صنعاء نيوز - لعل هذا العُنْوَان لا الثقافة كما هو متعارَف، لها دور ايجابي في رفع الوعي المجتمعي، ولها مساهمة واضحة في بناء أركان الدولة، من خلال تطوير المجتمع

الإثنين, 07-يونيو-2021
صنعاء نيوز/ بقلم: عمر دغوغي الإدريسي -


لعل هذا العُنْوَان لا الثقافة كما هو متعارَف، لها دور ايجابي في رفع الوعي المجتمعي، ولها مساهمة واضحة في بناء أركان الدولة، من خلال تطوير المجتمع وتأهيله كي يكون مواكبا للمجتمعات المتقدمة، وما تحققه من آفاق واسعة في مجال التطور والاكتشافات الجيدة، فعندما تكون الثقافة جيدة يكون المجتمع بخير، وينعكس هذا على حالة الاستقرار والتفرغ للإبداع والإنتاج، كل هذا وسواه يمكن أن تحققه الثقافة إذا كانت ذا طابع متطور ومحايث للواقع العالمي المتقدم، فمن دون ثقافة متقدمة لا يمكن صناعة دولة متقدمة.

هذه المعادلة التي ترهن تقدم الدولة والمجتمع بالثقافة ليست جديدة، لذلك يذهب العارفون إلى الرأي الذي يقول (إذا هزلت ثقافة أمة ما، هزلت تلك الأمة)، فهناك رابط جوهري لا فكاك منه بين الثقافة والتقدم، شرط ايجابية الثقافة، بمعنى إذا كانت الثقافة عكس ذلك، أي قد تكون ذات طابع سلبي، عند ذاك سوف يتحول تأثيرها الايجابي بالقوة نفسها الى جانب سلبي، وفي هذا الحالة بدلا من أن تكون الثقافة تقدمية حضارية، سوف تذهب في المسار المناقض، وتصبح ثقافة تدميرية بمعنى الكلمة.

فما هو الدور السلبي للثقافة، وما هو تأثيرها على الفرد والمجتمع والدولة أيضا؟، نحن نركّز وأعني الكتاب والمثقفين عموما ومن يهمهم أمر الثقافة، على الجانب الجيد والتأثير المفيد للثقافة والمثقف في الأوساط المجتمعية المختلفة، ولكننا في الحقيقة لم نتحدث عن الثقافة فيما لو تحوّلت إلى مطرقة للتهديم بدلا من البناء، إننا لا شك نحتاج الى إلقاء الضوء على الثقافة التدميرية، ومتى يمكن أن تكون كذلك، وما هي الأسباب التي تجرد الثقافة من دورها الايجابي البنّاء؟

إن المسئول الأول عن تحويل الثقافة من مسارها الجيد إلى المسار الضار، هو المثقف بالدرجة الأولى، والبيئة الحاضنة له، لذلك بمعادلة بسيطة نستطيع إن نتوصل إلى الاستنتاج المذكور، فالمثقف كما يقول أصحاب الشأن هو ابن لحاضنته وبيئته، ويقول العارفون أيضا، هناك تأثير متبادَل بين الجانبين (المثقف والثقافة)، أي أن أحدهما يؤثر في الآخر سلبا وإيجابا، لهذا لو كانت الثقافة ذات منحى تدميري، فإن المثقف هو المسئول الأول عن ذلك، وعلى العكس إذا كان تأثيرها بنّاء فإن الأمر يعود إلى المثقف أيضا.

انطلاقا من هذا الاستنتاجات والتصورات، لابد أن يسعى المثقف ويجدّ ويكدّ ويبذل ما يكفي من أفكار وأنشطة وفعاليات، لكي يحصّن الثقافة من التحول إلى مطرقة للتهديم، وهو أمر ليس ببعيد، إذ يمكن للثقافة عندما تكون منتجة للتطرف والتعصّب والأنانية وما شابه من قيم رديئة، أن تصبح مطرقة للتهديم، ولا يمكن لهذا النوع من الثقافة أن يبني مجتمعا ناجحا أو دولة مستقرة متطورة.

هنا يبرز بقوة دور المثقف الواعي الايجابي، إنه يستطيع (إذا أراد وذلك وقرر في سريرته) أن يكون فاعلا بأفكاره وأقواله وأفعاله باتجاه التأثير الجيد للثقافة في الأوساط المجتمعية، بمعنى على المثقف أن يستعد تمام الاستعداد لنبذ ثقافة التدمير، وعليه في الوقت نفسه الشروع في تعضيد ثقافة البناء، وهذا في حقيقة الأمر هدف صعب وكبير، لا يمكن ان يتحقق بصورة فردية أو بأفعال وأفكار عشوائية، في حين هناك مثقفون لا يؤدون دورهم كما يجب، بل هم أصلا في معزل عما يدور في مجتمعاتهم، والأمثلة على تهرّب المثقف من القيام بدوره الحقيقي الصحيح، كثيرة وملموسة تماما، لأن واقعنا الثقافي يضج بمثل هؤلاء المثقفين اللذين لا يقيمون وزنا لدورهم التثقيفي، ولا تعنيهم أهمية هذا الدور في رفع مستوى وعي الناس، بل ما يهمهم في الغالب مصالح مادية منفعية سرعان ما تؤول إلى الزوال.

هنا يتدخل التخطيط السليم، والتنفيذ الدقيق والإرادة الثقافية الفردية والجمعية المؤمنة الفاعلة، لكي يتحول الفعل الثقافي من حالته السلبية التدميرية، إلى عنصر بناء ايجابي، يضع الحلول اللازمة لمكافحة التطرف والتشدد والأفكار والعادات الدخيلة الوافدة، أو تلك الموروثة التي لم تعد تتناسب وأجواء المعاصرة والارتقاء، وهذا كله جهد ثقافي يتصدى له المثقفون والمفكرون القادرون على تحويل التأثير الثقافي من نزعته السلبية إلى ايجابية الفعل والفكر والتأثير، لذلك مطلوب من المثقف أن يستثمر كل المزايا الثقافية المتوافرة، من اجل العودة إلى الدور المميز للمثقف والذي يبتعد عن السطحية، وعلى المثقف أن يستقل بفكره وآرائه عن الأفكار التي تروج للأفكار السلبية التي تعطي دورا سلبيا للثقافة بصورة عامة، لذا على المثقف أن يسهم بقوة في تعميق وتطوير الوعي الجمعي، الذي يهدف إلى توعية السواد الأعظم من المجتمع لكي تفهم الغالبية العظمى حقوقها وتحمي حرياتها المدنية والفردية كافة.

أما الكيفية التي يتمكن من خلالها المثقف على تحويل الثقافة من نزعتها المدمِّرة، الى منحى متفاعل ومتفائل في وقت واحد، فهي تعود إلى خزينة الفكري المعرفي، ومرجعياته التي يعتمد عليها ويؤمن بها، ذلك أن الأساس الثقافي الذي يرتكز عليه المثقف، هو الذي يشكل منطلقاته الثقافية والفكرية التي تنعكس على أفعاله ونشاطاته المادية، لذلك عندما يكون المثقف منتجا للأفكار الايجابية الإنسانية المتميزة، فهو بذلك إنما يبعد الثقافة عن مخاطر النزعات التدميرية التي قد تنطوي عليها بسبب تأثيرات التطرف والتشدد وما شابه.

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية. [email protected] https://www.facebook.com/dghoughi.idrissi.officiel/

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 19-أبريل-2024 الساعة: 12:04 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-77246.htm