صنعاء نيوز -  في آذار الربيع العربي من عام 2011 رضخ  الملك عبد الله الثاني لضغط الشارع الاردني المتجاوب مع الحراك الشعبي في دول الاقليم فعمل على تخفيف

الخميس, 17-يونيو-2021
صنعاء نيوز/احمد عبد الحق -
في آذار الربيع العربي من عام 2011 رضخ الملك عبد الله الثاني لضغط الشارع الاردني المتجاوب مع الحراك الشعبي في دول الاقليم فعمل على تخفيف الاحتقان المتزايد بسلسلة من الاجراءات التي تضمنت ، فيما تضمنت ، توجيه حكومته لتشكيل لجنة حوار وطني تعمل على تعزيز مشا ركة القوى السياسية المختلفة في صناعة القرار . و عهد برئاسة تلك اللجنة الى شخصية وطنية لا خلاف عليها و هي رئيس مجلس الاعيان آنذاك طاهر المصري . اما في حزيران السنوات العجاف فقد لجأ الملك ، هذه المرة ، الى اصدار تكليف مباشر من القصر ، لا يمر عبر كوريدورات الحكومة ، لتشكيل لجنة من اثنين و تسعين عضواً ، اُدرجت اسماؤهم في كتاب التكليف ، لتحديث المنظومة السياسية ، و عهد برئاستها الى شخصية خلافية تُمثّل في رأي الكثيرين رمزاً من رموز الخلل الذي تهدف اللجنة ، التي ترأسُها هذه الشخصية ، الى معالجته.
اعتاد الاردنيون على لجان تُشَكّلُ عند المنعطفات بقرار يستنسخ قرارات سابقة مشابهة اُخرجت من ادراج الدولة العميقة و اُلبست ثوباً معاصراً لا يلبث ان يَبلى مع انحسار امواج الغضب و الاحباط .
في رسالته التي وجهها الى سمير الرفاعي لتشكيل لجنة تحديث المنظومة السياسية حدد الملك عبد الله مهام اللجنة بالعمل على ” وضع مشروع قانون جديد للانتخاب، ومشروع قانون جديد للأحزاب السياسية، والنظر بالتعديلات الدستورية المتصلة حكما بالقانونين وآليات العمل النيابي، وتقديم التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية، وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار، وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة ” .
و في رسالته الى طاهر المصري قبل عشر سنوات بارك الملك للمصري اختياره لرئاسة لجنة الحوار الوطني ” مؤكدا أهمية الوصول إلى صيغة لقانون انتخاب ديمقراطي، يقود إلى إفراز مجلس نيابي يمثل كل الأردنيين، ويضطلع بدور رائد في تكريس العدالة والنزاهةوالشفافية وسيادة القانون، وإحداث نقلة نوعية في العمل النيابي.وأعرب عن أمله في أن تتوصل اللجنة إلى تشريع يثري التعددية السياسية والحزبية القائمة، ويكرسها نهجاً راسخاً ، يمكّن القوى السياسية الفاعلة كافة من المشاركة في العملية الديمقراطية وصناعة القرار، عبر احزاب ذات برامج تعبر عن طموحات المواطنين وتستجيب لمتطلباتهم، خاصة فئة الشباب منهم “.
ما اشبه الليلة بالبارحة
قبل عشر سنوات كان الربيع العربي الدافع الرئيسي المباشر لفتح ملف الاصلاح السياسي في البلاد و كانت لجنة الحوار الوطني عنوانَ تحرّك السلطة في هذا الاتجاه، و عندما هدأت عواصف التغيير و انقشعت غيوم الاصلاح قبل ان تُمطر ، وُضِعت اللجنة المذكورة على رفوف الارشيف و كأنها لم تكن. احنت السلطة رأسها قليلاً لتمر العاصفة ثم انقلبت على كل الوعود و التفاهمات و عادت الى المربع الاول من خلال احتواء رموز المعارضة و تحييدهم قبل احالتهم الى الاستيداع مصفقين حيناً و صامتين أحياناً . و لتحقيق ذلك لجأت الحكومات المتعاقبة الى توزير المعارضين او تعيينهم في السلك الديبلوماسي او في الهيئات و المجالس المستقلة البعيدة عن مخالب ديوان الخدمة المدنية و أغدقت عليهم الاوسمة و النياشين و كرّمت منهم من يستحق التكريم و من لا يستحق. واستمر الحال على هذا المنوال، فتضخمت آليات و وسائل تحييد الاصوات المغردة خارج السرب ، فرأينا النياشين والاوسمة تُوزَّع يميناً وشمالاً على العشرات و انتهز الحكم كل مناسبة ليكرِّم المكرمين فهذه مئوية الدولة و تلك ذكرى الاستقلال و ما بينهما من ذكرى الجلوس و يوم الجيش و ما الى ذلك.
ليس من عدم الانصاف القول ان موضوع الاصلاح و محاربة الفساد في الاردن يكاد يكون من اكثر الملفات فساداً و عبثية. فعلى مدى عشرين عاماً لم تتقدم عجلة الاصلاح قيد انملة و تفاقمت الازمات الاقتصادية و الاجتماعية و ارتفعت المديونية و ازدادت معدلات الجريمة و شاخت القوى الشبابية قبل ان تبدأ رحلة عمرها و اصبحت البلاد تنوء تحت رحمة قوى تحولت من مانحة الى فارضة . و لعل في الاتفاقية العسكرية الاخيرة بين الحكومة الاردنية و الولايات المتحدة ما يغني عن المزيد من الحديث .
هل من جديد هذه المرة ؟
يبدو ان عوامل عديدة دفعت الملك الى التحرك في هذا الوقت بالذات للتعامل مع أزمات كثيرُها مؤجل و قليلُها مستجد. اولى هذه العوامل هي اقتصاد عليل أساساً بدا يترنّح امام ازمة الكورونا و ما فرضته من ركود اقتصادي يقترب من الشلل و معدلات بطالة غير مسبوقة و ارتفاع المديونية و تراجع كبير في الاستثمارات المحلية و الاجنبية . اما العامل الثاني ، و هو مرتبط بما سبقه ، فهو انحسار الدعم التقليدي من قوى اقليمية و دولية ” صديقة ” بسبب ما قيل عن مواقف سياسية اتخذتها عمّان فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، و تحول هذا الانحسار الى ضغوط اقليمية و دولية ، قيل انها تقترب من الابتزاز ، تهدف الى تحجيم دور الاردن في قضية الشرق الاوسط و بشكل خاص مسألة التعاطي مع موضوع القدس اِنْ لجهة الوصاية على المقدسات الدينية او لجهة حلحلة العقدة المتعلقة بالوضع النهائي للمدينة في اية مفاوضات او صفقات طبخت او لا تزال تطبخ على نار هادئة. ان بعض الغزل الخجول بين عمّان و غزة له ما يبرره .
يبدو ان ثالثة الاثافي هي طبيعة التحرك الذي قاده الامير حمزة في نيسان الماضي بدعم واضح من فئات تلبس العباءة العشائرية و اخرى تَحِّنُ الى الزي العسكري. هذه “الفتنة”، كما يحلو للبعض ان يسميها، جعلت القصر يدرك ان دعامتين من أهم ما كان يعتقد انها من دعائم النظام في الاردن بدأتا بالاهتزاز. وهذه الدعائم هي العشائر اولاً وعدد لا يستهان به من منتسبي القوات المسلحة والاجهزة الامنية، عاملين ومتقاعدين ، ثانياً.
ويبدو ان هذا ما دار في خُلد البعض عندما لجأ الى التلويح بسيف العشيرة وبندقية المقاتل ليخرج على الناس طالباً من السلطة رأسها.
يدرك القصر ان الاوضاع المحلية ، وبشكل خاص الاقتصادية منها، لم تعد تحتمل المزيد من اجترار الالاعيب السياسية و تدوير الازمات و تناوب الادوار و الاشخاص. ويدرك القصر ان الاصلاح لم يعد مطلب الشارع
الاردني فحسب، بل اصبح استحقاقاً تفرضه قوى و جهات لا قِبَل له بمواجهتها. ويدرك ان عجزه عن التعامل مع اوجهٍ سافرة لفساد مستفحل ينخر كل مفاصل الدولة لم يعد مقبولاً لا محلياً و لا على صعيد
“الاصدقاء” والمانحين الذين ابدو تذمرهم من تقاعس الحكم في الاردن عن التحرك لكبح جماح الفساد والمفسدين.
هل يدرك القصر اليوم انه لم يعد بالامكان الاكتفاء بالاستناد الى خيمة العشيرة و خوذة الجندي و قوى الدولة العميقة للحفاظ على عرشه؟ و ان القاعدة الاعرض من الفسيفساء الاردني هي الضمان الاقوى للدولة العابرة الى مئويتها الثانية؟
لن يتمكن الملك بعد اليوم من الامساك بكل الخيوط بيده وحده، ولعله يدرك ان استقرار نظامه السياسي يستدعي، فيما يستدعي، مواجهة استحقاقات لم يعد بمقدوره تجاهلها او القفز عنها ، وعلى رأس هذه الاستحقاقات التحوّل المدروس الى ملكية دستورية عمادها حكومة منتخبة صاحبة ولاية عامة.
ليس هذا ترفاً و لكنه استحقاق طال امده.
هل تتمكن لجنة الرفاعي، في القادم من الايام، من مواجهة التحديات التي لا مهرب منها؟ لعل الاجابة تكمن في قدرة هذا الموزاييك من اطياف القوى السياسية التقليدية و الاحزاب المنزوعة الدسم و شخصيات من اقصى اليمين الى اقصى اليسار على مواجهة الدولة العميقة و الوقوف امام قوى الشد العكسي التي لن تُلقي قفازاتها دون مقاومة. ثم، وقبل كل شيء، استعداد القصر لتغييرٍ جوهري في آلية تعاطيه مع الشأن السياسي في البلاد.
في لقاءه مع أعضاء لجنة الميثاق الوطني بتاريخ 29/3/2011 أكد الملك على أنه ” يضمن احترام مخرجات اللجنة وتوصياتها المتمثلة بصياغة قانون انتخاب وقانون أحزاب والتعديلات القانونية والدستورية اللازمة لتطوير الحياة النيابية والسياسية للارتقاء بالعمل السياسي الوطني وبناء الأردن الجديد” …..الخ و لكن ما حدث بعد ذلك كان امراً مختلفاً.
في رسالته الى سمير الرفاعي يؤكد الملك انه يضمن أمام الأردنيين والأردنيات كافة، أن حكومته ستتبنى نتائج عمل اللجنة وستقدمها إلى مجلس الأمة فو راً ودون أي تدخلات أو محاولات للتغيير او التاثير .
القول بتقديم نتائج عمل اللجنة و مخرجاتها الى مجلس النواب هو محافظة على خط الرجعة، اذ يؤكد المشككون ان الكرة في ملعب الملك، وان دور المجلس النيابي سيكون، كما كان دائماً، تمهير قرارات القصر بختم السلطان وتواقيع الندماء و مقتعدي المقاعد الوثيرة.
القصر، اذن، امام تحد لن يتمكن من مجابهته الا بانقلابه على نفسه.
طبيب واكاديمي عربي مقيم في ايرلندا
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 11:38 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-77434.htm