صنعاء نيوز - في الآونة الاخيرة تم نشر الرسائل المتبادلة، قبل احتلال العراق سنة 2003 ، بين ديك تشيني، نائب رئيس الجمهورية في الولايات المتحدة وطارق عزيز

الأحد, 09-مايو-2021
صنعاء نيوز/ البروفيسور كمال مجيد -
في الآونة الاخيرة تم نشر الرسائل المتبادلة، قبل احتلال العراق سنة 2003 ، بين ديك تشيني، نائب رئيس الجمهورية في الولايات المتحدة وطارق عزيز، وزير الخارجية العراقي حينذاك. ركز طارق عزيز وهو يعاتب امريكا على نقطتين: في الاولى انه يشير الى قيام حزب البعث العراقي وامريكا بمحاربة الشيوعية في العراق بنجاح منذ ايام عبدالكريم قاسم. وفي الثانية انه يركز على تعاون الطرفين في الحرب ضد ايران منذ 1980 وحتى النهاية.
ان محاولة الشك في الرسائل لا تكذّب الحقائق المدونة ادناه. سأشرح باختصار، النتائج الكارثية لهذا التعاون وكيف تمكن العدو الامريكي واعوانه المحليون من تحطيم العراق واعادته الى الوراء لاكثر من قرن على الأقل، حيث فقدت الحكومة تأثيرها على الخلافات المذهبية والعنصرية والعشائرية والفئوية. بهذا الخصوص كتب السيد اسعد عبدالله علي في “رأي اليوم” الغراء في 7/5/2003 يقول: ((عقد التسعينات شهد ولادة المهن المنحرفة في العراق, نتيجة ضعف القانون وانحسار سلطة الدولة… التي كانت تحكم بالحديد والنار ضربتها الحرب الكونية ثم الحصار العالمي …وبعد 2003 حيث زالت الدولة البعثية، لتتشكل دولة بنظام مختلف، ظاهره الحرية والديمقراطية، وباطنه فوضى مخيفة مع تغييب غريب لسلطة القانون … ))
ان محاربة الشيوعية، بعد ثورة 14 تموز 195، شملت ايضا ً محاولة اغتيال الزعيم الوطني عبد الكريم فاسم واغتيال المئات من مؤيديه. لقد خلق حزب البعث المناطق المغلقة سنة 1959 لاعضائه ومؤيديه، كمنطقة الاعظمية والجعيفر، وتهجير المعارضين لسياسته منها، الامر الذي هزّمني وعائلتي بسرعة مخيفة من الصليخ الى الكرادة، مع رشق سيارتي بالحجارة.
تغيرت الامور في انقلاب سباط 1963 الدموي بصورة مخيفة. اذ تم قتل عبدالكريم قاسم وعشرات من ضباطه امام عدسات التلفزيون. مع اعلان الحكم العسكري ومنع التجول تم سجن عشرات الالوف وقتل ما لا يقل عن 5000 من خيرة العراقيين، معظمهم مات تحت التعذيب في قصر التهاية. كان بينهم عدد كبير من السياسيين والكتاب والاطباء والمهندسين من امثال سلام عادل وحسن سريع والكاتب البارع عبد الجبار وهبي، ابو سعيد، وبينهم اصدقائي في الدراسة مثل حسين هورماني وعبد الخالق البياتي ومعروف وحسين برزنجي وجبار بيروزخان والدكتور عدنان البراك وعضو الهيئة المؤسسة لحزب التحرر الوطني حسين ابو العيس وعبدالرحيم شريف، احد قادة حزب الشعب ..
في 1977 اخبرني مسعود بارزاني (( تغير السياسة الامريكية سنة 1975 بعد اجتماع سري جرى بين هنري كيسنجر وصدام حسين. )) وذلك بالرغم من انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين منذ 1967. كان ذلك تحضيرا ً لنشوب الحرب العراقية الايرانية لقتل ما لايقل عن نصف مليون من شعبنا المسكين بالاسلحة الامريكية،، بينها الكيمياوية منها كما في حلبجة، وبأموال عربية، مسلمة، من اثرياء الخليج وحكام الخليج. للتفصيل راجع:
US Chemical and Biological Warfare – Related Dual Use Exports to Iraq and their Possible Impact on the Health Consequences of the Persian Gulf War, Senate Committee on Reports of 25/5/1994 and 7.10/1994.
دفعت امريكا حكومة البعث عمدا ً لاحتلال الكويت بغية اشراك الجيش العراقي في حرب خاسرة لتحطيم ما تبقى من الاسلحة العراقية التي اشتراها العراق من امريكا واوروبا اثناء الحرب مع ايران (للتفاصيل راجع كمال مجيد، النفط والاكراد، منشورات دار الحكمة، لندن، 1997.)
بمناسبة اعلان الانتصار صرح القائد الامريكي شوارسكوف بابادة 41 فرقة عسكرية عراقية، اي اكثر من 300 الف عراقي بين قتيل وجريح ومفقود او مدفون في الحفر المسماة بالمقابر الجماعية . حول هذه الجرائم كتب باتريك سلويان يقول: ((والطريقة الاخرى للقتل كانت استعمال مكائن نقل التراب والجرافات المنصوبة على الدبابات والتي نتجت عن دفن الالوف من الجنود العراقيين وهم احياء… ولم يمت جندي امريكي واحد خلال عملية الهجوم.)) راجع
(Patrick Sloyan, Iraq Troops Buried Alive Says American Officers, The Guardian,,13/9/1991 )
لقد قصفت الطائرات الامريكية دون رحمة ملجأ العامرية لقتل 540 مدنيا ً من الاطفال والنساء. واقتصاديا ً تم قصف معظم المعامل، واحدة لتصفية وتعبئة حليب الاطفال في ابو غريب، كنت قد اشرفت على بنائها، اضافة ً لتدمير العشرات من الجسور ومحطات الصرف الصحي ومحطات الكهرباء العملاقة في دبس وبغداد والناصرية والبصرة.
ثم قتل العدو الامريكي اكثر من 560 الف طفل عراقي في الحصار الاقتصادي وذلك باعتراف وزيرة الخارجية، مادلين اولبرايت.
استمر القتل في حرب الاحتلال وبعد الاحتلال، بمشاركة الاحزاب الاسلامية مثل حزب الدعوة ومجلس الحكيم الاسلامي الاعلى ، في تلعفر والفلوجة ومدينة الثورة والنجف والبصرة والقائم وعشرات اخرى من المدن والقصبات. لقد خرب العدو الامريكي المحتل حارضنا وحضارتنا واشرف جنوده المنتشرون في شوارعنا على
فرهود تراثنا من متحفنا ومكتبتنا الوطنيتين وفرهود الدوائر الحكومية، عدا وزارة النفط.
لقد اعتدى العدو بصورة مخجلة على عرضنا وشرفنا في ابوغريب واستخدم العتاد المغطاة باليورانيوم بحجة نشر الديمقراطية الفاسدة منها، لقتل وتشويه الاجنة في بطون امهاتنا في الفلوجة والبصرة. لقد دخل الجنود الامريكان حتى في غرف نوم نسائنا لتفتيش ملابسهن الداخلية بحجة العثور على الاسلحة المحرمة. هكذا، باختصار، تحطم عراقنا!
هذه الجرائم البشعة غير الانسانية لم يرتكبها ابدا ً سوى الامريكان. فتأريخهم يثبت انهم اختصوا في القتل منذ حروب ((االكاوبوي)) ضد هنود الحمر وفي 280 حربا ً في العالم. انهم يقتلون حتى بعضهم البعض! ففي 27/4/2021 نقل مراسل البي بي سي، مستغربا ً، خبر ((مقتل 13000 مدني امريكي في الاشهر الثلاثة الاولى من هذه السنة وحدها.)) هذه هي حقيقة الديمقراطية التي ادعوا نشرها في العراق منذ احتلاله سنة 2003.
اذا ً من واجب الشعب العراقي اولا ً وقبل كل شيء التركيز على الجهاد للتحرر من هذا العدو وديمقراطيته المخيفة.
كعراقيين، علينا ان ندرك أن الولايات المتحدة كدولة استعمارية كبرى استغلت قابلياتها العسكرية واموال واراضي الدول العربية في الخليج للسيطرة على بلادنا وتفتيتها الى مكونات متخاصمة. الامر الذي فسح المجال للصهاينة الاسرائيليين للسفر الى المنطقة الكردية للسياحة والتجارة وحتى لشراء الاراضي، في حين لا يستطيع العراقي من الجنوب دخول المنطقة دون تزكية. ان شعبنا العراقي الصغير لا يستطيع حماية نفسه دون توحيد جهود كل المخلصين من مختلف المكونات ودون التحالف مع الشعوب المجاورة المنكوبة مثلنا.
لهذا بالضبط تم تقسيم شعبنا عنصريا ً ومذهبيا ً وتوجيهه ضد جارتنا ايران، المعرضة للحصار الامريكي القاتل، وتشويه سمعتها بل وسمعة المليشيات العراقية واللبنانية والفلسطينية البطلة واتهامها بالارهاب ، كما تعمل امريكا واسرائيل ليلا ً نهارا ً. ان هذا التصرف يزيد من آلام شعبنا المنكوب بالاحتلال. هناك الضرورة الملحة لنبذ الخطط الامريكية التي تدفعنا للهجوم على جارتينا في سوريا وايران و المنكوبتين مثلنا بالاحتلال والحصار الاقتصادي. بدل اشغالنا بهذا الهجوم هناك الآن الضرورة القصوى لانهاء الخلافات القائمة بين ابناء الشعب الواحد والتي تعمقت نتيجة الدستور المكوناتي.
هناك ايضا ً الضرورة القصوى لتنظيم الشعب بقيادة الكوادر القديرة من كل الاطياف، تلك التي تستطيع مجابهة السلطات وقهرها وهذا لا يتم دون وجود منظمة وطنية تؤمن بوحدة الشعب العراقي وبمساواة العرب والاكراد والتركمان والكلدو آشوريين والارمن. منظمة تشمل المسلمين والمسيحيين والصابئة واليزيديين. نحن العراقيون نحتاج الى نبذ الخلافات التي ورثناها من الحرب العراقية الايرانية التي خططها هنري كيسنغر ومولها شيوخ الخليج الذين يتسارعون الآن للاعتراف باسرائيل. اننا بحاجة الى فكر جديد وعمل جديد ضد الطائفية وضد الانحياز القومي والديني ومنع تقسيم الشعب الى “الاكثرية” و”الاقلية” واحتكار قمة الحكم بواحدة منها. فالنسيج العراقي المتعدد يرفض بشدة سيطرة كتلة انعزالية عليه بحجة سمو دينها او قوميتها. ان الادعاء بكون العرب او الشيعة هم الاكثرية فلهم حق قيادة الحكومة او الادعاء بأن للاكراد حق الانفصال او حتى الفيدرالية ادعاءات مفرقة في بلد مثل العراق وقد تم الاثبات على ضررها و فشلها. علينا التمسك بقانون ((العراقيون متساوون في كل الحقوق والواجبات!)).
ان امكانية النجاح في ثورتنا في تحسن مستمر فامريكا منشقة على نفسها ولهذا كتب توماس فريدمان في نيويورك تايمز في 6/5/2021 يقول (( نحن لسنا بخير. لا تزال ديمقراطية امريكا في خطر حقيقي. في الواقع نحن اقرب الى حرب اهلية سياسية
أكثر من أي وقت آخر في تاريخنا الحديث. ))
وهناك ايضا ً تحسن في العلاقات السعودية- السورية – الايرانية والذي يساعد شعبنا في الاعتماد على مساندة الاشقاء المجاورة لنا. وداخليا ً انفضح فساد الحكومات العميلة المصابة بالانعزال بعد الضحايا التي قدمها شعبنا في الثورة الامريكية الملونة في تشرين 2019. فلنتحد لانقاذ كل الشعب من الجحيم الذي يعيشه. ولنوحد كل من يمكن توحيده داخل العراق وفي المنطقة لتحقيق التحرر. ولنرفع شعار ((على صخرة الاتحاد الكردي العربي يتحطم الاستعمار الامريكي واذنابه! ))
كاتب عراقي
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 16-أبريل-2024 الساعة: 07:50 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-76777.htm