإعادة تكسيرها وتحويلها الى حصمى, والإعتماد الحالي هو على التجميع من بعض المصادر الأخرى, ومنها بعض مكبات النفايات القديمة التي ألقي بها الردم القديم في حين لم يكن يباع في السابق نظراً لتوفر حصمة الزلط القوية".

وأشار الى أن الردم والحجار الكبيرة الموجودة في غزة تكفيها لعدة شهور, وقال "كلما اعتقدنا أن الردم انتهى, نعثر على مصادر جديدة له, فارتفاع أسعار الردم فتحت شهية التجار على تجميعه بغض النظر عن الضرر الذي قد يلحقه هذا الأمر, فبعض التجار يفحرون باطن الأرض لإستخراجه مثلما حدث بالقرب من وادي غزة في الفترة الأخيرة".

أما الآلات المستخدمة في كسارة أبو لبدة فقال "لدي كسارتين أي طباشتين, إحداهما أسبانية والأخرى انجليزية, وتمكنا في غزة من صنع كسارات محلية, ولدينا كسارة تحوى كربالاً وهي تفرز الرمل عن الردم ومن ثم تقوم بتكسير الردم وإخراجه على هيئة حصمة, وطباشة أخرى تفرز الردم الكبير عن الصغير, ومن ثم يتم طحن الناتج أيضاَ".

وأكد أبو لبدة على أن إغلاق المعابر وعدم دخول مواد البناء الخام هو الذي ينعش عمل الكسارات, وأنه في حال فتح المعابر سيتم إيقاف عملها, وقال "عند فتح المعابر لن تجد لعملنا أي وجود في ليلة وضحاها".

السمسم والعدس

وفي لقاء آخر مع مصطفي حمد مراقب عمال في إحدى الكسارات, قال "نتعامل مع تجار الباطون الذين يجمعوا الردم, نقوم بتكسير الحصمة في موقع فرز الباطون الخشن عن الحديد والأوساخ, ننظفه ونكسره حتى يدخل في فتحة الكسارة, بعد ذلك ينزل الباطون على الكرابيل حتى يتم تنقيته من الرمل ومن ثم على الطحن ثم يتم تنقيته مجدداً ومن ثم فرزه, يتم فرز "العدس" وهو الخاص بالباطون, و"السمسم" الخاص بحجارة البناء والبلوكات.

وأضاف "بعد هذه العملية يتم توزيع أنواع الحصمة على التجار, بالتأكيد هذه الحصمة ليست كحصمة الزلط ذات الجودة والكفاءة العالية, ولكنها تؤدي الغرض الى حد ما, حيث اعتمدها المهندسون في مواقع البناء والتشييد وصب الأرضيات والأسقف والعمدان في المرحلة الحالية لعدم وجود بديل".

أما عن أسعار العربات, فقال "نشتري الشاحنة بتكلفة تصل من 1800-2000 شيقل أي بواقع 60 شيكل للطن, وبعد تنظيفها وتكريرها وتكسيرها وتنقيتها يصل ثمنها من 3000-3500 شيقل", حيث يعمل داخل الكسارة 30 عامل تقريباً منهم على الكسارات ومنهم من يكسر الحجارة الكبيرة بالمطرقة, ومنهم من يزيح الحجارة, ومن ينقلها بسيارات النقل الكبيرة.

وأشار الى شح الردم الموجود في قطاع غزة, وقال "باطون إزالة الأنقاض على وشك الإنتهاء, لذلك يسعى التجار الى التنقيب في المكبات القديمة التي كان يلقى فيها الردم, ويتم حالياً حفر هذه المكبات وبعض الأماكن الأخرى التي تحتوي على حجارة كبيرة واخراج الردم منها لبيعه للكسارات والإستفاده منه, على الرغم من الضرر الذي قد يلحقه ذلك بالطبيعة".

يُذكر أن قوات الإحتلال الإسرائيلي تستهدف باستمرار مزارعين ومواطنين يعملون على جمع الحصمة داخل ما أسمتها إسرائيل "المنطقة الأمنية العازلة" التي تفرضها على طول حدود قطاع غزة بعمق 300 متر، إذ أطلقت النار قبل عدة أيام على المواطن المسن شعبان قرموط من بلدة بيت حانون، ما أدى إلى استشهاده, اضافة الى استشهاد المواطن أحمد نعيم أحمد أبو وادي "22" عام, خلال جمع الحصمة قرب "مصنع الرمل" في انفجار قذيفة من مخلفات الجيش الإسرائيلي كانت مزروعة شرق حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة.









أوجاعنا نقشت على صفحات العمر , وعلي غبارها رسمت لحظات فرح خجولة !!

ها انت .. وها أنا .. أين هم ليتعرجوا على آهات الوطن المجهول الهوية .. المعروف المكان ؟!

ثمة ربع بسمة .. ونصف أمل .. ودمعة كاملة ... سنكمل النصف ونمضي ....



الصحفي والكاتب / علاء الحلو _ جريدة القدس

[email protected]
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 30-أبريل-2024 الساعة: 05:28 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-6780.htm