صنعاء نيوز - أنت تعود إلى لحظة عشتها ولم تكن على وعيٍ بها ..أنت تمارس مغالطة ..أنت تستهين بالآخرين ! 
- الآخرون ؟

الثلاثاء, 04-أغسطس-2020
صنعاء نيوز/بقلم محمد نجيب القاسمي‎ -
أنت تعود إلى لحظة عشتها ولم تكن على وعيٍ بها ..أنت تمارس مغالطة ..أنت تستهين بالآخرين !
- الآخرون ؟ ودّعت فوضاهم وانتهى الامر .
- بيد أنك تحتاجهم دوما سابقا ولاحقا وفي حفرك العميق!
- هو كذلك.. فأنا تركت فوضاهم ولم أتركهم هم ..أنا لم أترك نفسي وإن طرحت أشياء كثيرة فيها .
- دعك من وضع العراقيل ...
كانت لحظة الولادة الاولى حدثا بالنسبة أليك وحدك.
لم تكن حدثا أسريا فقد سبقك آخرون كُثْرٌ بل سبقك إليها كل مولود عبر ملايين السنين .بشرا كان أو حيوانا.
وحدهما آدم وحواء من البشر تميزا عنك بكونهما لم يخرجا بالولادة .
كنت نتاجا لفعل غريزي لا احد يستحضر توقيته وظروفه الخاصة بالدقة الكاملة.. وعلى أشهر حملك كنت تتشكل مادة مخصوصة واستعدادات فطرية كثيرة تتقاذفها ظروف قاسية بيد أنك كنت محاطا داخل الرّحم بالعناية الفائقة مهما أشتد خارجه.
هو الداخل دوما أكثر أمانا من الخارج ولذلك يلتجئ اليه المنكسرون فينطوون على ذواتهم ، على دواخلهم.
وها أنت تحفر في الداخل عسى أن تستعيد طمأنينتك وهدوءك الزائفين..فيا لَجُبنك !
انت لم تدرك بعد أني لا أحفر في داخلي هروبا الى نفسي بل لغاية مواجهتها وخلخلتها وغربلتها لأطرح منها زيفي وأُبقي على ما أتوهم أنه اليقين .
لحظة الولادة هي لحظة الانتقال من ارساء الاستعدادات الفطرية ولوازمها الى لحظة الكسب ..هي بداية التكامل والمواجهة بين الطبيعة والثقافة ..ستستعى الطبيعة الى الامتداد فيك ولكن الثقافة ستعمل على ان توظف الطبيعة فيك لتسخر الطبيعة خارجك لصالحك ..
هذه هي قصتك في الكون كله ايها الانسان .
وعلى مدى ملايين السنين ستراكم خبراتك وتتوسع سيطرتك وتدرك الاقاصي هناك بعيدا في البراري والسهوب والجبال والصحاري وفي المحيطات واعماقها وفي الفضاء الكوني كله او يكاد بيد انك تظل في حاجة ملحة الى سبر اغوار دواخلك العجيبة التي لن تقدر على استكناهها ولو عزمت او توهمت.
بداخلك نزوع لا ينقطع الى الفرح حتى انك اطردت من داخلك لحظة هبوطك صرخة البكاء علامة الحزن لتسمح للهواء المشبع حياة بأن يسكن داخلك ويبعث الحياة والحركة في كل خلية منك .
كان لا بد من انتظار الفرح بلا انقطاع واستبعاد الحزن بلا كلل .
كان هذا دأبك وما تزال.
وكنت على مدى السنين تبتهج بلحظات الولادة وتنتظرها ..وما ابهى مخرجات الولادة في كل الكائنات ...
وحدها لحظة ولادة قاسية في صغرك كنت حضرتها بألم وما تزال تتردد في مخيلتك وتتوجع لذكراها كما توجع الملايين من لحظات شبيهة قاسية منهم من نسيها ومنهم من نقشت في اذهانهم كالنقش على الصخر الصلد ..
كنت طفلا قبل العاشرة ووجدت نفسي في مشهد وضع ناقة لمولودها دون ان يكتمل الوضع.وحاول المحاولون وانت تطبع في ذهنك الصورة دون ان تشعر ولم يهتم احد الى ابعاد الاطفال امثالي وانتهى الامر الى نحر الأمّ واخراج مولودها ميتا ...
وكم حدث هذا عند البشر والحيوان وكم كانت الرحلة بين الولادة والموت لحظات سواء امتدت ثوانيَ أو أياما أو اسابيع او سنوات أو عقود ..النهاية محتومة معلومة فقط هي الكيفية مجهولة وسر جمالها وسحرها في انتفاء العلم بساعتها ..
الولادة الاولى ستجعلك بين كل ولادة لك واخرى تجمع في نقطة زمنية محددة ومتحولة بين الماضي والمستقبل وتكون أنت نتاجهما بصفة متغيرة لا شبه للواحدة بالأخرى ..ستكون إنسانا متعدّدا بتعدد لحظاتك وظروفك وميولك وضغوطاتك بل تصير أحيانا مع ذات أخرى مغايرة كيانا واحدا .
ولاتنس أنَّ بعد كل ولادة كبرى ستنتظر موتا كبرى وبين المحطتين ولادات وموتات صغرى بلا حصر ...فاحفر عميقا واجمع الحطام فمنه تنبعث الحان الترانيم تغريدات تطرب لها وحدك إن لم يشاركك الآخرون الطرب....

"حطام النمل" / محمد نجيب قاسمي : السفر الاول - الترنيمة الأولى - التغريدة الثالثة
الصفحة الثالثة ( بصدد الحفر )
--
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 26-أبريل-2024 الساعة: 02:41 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-72353.htm