صنعاء نيوز - ثمة  نظريات  علمية  خاصة  بطرق  التأثير  على  الرأي  العام،  تعمل  بها  مؤسسات  دولية وإقليمية  تستخدم  وسائل  الإعلام

الأربعاء, 15-يوليو-2020
صنعاء نيوز/بقلم: د. محمد عمر غرس الله -

ثمة نظريات علمية خاصة بطرق التأثير على الرأي العام، تعمل بها مؤسسات دولية وإقليمية تستخدم وسائل الإعلام أداة لتحقيق أهدافها، وتستخدم - في هذا - فضاء الفيسبوك كأحد مجالات هذا التأثير في البلدان العربية، بالإستفاة من النسبة عالية في مستخدمي هذا الفضاء، حيث يتضح التأثير على القطاع العريض من الناس خاصة الشباب، حيث أن إنتشار الأخبار السياسية، وتحديد مجريات الاحداث لا يحصل عبثاً، فهذا أمر ليس متروكاً للصدفة كما يعتقد البعض، وليس أيضاً وفق لمسألة العرض والطلب كما يترأ لبعض السوقيين (من السوق) الذين يقولون بفكرة أن كل شي خاضع لهذا السوق بما فيها أخبار ومواضيع الأحداث الوطنية والقيمية.

فالمتلقي والمتصفح المنفعل، والمتسرع، والبسيط العابر (أغلب المتصفحين ينتمون لهذه الشريحة) في شيئا ما، لا يمكنهم إدراك كنه ما يظهر أمامهم من أخبار، وصور، ومقاطع مرئية، ونصوص وأفكار وأوصاف ومصطلحات، وذلك لإختلاف مشارب المتصفحين وتقاطعهم وإنفلاتهم، وهذا الأمر يعرفه قادة نظريات التأثير وفاعليها الكبار، فيقع هذا المتصفح في حبائل الفكرة، ويتحفز لها، وتقوده إلى حيث تريد دون أن يدرك او يعي، بل وهو متحمس ومتحفز، يتحول لما يشبه المسوق المجاني، ويتحول أيضاً لخروف منطلق ينطح كل من يصادفه. بتلك الفكرة وما أوحته له.

وفي هذا صار العدو (أردوغان) خبز الإعلام العربي اليوم يتصدر سُلم أولويات الرأي العام ويملاء الدنيا ضجيجاً، تعُج بأخباره وسائل الإعلام العربية، ومواقع الفيسبوك العربية أفراد وجماعات، وصارت تركيا حاضرة في أذهان المتصفحين العرب كموضوع محلي، أكثر من حضور أي شيء أخر، بعدما تمت إزاحة الإرادة العربية والمعبرين عنها بعمل متواصل منذ وفاة عبد ةالناصر حتى اليوم،

ففي ما يجري من تسويق لتركيا وأردوغان في الفضاء العربي، تم حشر قضايا التاريخ وتوهيم وإستحضار تصور ذهني توهيم (باريدوليا)، يكررها حتى متعلمون ومثقفون وأكاديميون عرب كبار ايضاً، فأنت تلاحظ الخلط في وصف تركيا اليوم بالدول العثمانية، وإستخدام وصف (الخليفة) و (الخلافة) و (السلطان) ..الخ، كوصف لأردوغان، سوى كان هذا الإستخدام من باب المدح او في نصوص النقد، فالمهم أن يبقى الوصف متداول، ويفعل فعله بالإيحاء النفسي، بمعنى إستحضار الفكرة في أذهان الراي العام وعقله الباطن.

وفي هذا لم يلاحظ الناس والراي العام العربي، ماذا وراء ولماذا يتم توهيم العقل العربي على هذا التصور، ولماذا يوضع الشارع العربي بين كل هذه الاوصاف والمواضيع، ومن وراء ذلك، وبخط موازي، لم يفهم أيضاً كيف ولماذا تم دفع الشارع العربي لتوهيم حالة وتحضيرها، على أن الحاضر يناقش الدولة العثمانية وكأنها موجودة وتمثلها تركيا اليوم، فتلاحظ في هذا الفضاء، تكرار نقاش عن دور الدولة العثمانية، وكأنها حاضرة اليوم بنفس معناها في عصرها (غلب على الرأي العام تصور أن تركيا اليوم هي الدولة العثمانية)، وتم في هذا الخلط بين دور محمد الفاتح ودور بارباروسا، ودور أردوغان اليوم كذراع لحلف الناتو وحليف إستراتيجي للكيان الصهيوني، وغلب وإنتشر ما يقوله وما يصرح به وما يفعله، على حساب الفعل العربي.

إذا من إستحضر هذه الحالة وكيف وماذا وراء ذلك، وكيف سقط في هذه الحالة العربي بمثقفيه ومتعلميه وساسته، بل وسقط في ذلك حتى المجتمع القبلي المتخلف المتعصب، الذي لا يحب حتى القبيلة المجاورة لقبيلته، وتحول وفي هذا السياق إلى محب وعاشق للاردوغانية والأذرع التركية يتغزل فيها صباح مساء، وصار العربي - يال الغرابة - داعية للدولة العثمانية، ومبرراً لما تفعل تركيا واردوغان في سوريا وليبيا وما تعادي به مصر، وكأن بلداننا مجرد إيالات عثمانية، وكيف تبدا لهذا العربي أن التدخل التركي، بلسم حضاري نحن بحاجة له، حتى صار فجأة اردوغان زعيم الأسرة العربية تستحضر صورته، وتعدد مفاتنه السياسية، على حساب وضعها الوطني والعربي القومي.

أن ما يحدث ليس مجرد حدث طبيعي، بل هو مشروع تم الإعداد له منذ زمن، له خطواته التي برمجت لإستدارة تركيا قفاز حلف الناتو نحو تحقيق أهداف مريومة، هذه الإستدارة بدأها عمل إعلامي مبكر جداً، منذ بث القنوات العربية لمسلسل (مهند ونور) التركي، مدبلجاً لعربية، بتلك الرومانسية والأحضان والقبلات الساخنة التي غزت تلفزيونات العرب، فهام فيها الشباب المراهق ذكور وإناث، وسلبت عقول شيوخ المراهقة المتاخرة، وهو أيضاً المشروع الذي سارت به سفن تركية موجهة نحو قطاع غزة في أضخم عمل درامي، حشدت له احزاب عربية متأسلمة ومتأخونه، تلقفها الشارع العربي المتعطش لفعل عربي نحو فلسطين، بعد أن أحجم العرب وتم منعهم من تقديم اية مبادرة فعلية تساند للفلسطينيين وتم تجريم أي عربي يقوم بذلك،

بينما منحت الفرصة الدرامية لأردوغان وتركيا، لكسب ود الشارع العربي، عبر مسلسلات سفن التضامن مع غزة، التي تم تمثيلها في البحر المتوسط ولو بقليلاً من الدماء الضرورية لتصديق الدراما، وفي وسط ماساة الفلسطينيين، ظهر فجأة توهيم البطل (التركي) اردوغان، الذي أيضاً برز فجأة في حوارات منتدى دافوس، حيث مارس أردوغان دور البطولة بحرفية درامية عالية، يرد على شمعون بيريز، ويخاصمه، أمام الملاء بارعاً في اقتناص الفرصة والحدث، لاعباً للدور بكل جوانحه مصحوباً ببث إعلامي ضخم، الأمر الذي أبرزه الاعلام العربي ووقع في تسويقه وحبائله، (رغم أن تركيا عملياً هي الشريك الإقتصادي الأول للكيان الصهيوني في المنطقة).

وتم ذلك كله بعد معاداة كل عربي، يحاول أن يدعم القضية الفلسطينية عملياً وفعلياً، وهكذا تم فتح مجال المزايدة الرخيصة وتلميع صورة أردوغان، وتقديمه لعالم العواطف في المنطقة العربية، وتركيا برئاسته تستحوذ على الشريك الفعلي الأكبر للكيان الصهيوني.
إنها مسيرة طويلة من عملية (الخداع) وتصنيع بطل وقفاز إسلاموية لحلف الناتو، تصاحبه آليات ضخمة تعملعلى تحديد سُلم أوليات القطاع العريض من الرأي العام في المنطقة، وصنع قائد لهذا الراي العام، حيث تمت إزاحة الأنظمة العربية التي إلى حد ما تساند فعلياً المقاومة القضية الفلسطينية بالسلاح والمال والتدريب الفعلي، ليفسح المجال للدور التركي الأردوغاني، وهذا كله لم يتم عبثاً، بقدر ما تم عبر سياقات سياسية تدريجية مرحلة مرحلة، وعبر تلميع بارع، بدأ بتصفية القضية العربية وقادتها وقوميوها ورجالها وتم تجريم جيوشها، وفتح المجال لسياقات جديدة جماعات إسلاموية إخوانية وداعشية وتنوعاتها، تسير في طريق لعبة الأمم، تقدم الأسلامويين بانواعهم وتنوع جماعاتهم، يقودهم أردوغان، قفاز حلف الناتو الإسلاموي، يتكي في ذلك على صناعة وإستحضار توهيم الدولة العثمانية، اردوغان الذي بدأ مهمته في الحرب على جسد سوريا والشعب السوري قتل وتشريد وسرقة ونهب، وحملته الكبرى السياسية على مصر ورعايته للجماعات الإرهابية، وعدوانه الغادر الظالم على الشعب العربي الليبي في دياره وهيمنته عليه وإدعائه بأن ليبيا ارث عثماني.

إننا نرى بوضوح، السيطرة على توصيف المعركة عبر تحديد سلم أولويات العرب اليوم حتى يتوه العربي عن فهم كنه ما يجري وفهم ماهي المعركة، عبر السيطرة الإعلامية المأهولة، وعبر الجماعات، ومنظمات تسيطر بقوة على فضاء التواصل الإجتماعي، حتى صعب على العربي اليوم، أن يقنع أخيه العربي بأن أردوغان، يعبر عن مصالح تركيا، وتركيا هذه تعمل من موقعها في حلف الناتو، ومصالحها الإقتصاية ونفوذها وهيمنتها، وأن أردوغان لا يعبر عن مصالحنا القومية والوطنية، والقبلية، وأن ما يفعله ليس فيه أية مصلحة للعرب وللدول العربية، وأن ما يقوم به ليس سوى عملية هيمنة ونهب تركي لدولنا وإمكانياتنا، وهي عملية محسوبة بدقة في إطار اللعبة الدولية وعبر حلف الناتو.

أن ما يجري تحديد واضح، وهو عبارة عن إدارة لسلم اولويات العرب، في إستحضار الدولة العثمانية وأخراج التوهيم من صناديق التاريخ لأغراض لعبة الأمم، وإستحضار العرب إيالات عثمانية، حيث يقول أردوغان على الأشهاد بأننا أرث عثماني (يال غرابة الزمان)، وتقول أذرع مشروع الأردوغاني في تونس (راشد الغنوشي) دون إستحياء أنه لولا تركيا لكانت تونس إلى اليوم تحت سلطة الأسبان، ويقول ذراع الأردوغانية (علي الصلابي) أن في ليبيا بقايا أتراك وتركيا جائت لتحميهم، وعبر الضخ الإعلامي يردد متصفحي الفيسبوك العرب بحماس موضوع تركيا وأردوغان بين الشهيق والزفير، دون أية إستحياء وشعور بالإنتماء للأوطان وللأمة، رغم تغنيهم بالوطنية واالقومية والعروبة.

أنما يجري يتطلب منا إستحضار الروح العربية وإرادتنا الوطنية المستقلة بشجاعة، ارادة وفعل وعمل ووضوح، وإستنهاض مشاعرها وروحها وإمكانياتها، وإفتكاكها من براثن معامل اللعبة الدولية التي تصنع للمشاهدين والمستمعين وللمتصفحين سلم الأولويات، والمواضيع، والإهتمامات، وتضع في أذانهم وأفواهم وأقلامهم، وبالتالي أذهانهم، ما تريد له أن يكون خبز الاخبار اليومي، ولا يجب علينا جعل تركيا وأردوغان تسيطر على ذهن الشارع العربي العام وسُلم أولوياته، فهذا يعد أولى أولويات مقاومة الهيمنة، فنحن أمة عربية وأوطان لنا وجودنا، وبلدان وشعوب لها ارادتها وسيادتها وقدرتها، ولسنا رعايا لدى أحد، وأنا وأخي على أبن عمين وأنا وأبن عمي على الغريب، وعلى الذين وقعوا في حبائل هذا المشروع الإستحياء من التاريخ والأوطان، فالذين يصعدون ويتمكنون تحت عباءة الأجانب دائماً يلعنهم التاريخ، وتلعنهم الأوطان، وتصنفهم الشعوب منعدمي الضمير الوطني، وعديمي الشرف.

هيا يا رجال
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 11:51 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-72077.htm